بالفيديو| قصة 25 سنة "حكي".. "الجريتلي": المصري حكّاء بطبعه و"مش محتاجين مدربين أجانب"

كتب: سلوى الزغبي

بالفيديو| قصة 25 سنة "حكي".. "الجريتلي": المصري حكّاء بطبعه و"مش محتاجين مدربين أجانب"

بالفيديو| قصة 25 سنة "حكي".. "الجريتلي": المصري حكّاء بطبعه و"مش محتاجين مدربين أجانب"

{long_qoute_1}

بينما يدفع حساب التاكسي وقبل أن يعبر الطريق إلى "بروڤة" في المجلس البريطاني منذ سنوات طويلة، وقعت عيناه على لافتة الفندق المجاور للمجلس "فندق شهر زاد"، فأدرك أن سعيه إلى تدريب أعضاء فرقته على "الحكي" وهو جالس في فندق بنجع حمادي عام 1992، نوع من تأكيد قيمة الحياة في مواجهة العبث والموت، مثلما كانت تفعل شهر زاد كل ليلة لتعيش إلى الليلة التالية.

الحكي لدى المخرج المسرحي "حسن الجريتلي"، مؤسس فرقة "الورشة" أول فرقة مستقلة مصرية عام 1987، يلعب دورًا مركزيًا في حياة شعبنا المصري، فكلنا نحوّل تفاصيل حياتنا اليومية - بمُرها وحلوها - إلى مادة حكي مستساغة، نتواصل من خلال كثافتها الشفهية مع الآخرين.

{long_qoute_2}

ارتبط الجريتلي بالمسرح من باب الاحتياج للحكايات والتواصل، الذي لم يجده في طفولته، وكوّن فرقة "الورشة" في بدايتها مع الفنانة عبلة كامل والفنان أحمد كمال، وعمل على تمصير المسرح العالمي وخصوصًا الغربي، وأدخلت الفرقة على المحاولات السابقة العمل على العلاقة بين الصمت والكلام وجسم الممثل وتعبيره الجسدي، حتى تحول المسرح الغربي لديهم إلى مصدرٍ بدلًا من كونه نموذجًا يحتذون به، وراوغتهم ثقافتهم المصرية المتأصلة داخلهم بالبحث داخل التراث المصري، الذي أوجد المسرح بأشكال مختلفة، بعيدًا عن تعريفه الغربي، من خلال "خيال الظل، والحكي، والسير خاصة السيرة الهلالية، والمواويل القصصية مثل شفيقة ومتولي وحسن ونعيمة، والتحطيب، والأراجوز"، فكلها فنون للعرض والفُرجة، وبدأ يعمل من خلال فرقته على كتابة نصوص مصرية أصيلة "شغلنا على الميراث الغربي تلاه شغلنا على الميراث المصري للمسرح"، وأهم عنصر تمحورت حوله العناصر كان "الحكي".

وفي العام 1992، بدأ التدريب على "الحكي" داخل الفرقة المسرحية باحثين عن مُدربين وشملت الاقتراحات "الجدات، الشغالات، حكّائين محترفين، مغني السير وخصوصًا السيرة الهلالية، حكاءيين المواويل القصصية وممكن المداحين"، بحثًا عن القصص، وبينما هم يفكرون اقترحت صديقة للجريتلي عليه أن يقرأ كتاب "مقطوعة جلدته"، وأصبح مرجعًا أساسيًا لشغلهم من حينها وأعادوا نشره "القصص الشعبي في الدقهلية" للباحث الأنثربولوجي فتوح أحمد فرج، والذي كان ناظر مدرسة اللغات بالسنبلاوين، ثم تنوعت أنواع الحكي ما بين حكي الحياة اليومية والشهادات والقصص المكتوبة التي يصنعون لها الإعداد، ولكنهم بدأوا بالقصص الشعبي.

{long_qoute_3}

"غزل الأعمار".. أولى المسرحيات التي اعتمدت على الحكي قدمها "الجريتلي" للجمهور منذ العام 1997 وحتى 2002، وجاءت من نصوص السيرة الهلالية التي بدأ العمل عليها ابتداءً من 1993، واكتشف أن نصوص السيرة التي جمعوها من "سيد الضوي" الابن وأشعار الأبنودي ومعه عطيات الأبنودي، هي في واقع الأمر يمكن القول بأنها أعمال مسحية، فعندما قسّم كلام الراوي على الممثلين محافظًا على وجوده السردي "لاقتني بعمل مسرحية"، ويرى أن عبلة كامل وسيد رجب من أمهر الحكّائين الذين تم تدريبيهم في "الورشة".

فالحكّاء المصري، من وجهة نظر المخرج المسرحي، هو المواطن المصري الذي يحوّل مادة الحياة صعبة الهضم إلى مادة للتواصل مع الآخرين، وحتى يحدث هذا التواصل يجب أن تكون المادة مستساغة، فالتواصل في مصر ما زال من القيم الأساسية في الحياة على الرغم من عادتنا الاستهلاكية، فإنه ما زلنا نعتبر في واقع الأمر أن التواصل بيننا وبين بعضنا هو أساس البقاء، من خلال القصة أو الحدوتة أو الشهادة أو "النكتة الكويسة" هي أحسن طرق التواصل، الذي يؤدي إلى بناء اجتماعي فيه تعاطف.

وللمسرح غواية يشعر بها الممثلون وتأخذهم، لذا يظل "الجريتلي" معتبرًا بحثه قائمًا على العلاقة بين المسرح والحكي، مشيرًا إلى أن التمثيل موجود داخل الحكي "بس الممثل وهو بيحكي بيستعمل أدواته بشكل مختلف عن كونه بيحكي".

{left_qoute_1}

"الحكي أبو المسرح"، الاكتشاف الذي استخلصه المخرج المسرحي من خلال العلاقة بين الحكي والتمثيل، ليرى أن الحكّاء الذي يحكي قصة بها 5 شخصيات عمل على تمثيلهم بالكامل "هغرز مش هعرف اطلع من الشخصية دي وارجع ليا كحكّاء ومني أروح لشخصية تانية"، وبالتالي يختفي إيقاع القصة على حساب "مسرحة الحدوتة".

واكتشف عمليًا أن الممثلين والحكّائين نادرًا ما يكون عندهم ثقة في الحكي فيحاولون تغطية ما يعتبرونه عناصر القصور في الحكي بالتمثيل مع أنه من الممكن أن يكون هو القاصر.

أكثر ما أثار استغراب الجريتلي أننا "نستورد الماية في حارة السقايين"، فيأتي الفنانين بمُدربين غربيين ليدربوهم على فن الحكي، على الرعغم من أن المصريين هم مصدر الحكي، كما أن أغلب هؤلاء "بيمثلوا الحكّاء"، ويقعون في إشكالية "هل أنا كحكّاء بمثل شخصية الحكّاء ولا بحكي من المكان اللي انا فيه"، والأصح هو الاختيار الثاني، فيكون الحكّاء كـ"محرك العرائس"، ضاربًا المثل بلاعب العرئس الضخمة أو محركها في مسرح "البون راكو" الياباني، فيلاصق وجهه وجه العروسة هو ليس منفصل عنها ولكنه متفاعل تماما بها، وفي حالة تضامن وتعاطف معها لكنه لا يمثل بدلًا عنها ولكنه يحركها بكل المشاعر الموجودة فيه.

بعد مرور 25 عامًا على بدء التدريبات على فن الحكي في "الورشة"، وكانت مدة كافية ليضع المخرج المسرحي في ذهنه ثوابت للحكي الجيد، تبدأ بـ"العين" والتواصل من خلال النظر مع الآخرين، ثم يأتي عنصر "الخيال" فإذا لم يتخيل الحكّاء قصته كفيلم سينمائي "اللي بيسمعه مش هيشوف حاجة"، فالحكي صور وليس كلامًا، والكلمة مجرد مدخل إلى الصور "وأنا شايف اللي أنا بحكيه كل واحد هيشوف الفيلم اللي يخصه من كلامي"، والعنصر الثالث هو "النَفَس"، أن يعرف الحكّاء متى يهدأ ويثور ويتكلم سريعًا ويبطىء حتى لا ينفلت منه الجمهور، كما أنه يعتمد على إعادة انتاج التلقائية وتكون كل حركة يستخدمها في جسده محسوبة ودالة.

على الرغم من تأصل الحكي في الثقافة المصرية، فإنه لا توجد مهرجانات مصرية له على عكس بعض الدول العربية وعلى رأسهم عمان التي تنظم مهرجان "حكايا" في سبتمبر من كل عام، ولم تشهد مصر مهرجانات له إلا عامين فقط من خلال مؤسسة "دوم" الثقافية وهي مستقلة كان قائما عليها الدكتور خالد الخميسي، ثم توقف دون أسباب معلومة للجريتلي، على حد قوله، مؤكدًا أن الشعب المصر كله حكّاء وحتى شهرزاد كأمثولة اتولدت عندنا "الست اللي بتحكي علشان تعيش" من إنتاجنا، متمنيًا أن تنتشر بعد أن ظهرت ممارسات من أيام ثورة 25 يناير 2011 حيث أعلنت فرق عن نفسها بأنها "فرق حكي".


مواضيع متعلقة