«الوطن» ترصد رحلة تهريب أموال العمالة المصرية من ليبيا

«الوطن» ترصد رحلة تهريب أموال العمالة المصرية من ليبيا
- أحمد ناجى
- أسعار السوق
- أفراد عصابة
- اتصال هاتفى
- اسم مستعار
- الأراضى الليبية
- الأمم المتحدة
- الأموال المهربة
- أبو
- أجنبية
- أحمد ناجى
- أسعار السوق
- أفراد عصابة
- اتصال هاتفى
- اسم مستعار
- الأراضى الليبية
- الأمم المتحدة
- الأموال المهربة
- أبو
- أجنبية
اتصال هاتفى من مصرى يعمل فى الأراضى الليبية، يستغيث، كان بداية الخيط لهذا التحقيق، يقول المتصل فى قلق «إن جنود الجيش الليبى على الأكمنة فى طريق العودة الواصل نحو معبر السلوم يفرضون إتاوات على العمال المصريين العائدين إلى بلادهم». طلب الرجل إخفاء هويته؛ خوفاً من التعقب الذى يطال كل من يفتح فمه فى ذلك البلد الذى لم تضع فيه الحرب الأهلية أوزارها بعد، يضيف: «قوات وعناصر من الجيش الليبى المرابط فى أكمنة على الطريق، يفتشون كل العربات المارة بحثاً عن المصريين، ويطالبونهم بدفع إتاوات، ومن يرفض يُقتل وتُلقى جثته على الطريق». لم يكن الخوف جاثماً على صدر هذا المصرى وحده، وسط الحرب المشتعلة، ولكن على بُعد 1200 كيلومتر من «البيضاء» حيث يستقر المستغيث، وفى العاصمة طرابلس، كان حمادة فليفل، عامل مصرى، مُلقى على الأرض ينازع الموت، بعد أن خرجت عليه عصابة سرقت كل أموال المصريين فى ليبيا التى جمعها ليساعد فى تهريبها بعيداً عن الأكمنة التى تضج بها الطرقات. ظل «حمادة»، الشاب العشرينى، ينزف دماً حتى فارق الحياة قبل بزوغ شمس يوم جديد، وإلى جانبه شريكه خالد الليبى، الذى كان يسهل نقل تلك الأموال التى يجمعها «حمادة» من زملائه والعمالة المصرية فى ليبيا، لنقلها إلى مصر عبر مهربين غير شرعيين. «الوطن» تتبعت خط سير تلك الأموال، من المدن الليبية فى الأراضى التى يحرقها أتون الحرب، مروراً بعملية تهريبها عبر الحدود إلى أن تصل إلى أيادى فقراء القرى المصرية، المعلقة مصائرهم بأولادهم الذين خاطروا وهربوا من الفقر طلباً للمال رغم نيران الحرب.
{long_qoute_1}
فى القاهرة، وقف هشام رامز، محافظ البنك المركزى السابق، يقول للصحفيين إن تحويلات المصريين العاملين فى الخارج تتراوح ما بين 17 إلى 19 مليار دولار، يجرى تحويل نحو 14 ملياراً منها عن طريق البنوك المصرية وشبكة مراسليها فى الخارج، ويدخل الباقى إلى البلاد عبر قنوات غير شرعية.
وفى ليبيا، وصل عدد العمالة المصرية فى 2012، حسب تصريح سابق للوكيل السابق لوزارة العمل الليبية إبراهيم أبوبريدعة، إلى نحو المليونين، بينما فى 2015، وبعد تداعيات الحرب فى ليبيا، صرّح جمال سرور، وزير القوى العاملة المصرى السابق، بأن العمالة المصرية فى ليبيا تقدر بـ700 ألف، وهو ما يختلف عن قاعدة بيانات الأمم المتحدة، التى أشارت إلى وجود 21 ألفاً فقط.
ومنذ فبراير 2015، منعت السلطات المصرية سفر العمال المصريين إلى ليبيا بصورة شرعية، بعد أن ذبح تنظيم داعش الإرهابى 20 من الأقباط العاملين هناك، وأصبح الخطر يحاصر المصريين فيها، ورغم ذلك لم تتوقف عمليات تهريب العمالة إلى ليبيا، حتى وقتنا هذا، ووصل عدد من ألقت قوات الأمن القبض عليهم، إلى قرابة 48 ألف متسلل، منذ فبراير 2014 حتى 2015، فى ظل ارتفاع نسبة البطالة داخل مصر إلى 13.4%، وفق تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
ويواجه المصريون فى ليبيا أزمة فى التحويلات المالية، نتيجة عدم وجود بنوك تعمل هناك بكفاءة، فضلاً عن أن كثيراً منهم دخلوا البلاد عن طريق المهربين، ما يجبرهم على اللجوء لقنوات غير شرعية، لتحويل الأموال إلى ذويهم فى مصر.{left_qoute_1}
طريق العودة
محمود عبدالعظيم، اسم مستعار لمصرى يعيش فى مدينة الشحات فى ليبيا، بجوار مقر رئاسة الوزراء، يعمل فى مطعم كعامل وهو خريج إحدى الجامعات المصرية، رحل عن القاهرة قبل عامين؛ بحثاً عن فرصة عمل، واستطاع دخول الأراضى الليبية عن طريق مهربين على الحدود فى السلوم.
يقول «عبدالعظيم» إن المنطقة الشمالية، التى تقع تحت سيطرة الشرطة الليبية، فيها مقر يسمى (مقر الهجرة غير الشرعية)، ولديها حصر بجميع المصريين المقبلين إلى ليبيا، بشكل غير شرعى، وتعطى لكل منهم بطاقة تسمى بطاقة حصر، تمنع أى مصرى جاء إلى بلادهم عن طريق المهربين من السفر عبر الطيران، لذلك لا يوجد أمام هؤلاء سوى الطريق البرى، وهو الطريق الذى يتعرضون فيه إلى حوادث القتل والسرقة والبلطجة.
الرجل الذى يعايش تجربة كل مصرى عائد من رفاقه فى السكن هناك، يرفض ذكر اسمه الحقيقى؛ خوفاً من القتل والتنكيل، إذا تعرفت الحكومة الليبية على هويته: «اللى يموت هنا مالوش دية».
ويوضح، فى اتصال هاتفى، أن المصريين العائدين من ليبيا يجرى توقيفهم على بوابات المدن، والكمائن الأمنية، ويُفرض على كل منهم مبلغ مالى يتراوح ما بين 20 إلى 30 ديناراً، كإتاوة، ومع وصوله السلوم يجد نفسه دفع أكثر من 300 دينار خلال طريق العودة من أمواله التى خاطر بحياته وعاش وسط الحرب من أجل جمعها ليضمن لنفسه حياة كريمة بعد العودة لبلده.
يتابع: «أحياناً ما يتطور الأمر لأكثر من ذلك، فحين يصل المصريون إلى السلوم، يسحب الجمرك الليبى، جميع الأموال الليبية من أيديهم، ومايسبش معاهم ولا دينار ليبى، مهما كان المبلغ 200 دينار أو 10 آلاف، بتتسحب الفلوس بالبلطجة والقوة، واللى يعترض يتضرب بالنار، أو يتاخد ويتحبس».
يشير الرجل إلى أن المصريين لذلك يضطرون إلى تحويل أموالهم عن طريق شركات تسفير العمالة إلى ليبيا، ويستطرد: «ليهم مقرات هنا، ويتوجه المصريون إليهم لإيداع أموالهم قبل العودة، أو بشكل شهرى، فيما تتحصل أسرهم على تلك المبالغ من مقراتهم فى القاهرة والإسكندرية، أو بعد تحويلها إليهم عبر حوالات بريدية بأسمائهم على القرى والمحافظات التى يقطنونها، ولكن بالجنيه المصرى، وتلك الشركات لا تكتفى بتحويل الأموال، فهى تعتبر كذلك بنوكاً خاصة، يلجأ إليها كل مصرى يخاف على أمواله من السرقة، ليودع ما لديه فيها مقابل بطاقة مثل دفتر التوفير، وإذا احتاج العامل تحويل أمواله أو الحصول عليها، يأخذها، بخلاف اعتماد بعض العمال على سماسرة ومهربين عبر الحدود لتوصيل أموالهم إلى أهاليهم فى مصر».
{long_qoute_2}
تجربة تحويل الأموال
فى واحد من أشهر الشوارع التجارية وسط مدينة الإسكندرية، توجد شركة تُعرف نفسها بأنها تعمل فى مجال «إلحاق العمالة المصرية فى ليبيا»، تتخذ من حانوت صغير فى دور أرضى مقراً لها، وعلى واجهتها تضع العلم الليبى وإلى جواره المصرى، وبعضاً من صور الجمال التى تميز صحراء ليبيا.
خاض مُحرر «الوطن» تجربة لتحويلات الأموال عبرها، واختلق قصة أن لديه شقيقاً فى الأراضى الليبية، يعمل فى طبرق، ويريد إرسال أمواله، ولا يعرف كيف يرسلها.
داخل الشركة أو «المحل الصغير»، كان هناك عدد كبير من حقائب الملابس، وأكوام من الحُصر والأغطية، يبدو أنها مُرسلة من ليبيا، حيث مدون عليها أسماء العمال، والمستلمين لها.
وعلى مكتب خشبى يستقر شاب، لاستقبال المواطنين، قال لـ«المحرر» إن تحويل الأموال من ليبيا أصبح صعباً، ولكن لديهم طريقة للتغلب على تلك المشكلة، حيث يوجد لديهم مقر فى ليبيا بمدينة البيضاء، فأخبره المحرر أن شقيقه فى طبرق ويصعب عليه الذهاب إلى البيضاء، خصوصاً أن الطُرق غير مُؤمنة. قال الشاب إن لهم فى كل مدينة مندوب يجمع الأموال من العمال، وأعطى المُحرر رقم هاتف أحد الليبيين من طبرق يعملون فى جمع تلك الأموال، فيما رفض الحديث عن نسبة الشركة وعمولتها من التحويل: «الراجل اللى فى طبرق هيتفق مع أخوك على كل شىء، وبمجرد ما يديهم الراجل، هيكلمنا ويدينا تمام، تيجى إنت تستلمهم، لكن بالمصرى، ومن المكتب هنا». فى أثناء تلك الجلسة، كان الشاب العشرينى يتحدث بتحفظ شديد، فيما دخل شخصان يتحدثان بلهجة بدوية ليبية، سأل أحدهما الشاب عن سعر صرف الدينار الليبى اليوم، فأخبره، وناقشه فى السعر، ثم وضع يده فى جيبه وأخرج بعض العملات الليبية، ليستبدلها من الشاب بالجنيه المصرى، ثم رحل.
فى إحدى العزب الفقيرة فى الإسكندرية، يقع مكتب آخر لنفس الشركة، داخل «حانوت أصغر»، ويعرف نفسه كذلك بأنه شركة لتسفير العمالة المصرية إلى ليبيا.
سأل المُحرر الموظفين داخله (شاب عشرينى وشيخ ملتحٍ) عن تحويل الأموال، ودار بينهم حوار تمكن المحرر من تسجيله بالصوت والصورة:
■ المحرر: فيه تحويل فلوس من ليبيا، أخويا هناك وعايز يبعت فلوس وقالوا لينا إنكم بتساعدوا فى تحويل الفلوس.{left_qoute_2}
- الموظف: هو فين هناك؟
■ المحرر: فى طبرق.
- الموظف: إحنا مكتبنا فى البيضا.
■ المحرر: طيب هو مش هيعرف يروح هناك، المسافة كبيرة وفيه خطورة عليه زى ما انت عارف الوضع هناك.
- الموظف: خلاص هقول لك على واحد هناك يروح يسلم ليه الفلوس.
■ المحرر: وبعدين؟
- الموظف: مجرد ما يستلم الفلوس هنتصل بيك وسيب رقمك وهتيجى تستلمها، لكن بالجنيه المصرى مش الدينار.
■ المحرر: على طول فى يومها يعنى.
- الموظف: لا لو حد هياخدها منه فى طبرق الموضوع هيطول شوية على ما أسلم لك الفلوس، يعنى 9 أيام تقريباً.
■ المحرر: طب فيه مصاريف تحويل؟
- الموظف: قصدك عمولة، عمولتنا على الألف 15 دينار.
■ المحرر: طب لو عايز آخدهم بالليبى؟
- الموظف: لا طبعاً مينفعش.. غير إننا بنديك الفلوس بأحسن سعر للعملة الليبية فى مصر.
■ المحرر: طب ده تحويل أمان يعنى، ولا هتحصل مشاكل والفلوس تضيع؟
- الموظف: طبعاً أمان، المكتب ده شغال بقاله عشر سنين، عمر ما فلوس ضاعت ولا حد اشتكى مننا.
حمدى إمام، رئيس شعبة شركات إلحاق العمالة بالغرفة التجارية فى القاهرة، يقول إن الشركات المصرية الرسمية التى تعمل فى إلحاق العمالة عددها 1200 شركة فى مصر، وغير مسموح لها بالعمل فى السوق الليبية من الأساس، فهو حق أصيل لوزارة القوى العاملة وحدها، لأن السوق الليبية منظومة يصعب فرض رقابة عليها، مشيراً إلى أن وزارة القوى العاملة نفسها أوقفت عملها فى الأراضى الليبية منذ اندلاع الأحداث هناك وتفاقمها.
وحول عمل شركات إلحاق العمالة فى تحويلات الأموال، يؤكد «إمام» أنه غير مسموح به وغير قانونى، وأن الشركات المصرية المرخصة ليس لها الحق فى المساهمة بتحويلات أموال العمال من أى دولة فى العالم إلى مصر.
يصف رئيس الشعبة تلك الشركات، التى رصدتها «الوطن»، بأنها شركات بير سلم، وسوق موازية لشركات تسفير العمالة، وتنتشر بكثرة وغير مرخصة أو قانونية، ولها وجود فى كل القرى الفقيرة والنجوع، وعددها أضعاف أضعاف الشركات الرسمية، والمخول برقابتها وضبطها، هى وزارة القوى العاملة بالتعاون مع وزارة الداخلية، مضيفاً: «الشركات الوهمية موجودة على الإنترنت أكثر من الشركات الرسمية، جديد عليا كمان إنها تشتغل فى تحويل الأموال والصرافة، فتلك الشركات أصبحت خطراً على الاقتصاد المصرى، ويجب إيقافها فوراً».
{long_qoute_3}
«حسن الأمير»، اسم مستعار لعامل على معدة نقل ثقيل فى ليبيا، توجه إلى هناك قبل اندلاع الأحداث وتفاقم الصراع، ورفض -رغم الحرب الطاحنة- العودة إلى مصر.
قال لمحرر «الوطن»، فى اتصال هاتفى مُسجل، إنه يعتمد على شركات التسفير فى إرسال كل ما يجمعه من أموال إلى بلده، وأنه سافر من أجل إيجاد فرصة عمل، بشكل غير شرعى عن طريق التهريب على حدود السلوم، وهو يخشى أن تعترضه العصابات المسلحة، ولم يجد أمامه سوى تسليم كل أمواله لتلك الشركات التى يصفها بـ«المضمونة، والمأمونة» عن غيرها من المهربين العاملين فى تحويلات الأموال.
أضاف: «دى شركة وليها مقر فى البيضاء، فى ليبيا، ولو الفلوس ماوصلتهمش هروح أطالبهم بيها، غير إنى بمجرد ما بسلم الفلوس هنا أخويا بيروح يستلمها من هناك على طول فى لحظتها، مش عارف بقى ليهم تعاملات هنا ولا إيه المهم الفلوس بتوصل بأمان والسلام». لم تكن هذه هى الطريقة الوحيدة لتهريب أموال العمالة المصرية فى ليبيا، فتوجد أساليب أخرى أكثر خطورة، تعتمد على مجموعة وشبكات من المهربين والسماسرة، تجرى سلسلة من التنقلات للأموال داخل مصر وليبيا، حتى تصل إلى منازل العمال فى القرى الفقيرة.
التهريب عبر الحدود
يجلس «فريد»، والد حمادة فليفل، ضحية الأموال المهربة فى ليبيا، بمنزله فى قريته الفقيرة برمبال فى محافظة كفر الشيخ، بعد أن فقد نجله الذى قتله أفراد عصابة بليبيا وسرقوا أموال العمال المصريين منه التى جمعها لتسليمها إلى وسيط، لتبدأ بعدها رحلة تهريبها إلى مصر.
كان «حمادة فليفل» الحلقة الأولى فى جمع الأموال من أيدى العمال فى لبييا، فيما كان منزله الريفى البسيط المُطل على نهر النيل، الحلقة الأخيرة فى طريق تلك الأموال، ترد إليه الأموال بشكل شهرى، على مدار عامين، ليوزعها شقيقه «إسلام» على أهالى العمال فى القرية الفقيرة والقرى المجاورة، بعد التوقيع على إيصال تسلم، حسب النشرة التى يخبره بها «حمادة» فى التليفون.
يقول إسلام: «كان بيقول لى ادى لفلان كذا ولفلان كذا».
السلسلة التى تمر بها الأموال المهربة من ليبيا، كان طرفها المنزل الريفى، فيما كان حمادة الذى يجمع تلك الأموال، هو «الضامن»، ويتسلمها منه «خالد»، الوسيط الليبى، وعادة ما يكون الوسيط ينتمى لإحدى العائلات الكبيرة فى ليبيا، ليضمن وصول تلك الأموال بأمان.
يوضح «إسلام» أن تلك الأموال تمر من أيادى الوسيط الليبى إلى نحو ثلاثة من المصريين المقيمين فى ليبيا «شغلتهم كده، حمادة كان بيقول فيه تلاتة بيستملوا الفلوس من الوسيط الليبى، هما أكل عيشهم فى توصيل الفلوس دى لمصر»، وهؤلاء الثلاثة تربطهم علاقات قوية بتجار وسائقين يعملون فى تجارة البضائع المهربة ما بين الأراضى الليبية والمصرية، ويتولون تهريب الأموال إلى جانب البضائع، وفى بعض الأحيان تكون الأموال ثمناً لتلك البضائع التى يتسلمها مهربون على الحدود، حسب حديث أحد المصادر فى مدينة السلوم.
تمر الأموال بسلام من الحدود إلى مصر، حيث تُسَلم، سواء لوسطاء أو سماسرة مصريين فى صعيد مصر، بمحافظات المنيا وقنا وأسيوط، ويتجه السماسرة وتجار العملة فى تلك المحافظات نحو البريد المصرى، لعمل حوالات بها إلى الأهالى، ويعتمد هؤلاء على تغيير مكان الحوالة البريدية من قرية ومركز لآخر، حتى يصعب رصدهم، وحصلت «الوطن» على نسخة من إيصالات حوالات، مرسلة إلى منزل بعينه، وهو الحلقة الأخيرة فى عملية نقل الأموال، كمنزل «فليفل» فى كفر الشيخ.
بيزنس السوق السوداء للعملة
فى أغسطس 2016، ألقت إدارة مكافحة جرائم غسل الأموال القبض على ثلاث عصابات متخصصة فى تهريب أموال، وكان اللافت أن العصابات تعمل على استخدام تلك الأموال فى بيزنس السوق السوداء لتجارة العملات الأجنبية، حيث اعترف «محمد.ج» (39 عاماً)، عامل من المنيا ويعمل فى ليبيا، وشقيقه «محمود» (20 عاماً)، عاطل ومقيم فى ذات الناحية، أنهم يجمعون مُدخرات المصريين العاملين فى الخارج، ويستخدمونها فى الاتجار بالسوق السوداء للدولار.
كان «محمد» المقيم فى ليبيا يوفر العملة الأجنبية بالدولار ويجمعها من العمالة المصرية هناك، ويبيعها لبعض التجار والمستوردين مقابل إيداع ما يعادل قيمتها بالجنيه، وبأسعار السوق السوداء فى حساب شقيقه بأحد البنوك، فيما يقوم شقيقه بصرفها وتوصيلها إلى أهالى العمال فى القرى، ووصل حجم تعاملاتهما خلال عام 8.5 مليون جنيه و180 ألف دولار أمريكى، وفق اعترافاته فى تحقيقات النيابة، التى حصلت «الوطن» على نسخة منها.
ضمت مجموعة أخرى، ألقى القبض عليها، بتهمة الاتجار فى العملة الأجنبية عبر أموال المصريين فى ليبيا، كلاً من «محمد» (31 عاماً)، حاصل على ثانوية أزهرية ومقيم فى قنا ويعمل فى ليبيا، و«مدكور. ع» حاصل على دبلوم زراعة ويعمل فى ليبيا، و«على.ع» (25 عاماً) سائق ومقيم بذات الناحية، و«عيسى.م» (40 عاماً) عامل مقيم فى مرسى مطروح، و«علاء.ع» شقيق الثالث (27 عاماً) وهو عامل مقيم فى قنا.
وتتولى تلك المافيا تجميع مدخرات المصريين العاملين فى دولة ليبيا وإرسال تلك المبالغ بالدولار، حيث يتولى السائق المشارك فى تلك المافيا تهريبها عبر الحدود عن طريق السائقين بين مصر وليبيا، ويستخدمونها فى تجارة العملة الأجنبية باستبدالها بالجنيه فى السوق السوداء، ويحولونها إلى أسر العمال المصريين فى القرى عن طريق حوالات بريدية مقابل عمولة قدرها 2% فضلاً عما حصلوا عليه من فارق سعر العملة فى السوق السوداء.
لم تكن تلك العصابة الوحيدة التى اعتمدت على تلك السلسلة فى التهريب، حيث استخدمت نفس الطريقة عصابة أخرى فى محافظة المنيا، ضمت كلاً من «فرغلى.خ» (37 عاماً)، ومقيم فى المنيا يعمل فى دولة ليبيا و«بدور.م»، ربة منزل، و«نرمين» (32 عاماً) معلمة رياضيات، ووالدتهما «نورة.م»، (58 عاماً)، ربة منزل.
غير أن تلك العصابة استخدمت بعد استجلاب الأموال من ليبيا عن طريق مهربين، سلسلة من نقل المبالغ المالية، عن طريق شركة تحويل أموال، حيث يودعون الأموال المقبلة من ليبيا بالدولار من محافظات مطروح والإسكندرية، ويتسلمونها فى الصعيد، ويستخدمونها فى السوق السوداء، ويعيدون إرسالها مرة أخرى إلى أسر العاملين فى ليبيا، حسب اعترافات المتهمين فى تحقيقات النيابة، التى أقروا فيها بأن تعاملاتهم وصلت إلى 180 ألف دولار.
ويستمر العمال المصريون فى ليبيا فى شقاء دائم، بين شقى الرحى، فقر مدقع يهربون منه نحو الموت على الحدود، وحرب طاحنة لا مفر منها تدهس الأخضر واليابس فى ليبيا، بينما حياتهم معلقة بأموال جمعوها كانت مقصدهم ومسعاهم للتخفيف من شقاء العيش على ذويهم، ولا يملكون توصيلها لأهاليهم فى البلاد والنجوع الفقيرة فى مصر، إلا بإيداعها بين أيدى مهربين وسماسرة وتجار عملة، يستغلونها فى نشاطات وتجارات وبيزنس غير مشروع، فى غياب رقابة الدولة، وضعف قدرتها على إيجاد حل للأزمة.
إحدى شركات تسفير العمالة تشارك فى تهريب الأموال
إيصال تحويل أموال لأهالى العمال من السماسرة