متطوعون يجمعون أشلاء شهداء «المرقسية»: «اللحم المصرى مش رخيص»

كتب: أحمد العميد

متطوعون يجمعون أشلاء شهداء «المرقسية»: «اللحم المصرى مش رخيص»

متطوعون يجمعون أشلاء شهداء «المرقسية»: «اللحم المصرى مش رخيص»

بين الهتاف الذى يدوّى فى الأرجاء والصيحات المتعَبة التى تخرج من حناجر منهَكة تنادى بالرحمة لمن استشهدوا، وتتوعد إرهاباً شن هجوماً مروعاً بتفجير الكنيسة المرقسية فى محطة الرمل بالإسكندرية أمس الأول، ينشغل أطفال بالبحث بين الزجاج المهشم عن بقايا أشلاء تركتها سيارات الإسعاف وغادرت بعد أن حملت أجساداً غير كاملة الأعضاء.

{long_qoute_1}

يقف عبدالرحمن حسنى، صاحب الـ14 ربيعاً، أمام الكنيسة المرقسية عقب التفجير، مشدوهاً، قلبه يخفق بعد رؤيته أجساداً متناثرة فى مشهد قاس إلى حد كبير على ذلك الطفل، الذى لم يلبث أن قرر أن يشمر عن ساعديه ويجمع ما بقى من أشلاء أمام الكنيسة، تاركاً الهتافات واللافتات لأصحابها، ليعلق: «لما سمعت صوت الانفجار كنت فى السوق فى محطة الرمل هنا قريب من الكنيسة، جيت جرى، ولما شفت الناس مرمية على الأرض ومتقطعة وحتت منهم بعيدة عنهم، ولقيت ضابط مرمى على الأرض ميت جنب سلاحه، قلبى بقى يدق جامد وبقيت خايف، وكنت بشترى حاجة لماما فرحت وديت الحاجة وجيت جرى تانى علشان الناس صعبت عليا، لقيت الناس كانوا شالوا الميتين بس كان فيه عضم ولحم من الناس الميتة لسه على الأرض».

ويضيف الطفل عبدالرحمن الذى يسكن بمنطقة محرم بك، ويدرس بمدرسة أبوالعز الحريرى الإعدادية، أنه وجد رجلاً كبيراً كان يبحث عن بقايا الأشلاء لجمعها حتى لا تجرفها مياه ماسورة انفجرت بعيداً عن الكنيسة وينتهى بها الحال إلى القمامة، فقرر مساعدة الرجل الكبير دون خوف أو تردد، قائلاً: «أنا مسلم بس عندى أصحابى مسيحيين فى المدرسة أبانوب ومينا وكيرلس، ما أعرفش هما هنا ولا لا، بس حرام العيال دى تموت والناس اللى كانت فى الكنيسة، حسبى الله ونعم الوكيل».

لم يكن الطفل يعرف كيف يبحث عن الأشلاء ويستخرجها من بين الركام والأخشاب المحترقة والزجام المهشم الملوث بالدماء والأتربة والرماد، حتى اكتسب مهارة الكشف عن الأشلاء فى دقائق عن طريق اللمس، قائلاً: «الخشب محروق مع البلاستيك وقماش وحاجات كتيرة، بس أنا بمسك بإيدى ولو لقيتها حاجة طرية مش بتتقطع بوديها للراجل اللى معاه كيس بيجمع معانا»، مشيراً إلى أنه جمع بعض العظام الكبيرة لم يستطع أن يحدد من أى منطقة فى الجسد بقوله: «لقيت عضمة كبيرة بس الميه اللى جاية من الماسورة نضّفتها وأنا شفتها ووديتها للراجل، وكمان جم أصحابى يدوروا معايا».

وعلى بعد أمتار قليلة من بوابة الكنيسة حضر إسحاق مختار، 40 عاماً، من سكان منطقة العامرية التى تبعد نحو 40 كيلومتراً من الكنيسة المرقسية، إلى موقع التفجير ليقدم المساعدات للكنيسة، لكنه سرعان ما لاحظ بعض البقايا التى تجرفها مياه ماسورة انكسرت إثر التفجير بعيداً عن الكنيسة، إلا أنه قرر منع ضياع هذه الأشلاء وقذفها بعيداً حتى تنتهى إلى القمامة، معلقاً بقوله: «أنا ما سيبش لحم شهدائنا يروح فى الزبالة أبداً، أنا لو أى جزء مهما كان صغير موجود فى الشارع هنا لو هبات هنا يوم ولا أسبوع هبات علشان آخده، ده لحم اخواتنا»، مستنكراً نصيحة أحد المارين بضرورة ارتداء قفاز حتى لا يصاب بأى أمراض قائلاً: «يعنى هيحصل إيه أكتر من اللى بيحصل فينا، اخواتنا بتستشهد وأنا ممكن أكون واحد منهم، هقرف ولا هحافظ على نفسى بجوانتى، هو ده اللى هيحمينى؟».

ويضيف «مختار» أنه كان يصلى خلال ورود خبر التفجير إلا أنه أنهى الصلاة ثم توجه إلى الكنيسة مباشرة فوجد حالة الفوضى والصراخ، مستنكراً وصول الانتحارى إلى بوابة الكنيسة وعدم تفتيشه فى منتصف الشارع، مشيراً إلى أن السيدات كانت تزغرد فى موقع الحادث لنيلهم الشهادة قائلاً: «رغم إنى زعلان على الحادثة لكن فرحان للشهداء لأنهم داخلين الجنة، الناس دى كانت بتقول الله محبة، وماتت وهى بتقول الله محبة»، مشيراً إلى أن البقايا يتم جمعها وإدخالها إلى الكنيسة لتكون تحت تصرفها.