ضرورة الحوار المجتمعى حول تعديلات قوانين مكافحة الإرهاب

بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة المؤسفة التى شهدتها البلاد من تفجير كنيسة مارجرجس بمدينة طنطا وتفجير كنيسة مارمرقس بمحافظة الإسكندرية، التى راح ضحيتها أكثر من 40 قتيلاً وعشرات من الضحايا المصابين، فضلاً عما يحدث فى شمال سيناء من عمليات شبه يومية ضد المواطنين والجنود، برز الحديث عن ضرورة تعديل قانون الإجراءات الجنائية وقانون الكيانات الإرهابية لمواجهة مثل هذه الأعمال الإرهابية.

الهدف من التعديلات المقترحة من الحكومة هو سرعة إجراء المحاكمات من جانب، ومن جانب آخر وضع أسماء الأشخاص والكيانات المتورطة فى الإرهاب، سواء كانوا فاعلين أصليين أو مشاركين أو مساهمين. ما يهمنا هو الضوابط القانونية والضمانات التى تحمى حقوق المواطنين وتضمن إنصافاً قانونياً وقضائياً بما يتفق، والدستور المصرى والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ومن الجدير بالذكر، أن مصر ليست الدولة الوحيدة التى شهدت أعمالاً إرهابية فى الفترة الأخيرة، فقد وقعت العديد من الحوادث الإرهابية فى أكبر العواصم العالمية، ومنها باريس ولندن وموسكو، فقد انتشر الإرهاب فى العصر الحديث نتيجة انتشار وسائل التكنولوجيا التى مكّنت الجماعات الإرهابية من القدرة على الاتصال والتواصل والإمداد المادى واللوجيستى، لتنفيذ أهدافهم وتنفيذ عمليات إرهابية فى أى مكان، فقد بات الإرهابيون قادرين على الحركة السريعة والتجنيد عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة والقدرة على جذب واستقطاب شباب للانضمام إليهم وتجنيدهم والعمل وفق نظرية الذئاب المنفردة والنتيجة كانت قدرتهم على اختراق جاهزة أمنية ودفاعية قوية، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

ولكن فى الوقت نفسه لم نجد هذه الدول تقدم على تعديل تشريعاتها بوضع نصوص قانونية تعصف بحقوق الإنسان الأساسية مثل الحق والحرية فى التنقل والحرية والأمان الشخصى أو سلامة الجسد من التعذيب، وهى حقوق مكفولة بموجب الدساتير العالمية والمواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.

وبالتالى يجب التأكيد أن مواجهة الإرهاب، وهو أمر مهم وضرورى، يجب ألا تستغل فى العصف بحقوق الإنسان، فقد أكدت المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وجوب احترام حقوق الإنسان أثناء مواجهة الإرهاب والكيانات الإرهابية.

ولهذا يجب على البرلمان أن يتذكر قواعد الشرعية الدولية عند سن أى قوانين أو تعديلات قانونية، ومنها المادة 14 من العهد الدولى لحقوق الإنسان بشأن الحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة وسرعة المحاكمة التى تقرر مبدأ أساسياً هو «الأصل فى الإنسان البراءة»، وهنا نؤكد ضرورة أولاً: تحقيق الأدلة تحقيقاً وافياً بما يؤدى إلى تمكين المتهم من مناقشة الأدلة والشهود لوضع الحد الفاصل بين ثبوت التهمة أو نفيها، ثانياً: تمكين المتهم من الدفاع بالأصالة أو الوكالة، وثالثاً: إعمال قواعد محددة، مثل مبدأ شرعية الجريمة والعقاب، الذى بناء عليه لا يجوز تجريم فعل أو تقييد شخص أو توقيع عقوبة إلا بنص، ورابعاً: الحق فى مناقشة شهود الإثبات والنفى، لأن شهادة الشهود تؤدى إلى إثبات التهمة أو نفيها، وخامساً: الإسراع فى المحاكمة بحيث يجب ألا تكون على حساب ضمانات الدفاع.

وعليه، يمكن الأخذ بمبدأ القاضى المتخصص، بحيث يتم تخصيص دوائر متخصصة فى محاكمة جرائم الإرهاب، تكون مختصة بالفصل فى القضايا الإرهابية، وذلك لسرعة تحقيق العدالة الناجزة.

والقضية الأهم بعد ذلك فى تعديلات مجلس النواب هى تعريف الكيانات الإرهابية، وضرورة أن يكون التعريف جامعاً مانعاً ويتوافق حول ماهية الكيانات الإرهابية، من حيث طبيعتها وعناصرها حتى يمكن مواجهة بعض الكيانات العابرة الحدود، التى لها تمركز فى أكثر من دولة، هذا ويجب أن يكون هناك اتفاق بشأن التعريف يسهل من خلاله تجفيف منابع الدعم المادى واللوجيستى، ويتفق مع التشريعات الدولية التى وضعت تعريفات للكيانات الإرهابية فى تشريعاتها وبما يسهل على الدولة طلبات التسلم للأشخاص المتهمين أو حظر منظمات أو كيانات.

وفى النهاية، لا يبقى سوى أن نقول إن ظاهرة الإرهاب تتمدد على حساب النظم الأمنية، مهما بلغت قوتها ولديها القدرة على اختراق الحدود، لذلك يجب أن يخضع القانون للمناقشة مع المجتمع المدنى ولا يقتصر فقط على لجان البرلمان والحكومة حتى يستطيع الوصول لقانون متوافق عليه يحظى بموافقة القوى الشعبية والمجتمعية.