أسماك «البحيرات».. التجار وأصحاب المزارع ينهبون «الصيادين والمواطنين»

أسماك «البحيرات».. التجار وأصحاب المزارع ينهبون «الصيادين والمواطنين»

أسماك «البحيرات».. التجار وأصحاب المزارع ينهبون «الصيادين والمواطنين»

رغم حملة «خليها تعفن»، وغيرها من دعوات المقاطعة، واصلت أسعار الأسماك ارتفاعها إلى معدلات قياسية وغير مسبوقة، فى 3 محافظات هى «أسوان والدقهلية وكفر الشيخ» رغم أنها تتميز بوجود بحيرات طبيعية، حيث إن الباعة، الذين اضطر عدد كبير منهم لإغلاق محالهم، ليسوا وحدهم من يحددون سعر البيع للمستهلك، إنما شبكة كبيرة من المستفيدين هى من تتحكم بأسعار الأسماك، بدءاً من الصيادين وأصحاب المزارع السمكية، مروراً بتجار الجملة والتجزئة، وصولاً إلى الباعة، الذين يشكلون الحلقة الأخيرة قبل وصول السلعة إلى يد المستهلك، بأضعاف سعرها الأصلى، إضافة إلى عوامل أخرى، منها ضريبة «القيمة المضافة»، وارتفاع أسعار الأعلاف والزريعة، نتيجة «تعويم» الجنيه، فضلاً عن ارتفاع أسعار بدائل الأسماك، مثل الدواجن واللحوم.

{long_qoute_1}

وعبر «طه الشريدى»، رئيس النقابة المستقلة للصيادين بمنطقة «المطرية»، فى محافظة الدقهلية، عن استيائه بسبب ما وصفه بـ«الارتفاع الجنونى» فى أسعار الأسماك، بقوله إن «زيادة الأسعار آفة ضربت الكل، بمن فيهم تجار الأسماك»، وأضاف بقوله: «نطل على بحيرة ربانية، وهى بحيرة المنزلة، ولا تحتاج فيها الأسماك إلى طعام أو زريعة، وإنما يخرج الصياد إليها ويرجع بالرزق فى آخر اليوم»، مؤكداً أن السبب الرئيسى فى هذه الارتفاعات المتتالية هم التجار وأصحاب المزارع السمكية، الذين يتحكمون فى الأسعار، بعد انخفاض كميات الأسماك التى تنتجها البحيرة، بفعل التعديات وتدهور الإنتاج، وأضاف أن التاجر يحصل على الأسماك من الصياد بـ«الأوقية»، ووزنها نحو كيلو وربع، ويبيعها للمواطنين بالكيلو، وبالتالى يكون هناك فرق ربع كيلو فى كل أوقية للتاجر، وفى حالة قيامه ببيع الأسماك بنفس السعر الذى يحصل به عليه من الصياد، سيكسب فى كل كيلو حوالى 25%، ولكنه أكد أن «هناك حالة من الجشع جعلتنا نسمع عن أسعار مضاعفة للأسماك، بخلاف المكسب فى فرق الأوزان»، متهماً الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بـ«الفشل» فى إدارة بحيرات مصر، خاصة البحيرات الشمالية، التى أصبحت تعانى من قلة الإنتاج السمكى، بسبب انتشار الصيد الجائر، مثل الصيد بالكهرباء، والتعدى على مساحات كبيرة من تلك البحيرات، تحت سمع وبصر الأجهزة الحكومية.

وخلال جولة داخل سوق السمك، المتاخم لبحيرة المنزلة، حيث ينتشر باعة الأسماك، من مختلف الأنواع والأحجام، رصدت «الوطن» أن سعر أسماك «البلطى» لا يتعدى 22 جنيهاً للكيلو، بينما أفضل أنواع «البورى» لا يزيد سعره على 35 جنيهاً، وتتناقص الأسعار تدريجياً مع انخفاض الأحجام، لتصل إلى 6 جنيهات لـ«البلطى» صغير الحجم.

وقال «أحمد الفقى»، صياد، إن «هناك ارتفاع فى الأسعار بالفعل، ولكن ليس بهذه الصورة التى نسمع عنها»، مشيراً إلى أن الصياد كان يحصل على ما بين 10 و15 «أوقية» فى اليوم، ولكن هذه الكمية تراجعت إلى النصف حالياً، بسبب نقص إنتاج البحيرة من الأسماك، وأضاف أن «من يتحكم فى الأسعار هم أصحاب المزارع»، لافتاً إلى أن معظم الصيادين يبيعون الأوقية بسعر من 7 إلى 15 جنيهاً، بحسب الحجم، وبالنسبة لأسماك «الدرجة الأولى»، يرتفع سعر الأوقية إلى 20 جنيهاً، مؤكداً أن تحديد السعر مسألة عرض وطلب، وقال إن أعلى سعر يمكن أن تصل إليه أوقية السمك لا يتجاوز 30 جنيهاً، ولكن يتم بيعها للمواطنين بسعر أكثر من 40 جنيهاً للكيلو، معتبراً أنها أسعار مبالغ فيها.

{long_qoute_2}

أما «محمود الشوا»، تاجر أسماك، فقد اعتبر أن الصيادين هم من يتعمدون رفع أسعار الأسماك، بقوله: «إننا نحصل على هامش ربح صغير، والصياد هو المتحكم فى السعر، فعندما يكون العرض قليلاً، يرفعون الأسعار، وربحنا فى الأوقية لا يتعدى جنيهاً واحداً أو جنيهين على أكثر تقدير، والبائع هو الذى يتربح من كل هذه الفروق»، وأضاف: «نبيع فى الحلقة بالمزاد أو بالفصال، وهذا كله بصورة علنية أمام الجميع، ولكن بائع الأسماك يشترى الكيلو بـ20 جنيهاً، على سبيل المثال، ويبيعه بأكثر من 35 جنيهاً، وهو ما تسبب فى غضب المواطنين»، ومن جانبه، قال «إبراهيم أبوشامة»، أمين صندوق نقابة الصيادين، إن «حالة البحيرة هى التى جعلتنا نصل لهذا الحال، فالبحيرة كل إنتاجها للدولة، وقائمة على الصيد الحر، ولكن مساحة كبيرة منها اختفت بفعل التعديات، وما يحصل عليه الصياد حالياً كميات بسيطة، وأيضاً أنواع الأسماك محدودة، بعد أن كنا ننتج جميع أنواع الأسماك».

وأكد المهندس علاء الحديدى، مدير مزرعة المنزلة السمكية، أكبر مزارع بحيرة المنزلة التابعة للهيئة العامة للثروة السمكية، إنه لا يجد أى مبرر لأن يرفع التاجر سعر الأسماك فى هذه المرحلة، خاصةً أن التجار اشتروا المزرعة على مساحة ألف فدان، بسعر 17 جنيهاً لكيلو «البورى»، وذلك فى المزاد الذى نظمته الهيئة، فى حين أن سعر الكيلو يتم بيعه للمستهلك الآن بأكثر من 35 جنيهاً، واعتبر أن السبب الحقيقى للمشكلة يكمن فى التاجر الذى يريد أن يحقق ربحاً أكثر من 100%، وتابع بقوله: «ولكننا نواجه أزمة حقيقية فى مستلزمات الإنتاج، فسعر طن الأعلاف ارتفع من 3 إلى 5 آلاف جنيه، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الدواجن، وهو ما جعل كل البروتينات ترتفع أسعارها، ولكن ليس لهذا الحد».

وفى جولة أخرى لـ«الوطن» شملت عدداً من المزارع السمكية بمحافظة كفر الشيخ، أكد «عبدالحميد رشوان»، صاحب عدد من المزارع بمركزى الحامول والبرلس، أن ارتفاع أسعار الأسماك له عدة أسباب، أولها غلاء الأعلاف، حيث وصل سعر الطن إلى نحو 8 آلاف و300جنيه، إضافة إلى تلف كميات كبيرة من الأسماك نتيجة البرودة وانخفاض درجات الحرارة خلال موسم الشتاء الماضى، وأضاف أن بعض أنواع الأسماك، خاصةً «البلطى»، تمر بعدة مراحل، بداية من صيدها وحتى بيعها للمستهلكين، أولها قيام عدد من الصيادين بالنزول لقاع المزرعة السمكية «الخبو»، وهو المكان الذى تتجمع فيه الأسماك بعد تجفيف الأحواض السمكية، ويقومون بصيد السمك ووضعه على طاولة كبيرة «ترابيزة»، يتم وضعها فى مكان بجانب المزرعة أو الحوض السمكى، ثم يبدأ آخرون فى عمليات الفرز، ويتم تصنيف الأسماك إلى 3 درجات، أولها «السوبر»، ثم درجة «رقم 1» أو المتوسطة، و«رقم 2»، وهى الأسماك الصغيرة، وأوضح «رشوان» أن درجة السمك «السوبر» يتم بيعها للتاجر بدءاً من 25 إلى 30 جنيهاً للكيلو، بينما يتم بيع «رقم 1» بما يتراوح بين 20 و23 جنيهاً، فى حين تُباع أسماك «رقم 2» بسعر يتراوح بين 18 و20 جنيهاً، وتابع أن الفدان ينتج من 4 إلى 5 أطنان سنوياً، ويستهلك أعلافاً بمعدل من 8 إلى 10 أطنان، بالنسبة لأصحاب المزارع الذين يستخدمون أعلافاً صافية، وبالتالى تنتج أسماكاً من الفئة الأعلى «السوبر»، مشيراً إلى أن تجاراً للجملة ينقلون الأسماك بكامل كمياتها من المزارع السمكية، لتوزيعها على المحافظات المجاورة بطريقتين، الأولى إما أسماك «طازجة»، والأخرى «مُثلجة»، ولفت إلى أن سمكة «البورى» تختلف عن «الطوبار»، حيث يتراوح سعر كيلو «السوبر» من النوع الأخير بين 40 و45 جنيهاً، فى حين يتراوح سعر كيلو «البورى» بين 50 و60 جنيهاً، مؤكداً أنه يفضل زراعة أسماك «الطوبار»، نظراً لتمتعه بـ«الروح الطويلة»، مما يجعله لا يتأثر سريعاً بالبرودة أو الحرارة، بعكس «البورى»، الذى يتأثر سريعاً بتغير درجات الحرارة، إضافة إلى أنه ينمو فى المزرعة بسرعة، أما «الطوبار» فتتم زراعته مع أحواض سمك «البلطى»، وبالتالى الاستفادة من نوعين فى توقيت واحد.

{long_qoute_3}

أما «على عبدالرازق»، أحد الصيادين فى بحيرة «البرلس»، فأكد أن أسعار أسماك البحيرة تكون أقل قليلاً عن أسماك المزارع، رغم تراجع إنتاج البحيرة فى الوقت الراهن، مشيراً إلى أنه يخرج إلى الصيد بقاربه الصغير يومياً، ويعود بعد العصر بكمية قليلة من الأسماك، تصل إلى عدة كيلوجرامات، مشيراً إلى أن زوجته تقوم ببيع حصيلة الصيد فى «حلقة السمك» بمدينة بلطيم، بسعر يتراوح بين 20 و30 جنيهاً للكيلو، حسب الحجم.

وبينما شكا «عبدالرازق» قلة إنتاج بحيرة البرلس من الأسماك، أكد أنه يعتمد عليها فى توفير نفقاته واحتياجات أسرته يوماً بيوم، حيث يتراوح دخله اليومى بين 100 و150 جنيهاً، بحسب الرزق، مؤكداً أن الصيادين «ليس لهم أى ذنب» فى ارتفاع أسعار الأسماك، وإنما أصحاب المزارع السمكية وتجار الجملة هم من يقومون بزيادة الأسعار، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب احتياجات المواطنين. وأشارت «فايزة أحمد»، مواطنة من أبناء كفر الشيخ، إلى أن سعر كيلو البلطى «السوبر» وصل إلى 37 جنيهاً، و35 جنيهاً للمتوسط، وأكدت أنها لم تستطع الاستمرار فى حملة مقاطعة شراء الأسماك لوقت طويل، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، وغيرها من السلع الغذائية الأساسية الأخرى، بينما قال «فتحى أحمد»، من «سيدى سالم»، إن سعر كيلو البورى تخطى حاجز الـ80 جنيهاً، والبلطى بـ35 جنيهاً، مؤكداً أن حملات المقاطعة «خليها تعفن»، لم تفلح، حتى الآن، فى خفض أسعار الأسماك.

ومن جانبه، قال طاهر طنطاوى، رئيس بورصة الأسماك بكفر الشيخ، إن ارتفاع أسعار الأسماك ناتج عن ضعف كميات الإنتاج، بسبب نفوق كميات كبيرة منها متأثرةً بدرجة البرودة، موضحاً أن الأسعار بدأت فى الانخفاض قليلاً، إلا أنه أعرب عن توقعه ارتفاع أسعار السمك «البورى»، خلال موسم «شم النسيم»، حيث يقبل عليه الكثير من المواطنين و«الفسخانية»، على أن تبدأ الأسعار فى التراجع تدريجياً بعد انتهاء الموسم.

وبينما تضم محافظة أسوان إحدى أكبر البحيرات الصناعية فى العالم، وهى بحيرة «ناصر»، فقد ارتفعت أسعار الأسماك بها، كغيرها من المحافظات، واعتبر أهالى المحافظة أن السبب الرئيسى وراء ارتفاع الأسعار هو «جشع» التجار، بالإضافة إلى أنه جاء كأحد تداعيات قرار المحافظ، اللواء مجدى حجازى، بوقف كافة أعمال وأنشطة الصيد داخل المسطح المائى للبحيرة لمدة شهرين، اعتباراً من منتصف مارس وحتى منتصف مايو 2017، إلا أن بعض الصيادين يقومون بممارسة أعمال الصيد، ومحاولة تهريبها وبيعها بأسعار مضاعفة، فى الوقت الذى يقوم فيه رجال الأمن بدورهم لضبط أى أعمال مخالفة، ومصادرة الأسماك المهربة، وإعادة طرحها فى الأسواق بمختلف مراكز المحافظة.

وقال «عبدالودود هاشم»، بالمعاش، إن «أسعار السمك زادت إلى الضعف، فمثلاً متوسط كيلو البلطى كان فى الأسواق يتراوح بين 15 و20 جنيهاً، ومع قرار وقف أعمال الصيد ببحيرة ناصر، ارتفع سعر الكيلو إلى 35 جنيهاً، وأحياناً لا يكون متوافراً، ويتم الاعتماد على صيد الأسماك من النيل مباشرةً، وفى بعض الترع والمصارف، ويقومون بطرحها فى السوق على أنها مهربة من البحيرة»، مشيراً إلى أن المواطنين يقبلون على شراء هذه الأسماك، بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، وأضاف: «ننتظر وعود المسئولين بأن الأسماك ستعود لسعرها الطبيعى، بل وأقل من سعرها فى الماضى، فى 15 مايو المقبل، مع انتهاء فترة حظر أعمال الصيد فى بحيرة ناصر».

ومن جانبه، أكد مدير أمن أسوان، اللواء مجدى موسى، أنه من الساعة الأولى لقرار حظر الصيد ببحيرة ناصر، تم فرض السيطرة الأمنية الكاملة على مسطحها المائى، بهدف تنمية البحيرة، وزيادة الإنتاج السمكى، بالتعاون بين مديرية الأمن والقوات المسلحة، مشدداً على أنه «لا تهاون مع أى مخالفات أو أنشطة غير مشروعة، ويتم التصدى لها بكل حزم وقوة، طبقاً للقانون، ومن خلال الدوريات الثابتة والمتنقلة»، مشيراً إلى أن غرفة العمليات تعمل على مدار 24 ساعة، لضمان الالتزام بتنفيذ القرار.

أما المحافظ، اللواء مجدى حجازى، فقال إن قرار وقف الصيد فى بحيرة ناصر بدأ الإعداد له منذ شهر مايو من العام الماضى، وتم وضع خطة لتنمية البحيرة، ومضاعفة الإنتاج السمكى بها، بمعرفة رؤساء جمعيات الصيد العاملة فى البحيرة، ويتم تنفيذ وقف الصيد بقوة من خلال القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وبتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى، مشيراً إلى أن الشركة الوطنية للثروة السمكية تقوم حالياً بدراسة موقف بحيرة ناصر، لسرعة تنفيذ إجراءات التنمية الكاملة بها، من خلال إلقاء الزريعة السمكية بها، وترك الأسماك حتى تنمو، لأنها منذ عام 2011 لم يتم وقف الصيد بها، وهو أمر ضرورى من أجل تنمية الثروة السمكية بها.

 

ركود فى أسواق الأسماك بعد ارتفاع الأسعار

 

مجدى حجازى


مواضيع متعلقة