الشرقية: «البردى» سر الحضارة الفرعونية «يحتضر» بسبب الإهمال

الشرقية: «البردى» سر الحضارة الفرعونية «يحتضر» بسبب الإهمال
- أشعة الشمس
- أهالى القرية
- أوراق البردى
- إيجارات الأراضى
- ارتفاع تكاليف
- الأقصر وأسوان
- الإدارة العامة
- التاريخ المصرى القديم
- التعليم العالى
- أبناء
- أشعة الشمس
- أهالى القرية
- أوراق البردى
- إيجارات الأراضى
- ارتفاع تكاليف
- الأقصر وأسوان
- الإدارة العامة
- التاريخ المصرى القديم
- التعليم العالى
- أبناء
فى «قرية القراموص»، التابعة لمركز أبوكبير بمحافظة الشرقية، التى اشتهرت لسنوات طويلة بزراعة وصناعة ورق البردى، الذى اكتشفه المصريون القدماء ودونوا عليه قصص حياتهم، يمتزج عبق التاريخ والإهمال فى آن واحد، بعد أن تدهورت تلك الصناعة وأصبحت فى طريقها للاندثار.
بمجرد أن تطأ قدماك القرية تتنسم عبق التاريخ المصرى القديم الذى استوطنت معالمه فى الكثير من المنازل والشوارع وصولاً للأراضى الزراعية التى تتخللها عدة أفدنة منزرعة بنبات البردى.
داخل منزل بسيط جلس الحاج الشوادفى مصطفى، 62 عاماً، وأفراد أسرته المكونة من «زوجته و9 فتيات» يعملن فى تصنيع البردى.
{long_qoute_1}
الحاج «الشوادفى» لم ينل قسطاً من التعليم ولم يعرف الراحة يوماً، ولم يعتمد على أحد، عمل مزارعاً، ثم أصبح له منزل ملحق به ورشة لتصنيع ورق البردى، يقول الرجل الستينى: «أنا شغال فى زراعة وصناعة ورق البردى من سنين طويلة، أنا معرفتش غير المهنة دى، وأصبحت مهنة زوجتى وبناتى كغيرهم من أهالى القرية، إلا أننا من الأسر القليلة التى ما زالت تمتهن تلك المهنة، خاصة بعد تدهور تلك الصناعة»، وتابع قائلاً: «رغم تراجع صناعة ورقة البردى والإقبال على شرائه مش زى زمان وأصبح قليلاً جداً فإننى والحمد لله ما زال هناك طلب على منتجاتى من ورق البردى، حيث أحافظ وأفراد أسرتى جاهدين على صناعة الورق بجودة عالية وعدم التراجع عن ذلك رغم أن العائد قليل جداً وبنحقق هامش ربح بسيط».
وأردف الرجل الذى جمعت تجاعيد وجهه بين الماضى والحاضر: «أنا زمان كنت شغال عامل زراعى وبالاجتهاد ربنا كرمنى وقدرت أشترى قطعة أرض وبنيت بيت وتزوجت وأنجبت 9 فتيات همّا ثروتى الحقيقية وضهرى وسندى ولولاهم كان ممكن أسيب زراعة وتصنيع ورق البردى زى معظم الأهالى»، واستكمل حديثه قائلاً: «كل الأسر فى القرية كانت شغالة فى البردى ومكنش فيه بطالة وكان العائد المادى كويس بس دلوقتى الحال مبقاش زى زمان وكتير من الشباب ترك القرية وخرج للبحث عن مصدر رزق».
ويتذكر الرجل وقتاً كانت لا تهدأ فيه الحركة فى القرية منذ بداية بزوغ أشعة الشمس حيث كان يذهب الرجال للأراضى الزراعية وكانت تتجمع الفتيات والسيدات فى صفوف لتقشير سيقان البردى، بينما يوجد رجال آخرون فى الورش المنزلية الصغيرة لتصنيع البردى وتحويل النبات الأخضر لورق خام يصلح للكتابة والرسم والتلوين عليه، ومضى قائلاً: «إحنا بنشعر بالحسرة بسبب تراجع الحال».
تلتقط «ثريا»، 17 عاماً، طالبة بالدبلوم الفنى «ابنته الصغرى» طرف الحديث قائلة: «منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أعمل فى زراعة وصناعة ورق البردى وأحببت تلك المهنة كثيراً وأعمل فى الإجازات وساعات محددة خلال ساعات الدراسة»، وتابعت: «يكفى أننا نستطيع أن نعمل فى تلك المهنة ونحن فى منازلنا ونستطيع أن نجنى منها دخلاً يغنينا عن الحاجة للناس»، وأردفت: «أنا بطالب المسئولين إنهم يهتموا بصناعة البردى وينقذوها من التدهور لأنها ليست مجرد مهنه عادية وإنما مهنة تحافظ على التاريخ وتستعيد أمجاد الماضى، كما أنها توفر العديد من فرص العمل للأهالى، خاصة للفتيات داخل منازلهن ولا تضطر أى منهن للبحث عن العمل فى أى محل تجارى أو مصنع بمبالغ زهيدة».
وقال سعيد طرخان، أحد صناع البردى وأهالى القرية، إن الفضل فى زراعة ورق البردى يعود للدكتور أنس مصطفى أحمد، أستاذ الفنون الجميلة بجامعة حلوان، فهو أول من أدخل هذا المشروع للقرية وتحديداً عام 1977، حيث أحضر شتلات البردى من الإدارة العامة لحدائق القاهرة وبدأ بزراعة قطعة صغيرة من الأراضى وجمع نحو 200 من أبناء القرية وعلمهم كيفية زراعة وتصنيع أوراق البردى، ثم قام كل منهم بعمل مشروع خاص به بداية من الزراعة والتصنيع وعلم كل منهم أفراد أسرته وانتشر الأمر وتدريجياً انخرط جميع أهالى القرية فى تلك المهنة واختفت البطالة نهائياً وأصبحت القرية قبلة للراغبين فى العمل من قبَل أبناء القرى المجاورة.
وتابع: «منذ بداية المشروع مروراً بفترة الثمانينات حتى منتصف التسعينات شهدت تلك الصناعة رواجاً كبيراً وغزت منتجات القرية من البردى المعارض السياحية فى الأقصر وأسوان والقاهرة والغردقة وشرم الشيخ وغيرها حيث كانت تشهد إقبالاً كبيراً من جانب السائحين، كما كان يقبل السائحون على القرية لمشاهدة مراحل صناعة ورق البردى وكانوا يشترون المنتجات بأسعار جيدة وعقب منتصف التسعينات حيث وقعت الكثير من الأحداث التى أثرت بالسلب على السياحة منها حرب الخليج ومذبحة الأقصر بدأت الأحوال فى التدهور تدريجياً حتى ثورة 25 يناير 2011 وما أعقبها من ركود فى السياحة أثر بالسلب بشكل كبير على تلك الصناعة».
وأردف: «المساحة المنزرعة بالبردى فى السنوات الماضية كانت تبلغ 500 فدان وقلت تدريجياً حتى وصلت لـ25 أو 30 فداناً خلال الفترة الحالية»، مشيراً إلى أن الأهالى أقبلوا على زراعة تلك المساحات عقب وعد المحافظ السابق، سعيد عبدالعزيز، والمحافظ الحالى، الدكتور رضا عبدالسلام، ووعدهم بالعمل على السعى على النهوض بتلك الزراعة والصناعة».
وأشار إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج حالياً، موضحاً أنه كان يتم شراء جركن الكلور بـ15 جنيهاً والآن يتم شراؤه بـ150 جنيهاً وارتفاع أجر العامل أو العاملة من 150 جنيهاً لـ1000 جنيه فى الشهر، وكذلك زيادة قيمة إيجارات الأراضى فى الوقت الذى يضطرون فيه لبيع المنتجات بأقل من التكلفة بسبب تراكمه وضعف الإقبال على الشراء.
وأضاف: مجموعة من أهالى القرية وجهوا دعوة للمحافظ الأسبق، الدكتور سعيد عبدالعزيز، لزيارة القرية وبالفعل استجاب للأهالى وتفقد مراحل صناعة البردى، وطلبنا منه منحة من الصندوق الاجتماعى للتنمية لمساعدتنا على الإبقاء على تلك الصناعة والاهتمام بجودة المصنوع من البردى، خاصة فى ظل تعرضها للانهيار، مشيراً إلى «أنهم انتهوا من كافة الإجراءات التى طلبها المسئولون بالصندوق الاجتماعى لإعطائهم المنحة منذ شهر يونيو 2014 وحتى الآن لا يوجد أى رد من الصندوق».
وتابع: وفد من الأهالى التقى الدكتور رضا عبدالسلام، المحافظ السابق، لمطالبته باتخاذ أى إجراءات تساعد على الإبقاء على تلك الصناعة، لافتاً إلى أنه خاطب وزير التعليم العالى والهيئة العامة للاستعلامات لتوقيع بروتوكول مع المحافظة وأهالى القرية لعمل شهادات التخرج وشهادات التقدير والتكريم من ورق البردى، مشيراً إلى أنهم عندما خاطبوه مرة أخرى لمعرفة المستجدات أفاد بأنه لا يوجد ردود من الجهات التى خاطبها حينها.
وأشار إلى أنهم تقدموا بشكاوى أيضاً للواء خالد سعيد، محافظ الشرقية الحالى، لبحث إحياء تلك الصناعة والنهوض بها «دون جدوى»، على حد تعبيره، مطالباً المسئولين بمساعدتهم على الإبقاء على تلك الصناعة حتى تزدهر السياحة مرة أخرى.