سفراء الأمن فى مطار القاهرة الدولى

غالباً ما يعبّر المطار عن المستوى الحضارى الذى وصلت إليه الدولة، فهو سطر مهم فى كتابها التنموى، إنه بوابة العبور للمقبلين والمغادرين والعابرين الذى يُكوّن لديك الانطباع الأول. ومع تعدد رحلاتى بين عواصم وبلدان، وتجولى بين عشرات المطارات، بات لكل مطار عندى هويته، ففى مطار لندن «هيثرو» تشعر بأنك على موعد مع الصرامة الإنجليزية، فهو الأكثر ازدحاماً فى العالم، حيث تبلغ قدرته الاستيعابية نحو 67 مليون راكب سنوياً، ويطل على أكثر من 170 وجهة حول العالم، بينما يستقبلك مطار فيينا النمساوى بحفاوة الترحاب، لذا فاز عاملوه بجائزة أفضل موظفى مطار أوروبى لعام 2016 فى الوفادة والضيافة، وفى مطار سراييفو بالبوسنة، أنت فى حضرة الحزن الدفين، حيث تستشعر حصاره من باقى دول أوروبا رغم تمحوره فى قلبها، وفى مطار جنيف يلتحفك الهدوء ونكهة الشيكولاتة السويسرية، وهكذا تتعدد هويات ونكهات المطارات.

أما مطار القاهرة، فهو ليس منفذاً جوياً عادياً لكونه يقع فى قلب العاصفة، ووجهة لثلاث قارات ملغمة بالهجرة غير الشرعية، ومحاولات تهريب الآثار والعملات والمخدرات ومختلف الممنوعات، ولنا أن نحلق فوق «أم الدنيا» ونمعن النظر فى حدودها الجنوبية والغربية لنعلم حجم التعقيدات والتحديات الأمنية التى تنعكس على البوابة الجوية ممثلة فى القطاعات والإدارات كافة، بدءاً من الإدارة العامة لشرطة ميناء القاهرة الجوى، وباقى شركاء المنظومة الأمنية من فرع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والجوازات، والمباحث والأموال العامة، وإدارة التأمين، والقائمة تطول؛ لنا أن نقارن بين مطارات لا يوجد فيها «استقبال مرحّلين بسبب مخالفة الإقامة فى دول أخرى» ولا يوجد بها «إلغاء رحلة بسبب عدم جدوى التشغيل الاقتصادى»، ولا يوجد بها ضغط على العنصر البشرى مثل الذى يحدث فى مطار قاهرة المعز من حيل غير قانونية مرتبطة بالجوازات المزورة والعصابات المنظمة التى يتم كشفها وضبطها من بعض دول شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها، مما يثقل المنظومة الأمنية ويضيف عبئاً متزايداً على القطاعات والأجهزة الأمنية بالمطار.

لو أن رجال الأمن بالمطار قرروا الرحيل بعد أن أوجعهم النقد غير المنطقى وإبراز السلبيات وإنكار الإيجابيات من بعض المسافرين والإعلام، وعدم تقبُّل إجراءات التفتيش من البعض، وغياب التقدير والاعتراف بالإنجازات، فكيف سيكون أمن الوطن الحدودى الجوى فى غيابهم؟

نحن لا ننكر أن موظفى المطار، وبخاصة قطاع الأمن، فى حاجة مستمرة إلى التدريب وتحسين الأداء، شأن الارتقاء بأى وظيفة، لكنهم يحتاجون للتحفيز والإشادة لأنهم حماة المنفذ الجوى المصرى، وصمام الأمان فى هذا المطار الاستثنائى، بل إنهم يحولون بين المخالفين ومحاولتهم للتهريب التى قد تعرضهم لعقوبات صارمة تصل إلى الإعدام وفق قوانين بعض دول الوصول، لذا يجب تفهُّم ودعم أسباب التفتيش الدقيق للجميع وتدقيق الجوازات وصولاً ومغادرة فى ظل الإمكانات المتاحة.

من حقنا أن تكون منافذ الدولة البرية والبحرية والجوية ريادية، تواكب مستويات الخدمة المتميزة عالمياً، ونحلم بأن يكون لدينا «سفراء السعادة» من رجال الأمن وشركاء العمل من القطاعات كافة بالمطار ممن لديهم ثقافة خدمة العملاء، ولن يتم هذا بين ليلة وضحاها وسط التحديات الإقليمية والعالمية المتزايدة، فضلاً عن شروط منظمة الطيران المدنى الدولى والهيئات وتعليماتها وإصداراتها المتجددة واختباراتها وزياراتها الدورية للمطار، والتى تتطلب التزاماً تاماً من أجهزة المطار الأمنية والتنظيمية والتشغيلية. إن تطوير فاعلية وكفاءة الأداء الأمنى بمطار القاهرة الدولى هو أولوية استراتيجية لتعزيز سمعة مصر الدولية.

تحية تقدير لمن يعملون بإخلاص ونزاهة ومهنية فى ظروف بالغة التعقيد فى المنافذ المصرية، ويحاولون أن يكونوا بوابة عبور آمنة عبر التحسين المستمر والتطوير، لتبقى أبداً جدارية حروف التكريم فى محكم التنزيل «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».