ما بعد الإنسان.. الثورة الصناعية الرابعة

الثورة الصناعية الأولى.. هى ثورة البخار، واختراع المحركات.. وبدء عصر الماكينات، والثورة الصناعية الثانية هى ثورة الكهرباء، والثورة الصناعية الثالثة هى ثورة الكمبيوتر.. والآن يمضى العالم إلى الثورة الصناعية الرابعة.. ثورة الإنسان الآلى.

(1)

نجح كتاب الدكتور «كلاوس شواب»، رئيس المنتدى الاقتصادى العالمى «دافوس»، فى لفت انتباه العالم إلى أن عصر الروبوت ليس مجرد تطوير أو تحديث.. أو حتى طفرة أو نقلة.. فى تاريخ الإنسانية.. بل إنه «ثورة» بكل معانى الثورة.. وأن العالم يمضى من ثورة «الحاسب الآلى» إلى ثورة «الإنسان الآلى».. أو من «الثورة الصناعية الثالثة» إلى «الثورة الصناعية الرابعة».

يذكر «كلاوس شواب» فى كتابه.. أن أكبر شركة سيارات فى العالم، وهى شركة أوبر، لا تملك سيارة واحدة، كما أنَّ أشهر مؤسسة إعلامية فى العالم «فيس بوك» لا تملك صحيفة واحدة.. وأمّا أكبر موقع بيع تجزئة فى العالم، وهو «موقع على بابا»، فهو لا يملك مصنعاً واحداً.. وكذلك فإن أكبر موقع لخدمات الإسكان فى العالم airbnb لا يملك شقةً واحدةً!

(2)

إن الثورة الصناعية الرابعة.. ثورة الإنسان الآلى الذى سيعمل فى كل شىء.. ستكون -حسب «شواب» - ثورة سريعة مذهلة.. مثل تسونامى. سيعمل الروبوت فى كل المجالات.. وكافة الوظائف، وسيعمل الذكاء الاصطناعى جنباً إلى جنب مع الذكاء البشرى.. وسيطرد الروبوت الإنسان من الوظائف والأعمال. ستكون هناك «البطالة الحتميّة».. عصر «اللاعمل» أو «عصر نهاية العمل»!

تقول الشركات: يجب أن نكون واضحين، إن معظم الأعمال تقوم بها الروبوتات.. وعلى البشر تقبُّل فكرة «عدم وجود عمل فى المستقبل»!

وفى مارس عام 2016 قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما: سوف يحلّ الإنسان الآلى محل الإنسان البشرى فى (50%) من الوظائف عام 2030.. وقتها سيكون ملايين الناس بلا عمل!

(3)

تحمل الثورة الصناعية الرابعة ظاهرة «المصانع الذكية».. التى تُدار بالإنسان الآلى.. وترتبط بالإنترنت.. وهى على ذلك قليلة التكاليف، كثيرة الإنتاج.

وحسب صحيفة «ديلى ميل» البريطانية يقول المتفائلون: ستكون هناك وفرة فى كل شىء.. إنتاج كبير للسلع والخدمات.. وستصبح المنتجات رخيصة جداً، ويمكن توزيع «الثروات الجديدة» من أجل توفير الحياة لكل الناس.. الذين سيكون جزء كبير منهم فى عداد البطالة. يجب الدفع لهؤلاء العاطلين بسبب الروبوتات من «فائض الإنتاج الروبوتى».

وفى القمة العالمية للحكومات فى دبى فبراير 2017 قال رئيس شركة «تسلا موتورز»: يجب أن تدفع الحكومات راتباً أساسياً للمواطنين الذين يفقدون وظائفهم بسبب الإنسان الآلى.. وهناك مديرون ورؤساء تنفيذيون فى شركات كبرى حول العالم يؤيدون ذلك.

يواصل المدافعون عن الثورة الرابعة رؤيتهم: إنَّ الإنسان الآلى سيعمل فى الأعمال الروتينية المتكررة.. ليتفرّغ العقل الإنسانى للأعمال الأكثر تنوعاً وإبداعاً.

(4)

لكن رؤية المتفائلين لم تمنع الرؤية الأخرى من القلق والفزع.. ذلك أن هناك حكومات وشركات لن تدفع من «فائض إنتاج الإنسان الآلى». وأن ذلك الفائض لن يكفى لتغطية احتياجات ملايين الناس الذين سيفقدون وظائفهم.. ومعهم ملايين جُدد يبحثون عن عمل مع زيادة معدلات السكان عالمياً.

إن العمل ليس أيضاً مجرد وسيلة للطعام والشراب.. وقضاء الإجازات، ولكنه أساس التوازن النفسى للإنسان.. وأن يشعر بقيمته ومكانته.. وأن الثورة الرابعة ستجعل ملايين الناس بلا عمل ولا قيمة!

إن بيل جيتس وستيفن هوكينج ونخبة العلم والفكر فى العالم.. يشعرون بالخوف الشديد على مستقبل الإنسان البشرى من صعود الإنسان الآلى.

ويرى أستاذ كامبريدج ستيفن هوكينج.. أن الذكاء الاصطناعى هو أسوأ ما حدث للبشر.. ذلك أن الإنسان الآلى قد يطوِّر «إرادة خاصة».. يمكن أن تتعارض مع مصالحنا.. وحينئذٍ سيكون العقل الآلى أقوى من العقل البيولوجى.. وسيكون تطور الذكاء الاصطناعى أسوأ ما حدث للبشرية!

(5)

إن الثورة الصناعية الرابعة قد تكون الثورة الأخيرة.. هى نهاية التاريخ ونهاية الإنسان.. أو هى بداية ما بعد الإنسان.

يحتاج العالم إلى إعادة النظر فى فلسفة هذه الثورة.. والنظر الأعمق إلى وضع العالم بعد «نهاية العمل» وسيطرة الروبوت.. وانهيار المجتمعات.. وتغيير نظرية الإنتاج.

من المؤسف أن تخسر البشرية بسبب جنوح العباقرة.. وانفلات الأذكياء.. وأن يكون العلم أكثر خطراً من الجهل.. والثورة الصناعية الرابعة أكثر خطراً من الحرب العالمية الثالثة.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر