الأزهر والفاتيكان.. من تجميد العلاقات إلى الحوار والتعاون

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

الأزهر والفاتيكان.. من تجميد العلاقات إلى الحوار والتعاون

الأزهر والفاتيكان.. من تجميد العلاقات إلى الحوار والتعاون

شهدت العلاقات بين الأزهر والفاتيكان تغيرات عديدة خلال الـ10 سنوات الأخيرة، وتحديداً منذ عام 2006، حيث مرت تلك العلاقة بالخلاف والشقاق والتوافق وأخيراً التقارب، وذلك منذ محاضرة للبابا السابق بندكت، بابا الفاتيكان، فى جامعة ريجينسبورج بولاية «بافاريا» الألمانية، استشهد خلالها بقول أحد الفلاسفة الذى ربط بين الإسلام والعنف وفكرة الجهاد، الأمر الذى تسبب فى استياء الأزهر، واقتبس حينها البابا بندكت مقطعاً من حوار دار فى القرن الـ14 بين إمبراطور بيزنطى ومثقف فارسى، واستعاد قول الإمبراطور: «أَرِنى ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أموراً شيطانية وغير إنسانية، مثل أوامره التى دعا فيها بنشر الإيمان عن طريق السيف».

{long_qoute_1}

واحتج المسلمون فى أرجاء العالم، فيما سعى البابا، الذى قال إنه لا يتفق مع الإمبراطور البيزنطى الذى اقتبس كلماته، إلى إصلاح الأمر بزيارة المسجد الأزرق الشهير فى مدينة إسطنبول التركية، والصلاة باتجاه مكة المكرمة من أمامه، وأعرب البابا بندكت مراراً عن أسفه لغضب المسلمين من خطابه، إلا أنه لم يقدم اعتذاراً واضحاً طلبه المسلمون حينها فقام الشيخ محمد سيد طنطاوى بتجميد الحوار لعامين، وبعدها عاد الحوار بين الطرفين مرة أخرى فى عام 2008 ولكن سرعان ما توقف بعد ما وصفه البعض بتصرفات استفزازية من قبل البابا بندكت مثل تعميده للمسلم الإيطالى مجدى علام، المصرى المولد، الذى تحول إلى المسيحية، ما أثار استياء واسعاً بين المسلمين، وفى العام 2011 أدى تصريح للبابا بندكت السابق، بخصوص حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية فى يناير 2011، والذى طالب فيه بحماية المسيحيين فى مصر، لتوتر جديد فى العلاقات انتهى لقطيعة تامة بعد أن اعتبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الأمر تدخلاً فى الشئون المصرية.

وأعلن الدكتور محمود العزب، أستاذ الحضارة بجامعة السوربون ومستشار شيخ الأزهر للحوار، فى تصريح له، عن توقف الحوارات قائلاً: «نتحاور مع المسيحية العالمية كلها وبكل مذاهبها، نتحاور مع الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس، وتم تجميد الحوار مع الفاتيكان، والأزهر ينتظر أن يتراجع الفاتيكان عن الإساءات التى أثرت فى العالم الإسلامى وفى الأزهر». وساهم تولى البابا فرنسيس الأول رئاسة الكنيسة الكاثوليكية 13 مارس 2013 فى عودة الحياة للعلاقة بين الهيئتين الكبيرتين حيث أكد البابا فرنسيس فى أول تصريحاته أن أولوياته مكافحة الفقر وتكثيف الحوار مع الإسلام فى 22 مارس 2013 وبادر الأزهر بتهنئة البابا الجديد وأكدت المشيخة فى بيان لها 8 يونيو 2013 أن عودة العلاقات بين الأزهر والفاتيكان مرهونة بما تقدمه مؤسسة الفاتيكان من خطوات إيجابية جادة تظهر بجلاء احترام الإسلام والمسلمين، وبادلت الحبر الأعظم الجديد الاحترام. ثم شارك الدكتور محمود العزب، مستشار شيخ الأزهر للحوار، فى مارس 2014، فى مبادرة بين الطوائف، لإطلاق شبكة لمكافحة شتى أشكال العبودية، والاتجار بالبشر، وبعدها بشهور توفى مهندس العلاقة الدكتور محمود العزب فبعث البابا فرنسيس بابا الفاتيكان رسالة تعزية إلى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، نقلها سفير الفاتيكان بالقاهرة فى وفاة «العزب»، وأكد خلالها بابا الفاتيكان أن وفاته خسارة كبيرة ولا يوجد من الكلمات ما توفيه حقه نظراً للمجهود الضخم الذى قام به.

وكرر البابا تصريحاته ومبادراته الإيجابية تجاه الإسلام والمسلمين، واستقبل فى مايو 2016 فى الفاتيكان شيخ الأزهر أحمد الطيب فى لقاء وُصف بالتاريخى، وأشاد المتحدث باسم الكرسى الرسولى بهذا اللقاء ووصفه بأنه «ودى جداً». وقال البابا للصحفيين إن الرسالة من هذا الاجتماع الذى شهد معانقة بينهما، هى «لقاؤنا» بحد ذاته. واستغرق اللقاء الخاص بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر نصف ساعة تقريباً بحسب بيان الفاتيكان. وأشاد المسئولان الدينيان بـ«الدلالات المهمة لهذا اللقاء الجديد فى إطار الحوار بين الكنيسة الكاثوليكية والإسلام»، وبحث الطرفان «السلام فى العالم ونبذ العنف والإرهاب ووضع المسيحيين فى إطار النزاعات والتوتر فى الشرق الأوسط وكذلك حمايتهم». وعقد اللقاء فى مكتبة الفاتيكان وقدم البابا فرنسيس لضيفه نسخة عن رسالته العامة حول البيئة وكذلك ميدالية السلام. وهى المرة الأولى التى يحصل فيها مثل هذا اللقاء فى الفاتيكان.

وأكدت مشيخة الأزهر أن اللقاء ناقش تنسيق الجهود بين الأزهر الشريف والفاتيكان من أجل نشر ثقافة الحوار والسلام والتعايش بين الشعوب والمجتمعات، وقد أكد البابا خلاله أنه متابع لدور الأزهر الشريف فى نشر ثقافة السلام والتعايش المشترك وجهوده فى مواجهة الفكر المنحرف، مشدداً على أن دور الأزهر فى هذه الفترة من تاريخ العالم مهم ومحورى.


مواضيع متعلقة