«السيسى» فى البيت الأبيض

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

بعد 13 عاماً من الارتباك فى العلاقات المصرية الأمريكية، يبدأ الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد غد الاثنين، أول زيارة رسمية للبيت الأبيض يقوم بها رئيس مصرى منذ عام 2010، وهى زيارة ترتبط أهميتها بالنفور والتقارب والصعود والهبوط فى العلاقات بين الدولتين منذ بدايات القرن الحالى.

وإذا كانت إدارة بوش الابن زرعت بذرة النفور فى العلاقات بين البلدين وتوقف الرئيس الأسبق حسنى مبارك منذ عام 2004 عن زيارة البيت الأبيض، فإن إدارة أوباما زادت من حدة الخلافات رغم محاولات تحسين الصورة بدعوة مبارك لزيارة واشنطن عامَى 2009 و2010، حيث دعمت إطاحة مبارك فى يناير 2011، وساندت ودعمت حكم الإخوان، وقررت موقفاً معادياً لثورة 30 يونيو ورافضاً لإسقاط حكم المرشد.

فى ظنى أن تلك الأجواء تمهد لأهمية الزيارة، فالرئيس المصرى يحمل ثورة 30 يونيو على أكتافه، والرئيس الأمريكى يأتى على خلفية معادية لحكم المرشد، والاثنان من أبرز قادة العالم وأكثرهم وضوحاً فى مواقفهما من الحرب ضد الإرهاب، وهو ما يعنى أن قواعد جديدة واضحة ربما تمهد لمسار مختلف فى العلاقات بين البلدين بعد 13 عاماً من الاضطراب والارتباك.

واعتقادى أن الأهم لنا أن نعرف ماذا تريد إدارة ترامب وليس ماذا نريد نحن منها، والسبب فى ذلك أن الأجندة الأمريكية الجديدة لا ترتبط فقط بالموقف من الإرهاب الداعشى أو القاعدى أو الإخوانى، وإنما هى أجندة واسعة وممتدة تحاول إعادة صياغة الدور الأمريكى والعلاقات وخلق تحالفات وجبهات عديدة جديدة فى المنطقة تؤمن الإدارة الأمريكية أن لمصر دوراً بارزاً فيها.

من أهم وأبرز تلك الملفات يأتى فى الصدارة الموقف من إيران، حيث تشير التصريحات المتتالية لمسئولين فى الإدارة ولترامب نفسه إلى ضرورة تشكيل تحالفات وتكتلات إقليمية لا تقف عند حدود الجدار السياسى تجاه طهران، وإنما احتمالية تجاوز ذلك لمواجهات مسلحة أو عسكرية.

المشرق العربى واحد من هذه الملفات، فتصريحات رؤساء أجهزة المخابرات الغربية المتتالية تؤكد أن هذه المنطقة لن تعود كما كانت قبل يناير 2011، واعتقادى أن إعادة صياغتها ترتبط بدور مستتر غير علنى تقوم به إسرائيل، وترامب واضح جداً فى مواقفه الداعمة بغير حدود لإسرائيل، وإن كان أخيراً بدأ فى بعض التصريحات التى ربما تثير الطمأنينة تجاه الحقوق الفلسطينية، ثم هناك منطقة الجزيرة العربية والمملكة السعودية التى لا يمكن تجاهلها أو استبعادها من التصور الجديد.

إذن نحن مطالبون برسم أجندة أمريكية منتظرة إلى جانب أجندتنا المصرية، فمناطق التماس كثيرة ومتعددة، لكن أيضاً مناطق الخلاف أعتقد أنها أكثر تعقيداً وعمقاً، فلم يعد مطلوباً أن نفاجأ برؤية أمريكية أو موقف يضعنا تحت ضغط أو توتر أو قلق على مصالحنا الإقليمية.

وإذا كانت أمريكا دولة عظمى كونياً، فإن مصر، وبرغم ظروفها الطارئة، دولة عظمى إقليمياً ومن الصعب استبعادها من ملفات عديدة، وهذا الفهم يقتضى أن نكون جزءاً فاعلاً فى رؤية استراتيجية جديدة وليس جزءاً منفذاً أو ملتزماً فقط، نحن مطالبون باستراتيجية واقعية عملية مرنة للتعامل مع الصياغة المستقبلية الجديدة تحفظ حقوقنا ومصالحنا وتحمى الدولة الوطنية.