لماذا تعتبر الانتخابات الرئاسية الحالية "الأغرب" في تاريخ فرنسا؟

لماذا تعتبر الانتخابات الرئاسية الحالية "الأغرب" في تاريخ فرنسا؟
يتوجه الشعب الفرنسي إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، اليوم الأحد، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي تُعد الأكثر غرابة في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وفي هذه الانتخابات تعتبر المرة الأولى التي تشهد 4 مرشحين اثنان منهم قد يصلان الجولة الثانية وفقا لاستطلاعات الرأي بعدما باتوا جميعهم في ذات الخانة تقريبا، أي أنهم يحصلون على نسب متقاربة في توجهات الناخبين يمكن أن ترجح دفة مرشح على آخر فقط من خلال هامش الخطأ، صعودا أم هبوطا.
وحسبما أفادت إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية أن المرشحين الأربعة هم إيمانويل ماكرون المرشح الوسطي زعيم حركة المضي قدما، مارين لوبان مرشحة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، فرانسوا فيون مرشح حزب الجمهوريين اليميني وجان لوك ميلنشون مرشح حركة فرنسا العصية.
وباستثناء مارين لوبان فإن أحد المرشحين الثلاثة يمكن أن يفوز بالدورة الثانية ليصبح رئيسا للجمهورية الفرنسية، وأوجه الغرابة في هذه الانتخابات عديدة، فالمرشح الأوفر حظا للوصول إلى قصر الإليزيه هو إيمانويل ماكرون وزير الاقتصاد السابق لأشهر مضت، ومرشح حركة "المضي قدما" التي يريد لها أن تكون وسطية، وأنشأها قبل عام من الانتخابات الرئاسية.
وماكرون، الذي يحصل على نسبة 24 بالمئة من توجهات الناخبين في آخر استطلاع للرأي، يقول إنه يساري الفكر ويميني التوجه الاقتصادي ووسطي الانتماء إلى أوروبا، وهو يصف نفسه تارة بأنه مرشح العولمة السعيدة وفرنسا الأطراف، أي فرنسا المهمشة، تارة أخرى وهو مع العولمة، وفي ذات الوقت مع بلسمة جراح الفرنسيين المهمشين الذين يعانون منها.
ووجه الغرابة بإمكانية وصول المرشح الوسطي ماكرون إلى الرئاسة الفرنسية ينبع من كون الفرنسيين قد سئموا من الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، ولعبوا دورا في الحيلولة دون ترشيحه لولاية ثانية، ولكنهم في الوقت ذاته قد يحملون، بأصواتهم إلى قصر الإيليزيه، الشخص الذي لعب دورا أساسيا في سياسة أولاند الاقتصادية، هذه السياسية التي أثارت غضب وحفيظة أكثرية الفرنسيين الساحقة.
فإيمانويل ماكرون كان عراب الانعطاف في سياسة الرئيس الفرنسي الاقتصادية وهو من أقنعه بتبني سياسة العرض، أي بتخفيف الأعباء الاجتماعية عن المؤسسات الاقتصادية وليس عن المستهلكين عندما كان أمينا عاما مساعدا للرئاسة الفرنسية ووزيرا للاقتصاد، وكانت هذه المسألة وراء انفضاض ناخبي اليسار عن الرئيس الاشتراكي فرنسوا أولاند.
ومن أوجه الغرابة هو أن 80% من الفرنسيين يريدون أن يفوز بالرئاسة الفرنسية شخص يقلب الطاولة رأسا على عقب، وواحد من أصل 4 فرنسيين يرى أن ماكرون يجسد هذا الشخص.
ومن أوجه الغرابة أيضا هو أن مارين لوبان تحل في المرتبة الأولى أو الثانية في استطلاعات الرأي في الدورة الأولى، ولكن بقية المرشحين الثلاثة يتفوقون عليها في الدورة الثانية.
فهي وأن نجحت بجعل حزبها الجبهة الوطنية القوة السياسية الأولى في البلاد، على مدار السنوات الخمس الماضية، إلا أنها غير قادرة على إحداث الخرق الكبير في صناديق الاقتراع للوصول إلى قصر الأليزيه.
ومن مفارقات هذه الانتخابات أن مرشحي الحزبين الكبيرين اللذين تبادلا الحكم في فرنسا على مدار الخمسة والثلاثين عاما الماضية قد لا يصلان إلى الدورة الثانية، وهذا ناتج عن عدة أمور تتعلق بالمرشحين ولكنها أيضا على علاقة بالأجواء السياسية وبمزاج الفرنسيين.
وإذا كان فرانسوا فيون قد دفع منذ ثلاثة أشهر ثمن فضيحة المتعلقة بالوظائف الوهمية لأفراد من عائلته حيث تراجع في استطلاعات الرأي إلى المرتبة الثالثة وأحيانا الرابعة، بعد أن كان الأوفر حظا بالوصول إلى سدة الرئاسة الفرنسية.
ولكن الأغرب هو أن المرشح الاشتراكي بنوا آمون مرشح الحزب الحاكم، اليوم، يحل في المرتبة الخامسة ويحصل على 7% من توجهات الناخبين، حتى أن بعض المراقبين يخشى من ألا يحصل على هذه النسبة في الانتخابات.
ويدفع آمون إلى حد ما ثمن الحسابات والانقسامات السياسية والخلافات الأيديولوجية داخل الحزب الاشتراكي.
فالمرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلنشون قد جذب أكثرية ناخبي اليسار، في استطلاعات الرأي حتى الآن، ولكن البعض يتوقع أن يجذب المزيد من أنصار اليسار خلال الدورة الأولى من الانتخابات مدفوعا برغبة ناخبي اليسار برؤية مرشح يساري في الدورة الثانية.
وأوجه الغرابة ستكون أكبر في حال وصول مارين لوبان إلى الدورة الثانية إلى جانب مرشح فرنسا العصية، لأن استطلاعات الرأي تظهر أن مرشح اليسار الراديكالي يفوز على مرشحة حزب الجبهة الوطنية في الدورة الثانية وبفارق كبير في الأصوات.
وإذا ما صحّ هذا السيناريو فإن الفرنسيين يكونون قد اختاروا مرشحا يساريا راديكاليا، فيما كل الانتخابات التي جرت خلال السنوات الخمس الماضية، من الانتخابات البلدية إلى انتخابات الأوروبية مرورا بانتخابات المناطق أظهرت أن أكثرية الفرنسيين تقترع لصالح اليمين.