الجيش المصرى وحرب الأكاذيب

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

تواجه مصر منذ فترة من الوقت نوعاً جديداً من الحروب، تُستخدم فيه كل أدوات التكنولوجيا، حيث يعاد إنتاج الوقائع والأحداث بصورة مختلفة وجديدة، الهدف منها التحريض ضد مؤسسات الدولة المصرية ورموزها.

ويطلق على هذه الحرب «حرب التقنيات الحديثة» والتحكم عن بُعد، وأيضاً يطلق عليها «حرب الإبهار والخداع والسيطرة»، حيث إنها نجحت فى خداع قطاعات عديدة من الناس، ودفعتهم إلى تغيير قناعاتهم ولو إلى حين.

وقد مارست بعض القنوات الفضائية، وتحديداً «قناة الجزيرة والقنوات الإخوانية» هذا النوع من الحروب، ولا تزال تمارسه دون مراعاة لأدنى التزام بالقيم المهنية والأخلاقية، فراحت تنتج بعض الأفلام الوثائقية والفيديوهات التى جرى إنتاجها لحسابات سياسية معينة، الهدف منها التحريض من خلال استغلال بعض الأحداث، وإعادة إنتاجها بشكل مختلف.

وقد استطاعت قناة الجزيرة، من خلال عملية «الخداع» وإعادة إنتاج الصورة ودس المعلومات الكاذبة، أن تنجح فى تحطيم العديد من الدول ونشر الفوضى والتحريض ضد رموز هذه البلدان، ما تسبّب فى أحداث وكوارث عديدة، لا تزال إلى الآن تعانى مخاطرها وتداعياتها.

ومؤخراً أنتجت هذه القناة «العميلة» فيلماً وثائقياً أطلقت عليه اسم «العساكر»، استخدمت فيه قدراً كبيراً من الكذب والخداع ومحاولة تضليل الرأى العام، بإظهار بعض الأكاذيب على أنها حقائق، من خلال مشاهد تمثيلية على أنها واقع، والهدف هو التشكيك فى الجيش المصرى والعلاقة التى تربط بين أبنائه.

لم يكن الأمر اعتباطاً، لكن الهدف كان التشويه والتحريض وإحداث البلبلة داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، إلا أن توضيح الحقائق وكشف الألاعيب أفسد على هذه القناة ومن يقف خلفها هذه «المؤامرة» الجديدة التى ظن البعض أنها قد تنجح فيما فشلت فيه على مدى ست سنوات ماضية، كان فيها الجيش المصرى ولا يزال رابط الجأش، متماسكاً فى وحدته وعقيدته الوطنية.

وبعد الفشل المتكرر لجماعة الإخوان والأجهزة الاستخبارية التى تقف خلفها، راحت قنواتها تنشر فيديو جديداً يزعم قيام قوات الجيش المصرى فى سيناء بقتل عدد من الشباب والمواطنين خارج نطاق القانون.

وقد تعددت الأخطاء فى هذا الفيديو من اللهجة غير المصرية إلى ارتداء بعض الجنود ملابس مدنية فى ميدان القتال إلى اللحية إلى الملابس الشتوية والصيفية فى آن واحد، وهو أمر يكشف لكل مدقق زيف وتزييف هذا الفيلم القصير الذى تم بثه على نطاق واسع فى الفضائيات المشبوهة وعلى مواقع التواصل الاجتماعى.

وقد استخدم «البلهاء» الذين أنتجوا هذا الفيديو صوراً سابقة لمعارك خاضها الجيش المصرى ضد إرهابيين ارتكبوا أعمالاً إرهابية عديدة، وقد أذاع المتحدث العسكرى تفاصيل هذه العمليات العسكرية، إلا أنهم راحوا يستعينون بذات المشاهد والملابس والأماكن التى وقعت فيها هذه الأحداث، ليأتوا بعناصر مشابهة لتمثل دور الضحية، ويعاد إنتاج سيناريو جديد عكس الحقيقة، ليبين أن هؤلاء الذين قُتلوا فى معارك سابقة، لم يكونوا إلا أحياء تم قتلهم خارج إطار القانون، وأن أحد الجنود قام بتصوير ما جرى من خلال موبايل خاص كان يمتلكه.

وبالرغم من سذاجة المعروض، وعدم امتلاك دليل واحد يثبت صحة ما تم ترويجه، خاصة أن غالبية المشاهد التمثيلية تم التقاطها من على بُعد فإن بعض «الأغبياء» راحوا يرددون نفس ادعاءات الإخوان دون حتى أن يدققوا النظر فى مدى صحة مضمون هذا الفيديو.

إن الأخطر من ذلك هو التقرير الذى أصدرته منظمة «هيومان رايتس ووتش» خلال الساعات الماضية تعليقاً على هذا الفيديو، حيث زعمت أن حملة مكافحة الإرهاب المصرية فى سيناء خرجت عن السيطرة وقالت «إنها بالرغم من أنها لم تتأكد من موقع أو تاريخ هذه الأعمال، إلا أن الفيديو يبدو صحيحاً»، حسب زعمها.

ويكشف البيان الصادر عن هذه المنظمة المعروفة بمواقفها العدائية لمصر وإساءتها لثورة الثلاثين من يونيو وللدولة المصرية ومؤسساتها المختلفة، الهدف الحقيقى من وراء إثارة هذه الزوبعة عندما قالت فى بيانها: «إن على الدول التى تقدم الأسلحة والعتاد والتدريب للجيش المصرى أن تجمد هذه المساعدات طالما ظلت القوات المسلحة مستمرة فى تحمل مسئولية ما سمته بالانتهاكات المتفشية والجسيمة لحقوق الإنسان»، وقالت: «إن القانون الدولى يلزم مصر بالقبض على المسئولين عن أعمال القتل هذه ومحاسبتهم».

إذن الهدف هو التحريض ضد الجيش المصرى، وفرض إجراءات عقابية ضده من قبَل دول العالم، خاصة بعد أن نجح هذا الجيش فى إحداث نقلة نوعية فى التسليح والتدريب، من خلال تعدد مصادر التسليح، والتفوق فيه.

إن هذا الهدف ليس وليد التو، أو اللحظة، بل إن تنامى قدرات الجيش المصرى وقوته أصبح يقلق الكثيرين، خاصة العدو الصهيونى، وهو أمر دفعها بالتأكيد إلى التحرك للمواجهة والتحريض، من خلال نشر بعض المعلومات والفيديوهات المزيفة التى يمكن اتخاذها تكأة للنيل من الجيش المصرى وسمعته.

وإذا كان مثل هذا الفيديو الكاذب تم تصويره فى أكتوبر أو نوفمبر من العام الماضى حسب ادعاءاتهم، فلماذا جرى الصمت لمدة نحو ستة أشهر لم يظهر فيها هذا الفيديو للإعلام أو الرأى العام، خاصة إذا كان صحيحاً أن هناك من قام بتصويره؟ أظن أنه ما كان ينتظر هذه المدة كلها، حتى يستطيع بث الفيديو على هذه القنوات أو غيرها.

إننى أذكّر هنا بالتقرير الذى نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية فى فبراير 2013 -أى فى فترة حكم الإخوان- وروجت فيه لبعض ادعاءات ما سُمى بتقرير «لجنة تقصى الحقائق الإخوانية» والذى تعمّد الإساءة للجيش المصرى واتهامه بارتكاب جرائم قتل وهتك أعراض خلال الفترة الانتقالية التى أعقبت أحداث 25 يناير، وهو ما كذّبه القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع «الفريق أول» عبدالفتاح السيسى فى هذا الوقت، عندما قال: «إن جيش مصر جيش شريف، لم يخن، ولم يغدر، ولم يقتل»!!

إنها نفس الأهداف، ونفس السيناريوهات المفضوحة، التى يراد منها التحريض ضد قواتنا المسلحة، ومحاولة إرباكها وعرقلة خططها فى حماية الأمن القومى، وهو نفس سيناريو ما تردد عن «الحرب الكيميائية» فى «خان شيخون»، فكل الأحداث تؤكد كل يوم أنها «تمثيلية» كان الهدف والغرض منها معاقبة النظام السورى، وعرقلة تحريره لبقية أراضى البلاد من أيدى الإرهابيين.

إن جيش مصر العظيم الذى التزم بالمعايير الأخلاقية فى مواجهة الإرهاب، رغم ما يكلفه ذلك من خسائر، لا يمكن له أن يمارس عمليات القتل خارج إطار القانون، حتى ولو كان الضحايا من الإرهابيين. وعلى المفبركين أن يجيدوا فبركتهم، وعلى المتشككين أن يراجعوا تاريخ الجيش الذى تأسس منذ 3200 سنة قبل الميلاد.