«الأمراض النفسية والعقلية».. ثغرة قانونية للإفلات من العقوبة

«الأمراض النفسية والعقلية».. ثغرة قانونية للإفلات من العقوبة
- أفراد أمن
- أمراض نفسية
- أمن إدارى
- ارتكاب الجريمة
- ارتكاب جريمة
- الأجهزة الأمنية
- الأمراض النفسية
- الاضطراب النفسى
- التقارير الطبية
- أبنائها
- أفراد أمن
- أمراض نفسية
- أمن إدارى
- ارتكاب الجريمة
- ارتكاب جريمة
- الأجهزة الأمنية
- الأمراض النفسية
- الاضطراب النفسى
- التقارير الطبية
- أبنائها
بوابة للهرب من الأحكام.. هكذا يعتبر البعض المادة 24 من القانون رقم 71 لسنة 2009، إذ تحمى المادة عبر نصوصها عدداً من المجرمين من العقوبة، إذا ما ثبت وجود خلل عقلى أو نفسى لديهم، وهو الأمر الموكول بإثبات المتهم بالدليل القاطع ومن خلال الجهات المختصة علته النفسية أو العقلية.. لكن خبراء القانون نفوا الأمر من أساسه، مؤكدين أن القانون يحكم الحالات التى يتم فيها اعتبار المتهم بارتكاب الجريمة مسئولاً عن فعله من عدمه، وأن التلاعب فيها يكون صعباً ويعرض من يلجأ إليه للمحاكمة بتهمة التزوير.
{long_qoute_1}
تأكيدات خبراء القانون لم تمنع الجدل الكبير حول المادة التى تضع أسباباً محددة وتفصيلية عن عدم مسئولية الأشخاص عن الجرائم التى يرتكبونها، وخاصة المرضى النفسيين أو المختلين نفسياً وعقلياً، بعد أن كانت الإصابة بالجنون هى طوق النجاة الوحيد لعدم معاقبة المتهمين فى الجرائم، أضافت المادة حالات جديدة اعتبر فيها المشرع المتهم غير مسئول عن ارتكاب جريمة، وهى الاضطراب النفسى أو ما يوصف بالعقدة النفسية، وهو ما يستغله المحامون رسمياً وعبر التلاعب فى الشهادات الطبية لتبرئة موكليهم، من خلال محاولة إثبات عدم مسئولية المتهمين من موكليهم عن ارتكاب الفعل المؤدى للجريمة من خلال إثبات إصابته بمرض أو خلل نفسى، خاصة فى جرائم القتل، للإفلات من العقاب، وهى الخطة الدفاعية التى يتم اللجوء لها فى حال ثبوت الجريمة على المتهم بالأدلة القولية والمادية، وأحياناً تكون حقيقة إصابة المتهم بمرض نفسى لا تقبل الشك، وأحياناً أخرى يكون الأمر محل ارتياب وشك من جهات التحقيق، وهى السلطة الوحيدة لتقييم حالة المتهم ومسئوليته الجنائية.
{long_qoute_2}
د. محمود كبيش، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة السابق وأستاذ القانون الجنائى، يرى أن هناك فرقاً بين المختلين نفسياً وعقلياً بالفعل -وهم الذين لا يدركون طبيعة السلوك وقت ارتكابه مما أدى لوقوع الجريمة نظراً لخلل عقلى أو نفسى جسيم- وبين من يدعى ذلك، مشيراً إلى أن الجهات الفنية والخبراء النفسيين هم من يحددون ذلك، فالمتهم المصاب بالخلل النفسى والعقلى ويثبت ذلك فعلاً بالتقارير الطبية الفنية، لا يساءل جنائياً نظراً لأنه لا يعرف السلوك المرتكب أصلاً ولا يعى ما يفعل ويكون معفى من المسئولية الجنائية.
ومنذ اللحظة الأولى لارتكاب الجريمة وإلقاء الأجهزة الأمنية القبض على المتهم، تتكشف خطوط سير التحقيقات فى حالة ظهور علامات الاضطراب النفسى على المتهم، وبالتالى فإن النيابة العامة تقرر إرساله إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، ويتم إيداعه فى تلك المؤسسة الحكومية المختصة لفترة زمنية تقررها النيابة العامة، وتصدر تلك الجهة من خلال المتخصصين فيها تقريراً فنياً شاملاً عن حالة المتهم المودع بها يفيد بصحة إصابته بخلل نفسى أو عقلى من عدمه، وإمكانية تأثير هذا الخلل فى شخصية المتهم.
وأوضح «كبيش» أن المسئولية الجنائية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسئولية المعنوية، ويكون هنا المتهم غير المدرك سلوكياً لعلة نفسية مرضية مثل الطفل الذى لا يميز وعمره أقل من 7 سنوات، فهو لا يعلم ضرر السلوك المرتكب ولا يميز خطورته وبالتالى يعفيه القضاء من العقوبة، وشرح أن الجنون الدائم أو النسبى واللحظى والوقتى جميعها حالات تعتمد عليها الجهات القضائية فى تحديد المسئولية الجنائية على المتهم، وفى حالة تعرضه لنوبات أو خلل عقلى وقتى، يجب أن يثبت لديها أن الجريمة ارتكبت فى حالة فقد الإدراك، وليس فى حالة الصواب العقلى أو الحالة الطبيعية.
وأضاف «كبيش» أن المشرع استثنى من حالة غياب العقل أن يكون مرتكب الجريمة قد تعاطى مادة مخدرة بإرادته أذهبت عقله وارتكب الجريمة وقت غياب الإدراك، فهنا يعاقب المتهم ويحاسب على فعلته رغم عدم إدراكه ويعامل معاملة المدرك تماماً، نظراً لأنه هو المتسبب فى حالة غياب الإدراك، وهو ما ترتب عليه وقوع الجريمة لاحقاً.
وأشار «كبيش» إلى أن الخلل النفسى لا يعتبر ثغرة قانونية سهلة لأن الجهات القضائية عندما ترسل المتهم إلى المؤسسة الحكومية للصحة النفسية تأمر بإيداعه لمدة معينة تحت المراقبة والملاحظة، ويكون التقرير الصادر عن تلك المؤسسة محايداً، غير أنه لا يعنى استحالة الالتفاف على تلك النقطة، فقد يلجأ بعض المتهمين لتزوير هذه التقارير أو الحصول على مساعدة غير شرعية فى إعداد تقرير غير دقيق، وهنا فى حالة ثبوت ذلك تضاف جريمة التزوير لكل من شارك فى هذا الأمر، ويكون مسئولاً عن محاولة إفلات مجرم من العقاب.
ومن الناحية الأمنية، وصف الخبير الأمنى اللواء محمد نورالدين، أن هؤلاء المختلين عقلياً عبارة عن «قنابل موقوتة» فى المجتمع، خاصة فى حالة هروبهم من المصحات النفسية عقب ارتكابهم جرائم، وقال إن المحكمة فى حالة ثبوت خلل نفسى لمرتكب الجريمة تُضمّن قرارها بإيداعه إحدى المصحات النفسية والعقلية للعلاج والمتابعة ويعرض الأمر عليها دورياً، إلا أن المشكلة تكمن فى إمكانية هروب المتهم بعد ذلك من المصحة ليخرج للمجتمع وينفذ جرائم أخرى ولن يعاقب عليها أيضاً.
وشدد «نورالدين» على ضرورة المتابعة الأمنية لهؤلاء منذ إيداعهم المصحات النفسية وحتى خروجهم سواء بالعلاج والتعافى، أو حتى فى حالة محاولة هروبهم، لأن الداخلية لا تؤمن تلك المستشفيات التى تتبع وزارة الصحة وتؤمن من جانب أفراد أمن إدارى، وخاصة لأن فترة الشفاء تستغرق فترات طويلة.
وقال «نورالدين» إنه أثناء عمله بمباحث الجيزة كانت هناك «سجّانة» بسجن النساء تعرضت للقتل بطريقة وحشية فى منزلها هى وزوجها وأفراد أسرتها بالكامل، فيما عدا أحد أبنائها الذى كان عمره وقتها 15 عاماً، وقالت التحريات إنه أفلت من القتل بالمصادفة لأنه كان يبيت لدى جدته فى تلك الليلة.
وأضاف: «الولد صعب علينا جداً وكنا بنشترى له حلويات وبنطبطب عليه، وهو كان متأثر بالجريمة جداً وبيبكى على أمه وأبوه وإخواته طول الوقت، وأجرينا التحريات وعملنا فى القضية مجهود كبير جداً عن علاقات المجنى عليها فى السجن ومع السجينات وأيضاً عن علاقة الأب الذى كان يعيش فى الصعيد، وبحثنا عن تورطه فى أى قضايا ثأر أو خلافه، إلى أن تغير مسار القضية عند مناقشة جدة الطفل، وقالت بالمصادفة إنها تخشى فقط على الطفل أن تتأثر حالته النفسية مرة أخرى بعد استكمال علاجه».
وتابع «نورالدين»: «التقطنا الخيط وبدأنا نبحث عن تاريخ الطفل المرضى النفسى، وتبين أنه كان يعالج من مرض نفسى يجعله عدوانياً جداً، وبدأت الشكوك حوله إلى أن اكتشفنا أنه ارتكب الجريمة واغتسل وغير ملابسه وذهب بكل هدوء إلى جدته ليبيت لديها، وبمواجهته بالتحريات والأدلة اعترف وقال إنه كان يخشى عليهم من الظروف الصعبة وإنه قتلهم ليريحهم، فتم إيداعه مستشفى أمراض نفسية ونجح فى الهرب وأعدناه 3 مرات متتالية خشية تكراره تلك الجرائم مرة أخرى».