الاستقالة شرف.. والصمت جريمة

خالد منتصر

خالد منتصر

كاتب صحفي

كتب الناقد الكبير سمير فريد مقالاً أمس فى «المصرى اليوم» معترضاً على مطالبتى للأستاذ صلاح عيسى بالاستقالة من رئاسة تحرير جريدة «القاهرة» تضامناً مع موقف المثقفين، مبرراً ذلك بقوله: والنتيجة الوحيدة لاستقالة صلاح عيسى أن يحل محله من يحولها إلى جريدة «إخوانية»، كما حدث مع «أخبار الأدب»، فلماذا يستقيل صلاح عيسى، ولماذا يستقيل أى مسئول من قيادات مؤسسات وزارة الثقافة؟. وضرب مثلاً بفريق الباليه وقال «وكم كان أعضاء فرقة باليه أوبرا القاهرة رائعين عندما واجهوا المطالبة بمنع الباليه فى مصر بالرقص فى الشارع أمام مكتب وزير الثقافة»، والمثال الأخير يؤيد كلامى ولا ينفيه، لأن الباليه لم يعرض فى الأوبرا ولكنه عرض فى الشارع كوسيلة اعتراض وتعبير احتجاج وياريت صلاح عيسى وغيره أيضاً يقلدون هذا الفريق الجميل فى فضيلة الالتحام بالشارع وسبله وطرقه كثيرة ومكانه ليس فقط فى مكتب رئاسة تحرير «القاهرة» وإنما من الممكن والسهل أن تتحقق عبر برنامج ثقافى تليفزيونى عن قراءة التاريخ وهى المنطقة التى برع فيها صلاح عيسى أو مجلة ثقافية خاصة يرأس تحريرها ليست بالضرورة تابعة لوزارة الثقافة أو حتى محاضرات وورش عمل للشباب، صلاح عيسى يا أستاذ سمير يرأس تحرير جريدة تابعة للوزارة وما ظهر من خلال العدد الذى تحدثت عنه هو عدم وجود خبر واحد عن الاعتصام أو مناقشة لكل ما حدث من تخريب متعمد للوزارة فى جريدة المفروض أنها تصدر عن نفس الوزارة، ما طالبت به صلاح عيسى أن يستقيل لأنه مثقف مهموم بالتاريخ المصرى ويرى ويسمع عن جريمة تحدث فى حق كنز الوثائق المصرية التى هى منجم التاريخ وجريدته صامتة، لم أطالبه لأنه رئيس تحرير ولكن لأنه مثقف أولاً والاستقالة موقف وليست مجرد ورقة موقعة من المستقيل، ولو قلنا مثلما تقول «لمن يترك صلاح الجريدة وهل يتركها لكى تصبح جريدة إخوانية؟»، اسمح لى.. هذه حجة واهية لأنها تحت وزارة هذا الوزير لن تكون جريدة أصلاً لا إخوانية ولا غيره بل نشرة بلا لون ولا طعم ولا رائحة لأن صلاح عيسى لن يستطيع مناقشة هل بهاء طاهر عميل؟ وهل صنع الله إبراهيم والغيطانى وشيحه همج كما وصف الوزير المعتصمين؟!، هل سيستطيع مناقشة معايير اختيار الوزير صاحب المقال الأوحد؟، هل سيستطيع صلاح عيسى أن يناقش أفكار حزب التوحيد العربى التكفيرية التى تعتبر قتلة السادات مجاهدين فى سبيل الله؟!، هل سيستطيع أن يناقش فى جريدة القاهرة ماذا فعلت إيناس عبدالدايم فى الأوبرا وأضافت إليها وماذا فعل «مجاهد» فى هيئة الكتاب ومكتبة الأسرة التى أنقذها من الانهيار واختار لرئاستها إبراهيم أصلان؟، الاعتراض على الوزير ليس لأنه يحارب وزارة الثقافة ولكن لأنه يحارب هوية مصر الثقافية، لو قلنا عن الاستقالة هذا الكلام وأنكرنا قيمتها فلن نعير اهتماماً لاستقالات رجال عظام وضعوا باستقالاتهم بصمات ومبادئ وتركوا قيماً ومواقف سيذكرها التاريخ، تذكر استقالة لطفى السيد بعد فصل طه حسين والتى أصبح تاريخها 9 مارس تاريخ استقلال الجامعة، هل قال أحد وقتها لمن سيترك لطفى السيد الجامعة وهل سيتركها للتخلف؟، تذكر استقالة طه حسين عميد كلية الآداب حينما طلبت منه حكومة إسماعيل صدقى أن يوطئ الجامعة للسياسة وأن يمنح درجة الدكتوراه الفخرية لبعض أقطاب حزب «الشعب» الحاكم!، تذكر استقالة حلمى مراد وزير التربية والتعليم فى زمن عبدالناصر والذى لم يخف البطش ولم يرهبه أحد وكذلك إسماعيل فهمى وإبراهيم كامل وزيرا الخارجية فى زمن السادات اعتراضاً على كامب ديفيد واتفاقيات السلام وحسين عبدالهادى اعتراضاً على صفقة عمر أفندى فى زمن مبارك.. إلخ، وكلها استقالات من الممكن أن يتعرض صاحبها لأخطار شتى، وبالطبع استقالتك يا أستاذ صلاح لن تتعرض بسببها لأى بطش من أى نوع اللهم إلا المرتب الهزيل الذى من الممكن تعويضه بمقال فى أى جريدة يعنى باختصار ماتستاهلش الصمت على هذا الوزير الذى هو الآن جريمة!. ارفع عن نفسك الحرج وأقولها لك ثانية «اتركها وتوكل».