«الاتحاد الأوروبى» يخشى «صيفاً فوضوياً» إذا لوحت «أنقرة» بورقة اللاجئين

كتب: محمد حسن عامر

«الاتحاد الأوروبى» يخشى «صيفاً فوضوياً» إذا لوحت «أنقرة» بورقة اللاجئين

«الاتحاد الأوروبى» يخشى «صيفاً فوضوياً» إذا لوحت «أنقرة» بورقة اللاجئين

منذ عزمه تعديل الدستور وتحويل بلاده إلى النظام الرئاسى والرئيس التركى رجب طيب أردوغان يدخل فى مواجهات سياسية عديدة رافضة لتوجهه، اللافت هذه المرة أن حدود تلك المواجهات على خلفية التعديلات الدستورية، التى ربما تبقيه رئيساً حتى 2029، لم تعد مقصورة على الداخل المنقسم وإنما امتد نطاقها إلى مواجهة مفتوحة للرئيس التركى مع الدول الأوروبية تحتمل كل الخيارات، وكانت بداية الأزمة الحالية بمواجهة كلامية مع ألمانيا، عندما منع عدد من المدن الألمانية مسيرات لدعم التعديلات الدستورية التركية، لدواع أمنية وفق السلطات فى «برلين»، لكن القرار أثار غضب «أردوغان» الذى وصفه بـ«الممارسات النازية»، معتبراً أن ألمانيا لا علاقة لها بالديمقراطية، فردت عليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل برفض تصريحاته واعتبرتها «غير مقبولة» «ومحزنة»، وتواصلت الحرب الكلامية بين الطرفين والهجوم خاصة من قبل الرئيس التركى، الذى مؤخراً وصف ألمانيا ببلد داعم للإرهاب، لكن «برلين» لم تتراجع عن قرارها بهذا الخصوص، الذى اتخذته خوفاً من توترات بين الجاليات التركية الموجودة فى ألمانيا، بخاصة أن هناك نسبة كبيرة منهم من الأكراد الموالين لمنظمة «حزب العمال الكردستانى» المحظور فى تركيا.

{long_qoute_1}

لم تقف حدود أزمة «أردوغان» عند ألمانيا، فبلغت ذروتها مع هولندا، التى منعت فى البداية طائرة وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو من الهبوط على أرضها، حيث كان من المقرر أن يلقى كلمة أمام تجمع للأتراك فى مدينة «روتردام» بهدف حشد التأييد للتعديلات الدستورية المطروحة للاستفتاء فى 16 أبريل المقبل، فكان الرد من الرئيس التركى بوصفه سلطات هولندا بـ«بقايا النازية والفاشية»، ثم استدعت «أنقرة» القائم بالأعمال الهولندى لتحتج على قرار منع طائرة «جاويش أوغلو» من الهبوط، ولتؤكد له أنها ستأخذ نفس الإجراء مع المسئولين الهولنديين، لكن تصاعدات الأزمة أكثر فأكثر عندما أعادت السلطات الهولندية وزير الأسرة التركية فاطمة كايا برا إلى ألمانيا ومنعتها من الدخول للمشاركة فى تجمع آخر للأتراك من أجل حشد الدعم للتعديلات الدستورية، ما جعل تركيا تطلب من السفير الهولندى الذى هو خارج البلاد من الأساس ألا يعود إلى تركيا لأجل غير مسمى، ثم واصل الرئيس التركى هجومه على هولندا حتى إنه اتهمها بالتورط فى مذبحة سربرنيتشا فى البوسنة والهرسك، وتم تعليق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ثم بدأت دول أوروبية تأخذ قرارات مماثلة أو قريبة من ألمانيا وهولندا، مثل الدنمارك والسويد والنمسا، وربما نسبياً فى فرنسا، فاستدعت تصريحات «أردوغان» بشأن النازية، وفق تقرير لقناة «سكاى نيوز»، دخول فرنسا على خط المواجهة، إذ أدان بيان فرنسى ألمانى مشترك ما صدر عن «أنقرة» من اتهامات وصفها أنها «غير مقبولة» بشأن انتهاج سياسة نازية. وفى الإطار ذاته، أعلن وزير الخارجية الدنماركى أندرس سامويلسن، أنه سيستدعى السفير التركى فى «كوبنهاجن»، بعد أن أكد مواطنون دنماركيون تلقيهم تهديدات بسبب انتقادهم سياسة «أردوغان».

مجلة «بوليتيكو» الأمريكية رصدت، فى تقرير نشرته بتاريخ 8 مارس، أهم الأسباب التى دفعت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للدخول فى تلك المواجهة مع الدول الأوروبية، ورأت أن تنطلق من أنه كلما زادت التوترات والرفض الأوروبى تجاه الحكومة التركية، فإن الأخيرة مستفيدة، إذ إنها تصور أوروبا كأعداء لا يريدون تركيا قوية، وتركيا القوية ستكون كذلك بالنسبة لـ«أردوغان» إذا تحولت البلاد إلى النظام الرئاسى، ومن ثم فإن رفض التعديلات الدستورية يعنى تركيا ضعيفة، وأضافت المجلة أن الرئيس التركى حصل على ذخيرة لدعم حملة دعم التعديلات الدستورية التى توسع صلاحياته بفضل منع ألمانيا تجمعات الأتراك هناك. ونقلت «بوليتيكو» عن الباحث السياسى التركى سليم كور قوله إن «الأتراك يعتقدون أن الألمان هم الأعداء السريون لهم»، وأضاف: «وهذا الأمر يمنح الحكومة التركية القدرة على الانطلاق فى أوروبا والقدرة على القول إن الأوروبيين يخافون منا، ما يجعلهم يبدون أكثر قوة»، وأشارت المجلة إلى أن «جاجيناو» الألمانية لا تضم أكثر من 600 شخص من أصول تركية من بين 30 ألف نسمة، ويبدو أن إرسال وزير الخارجية إلى هذه البلدة مبالغ فيه، ولكن مع الاستفتاء الدستورى فإن الحكومة التركية تقاتل من أجل كل صوت. وذكرت المجلة أن أغلب استطلاعات الرأى تشير إلى أن أكثر من 45% سيصوتون بـ«لا» للتعديلات الدستورية، بينما نحو 43% سيصوتون بنعم، ورجحت الحكومة التركية أن يميل تصويت الجاليات التركية فى الخارج لصالحها، خاصة وسط الجالية التركية فى ألمانيا الذين انتخب نحو 60% منهم الرئيس التركى عام 2015، وإن كانت نسبة المشاركة بينهم لم تتجاوز الـ50%.

جانب آخر من الأزمة ظهر بخصوص موقف الدول الأوروبية من اتهام السلطات التركية فتح الله جولن زعيم حركة «الخدمة» التركية بتدبير الانقلاب العسكرى الفاشل الذى وقع منتصف يوليو الماضى، حين أعلن مدير المخابرات الألمانية برونو كال أن بلاده غير مقتنعة بتدبير «جولن» الانقلاب فى تركيا، وأن «أنقرة» لم تقدم الأدلة الكافية على صحة اتهامها، ما دعا «أنقرة» فى 21 مارس إلى استدعاء القائم بالأعمال الألمانى لديها للاحتجاج على تصريحات مدير المخابرات الألمانية.

ثم انتقلت المواجهة إلى مسألة التحاق «تركيا» بـ«الاتحاد الأوروبى»، فاستبعد وزير الخارجية الألمانى زيجمار جابريل، انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى فى الوقت الراهن، وفى مقابلة مع مجلة «دير شبيجل» الألمانية، نشرت 18 مارس، قال «جابريل»: «تركيا اليوم أبعد من أى وقت مضى عن عضوية الاتحاد الأوروبى»، لكن «أردوغان» رد فى 21 مارس بقوله إن تركيا قد تراجع بعد استفتاء أبريل علاقاتها مع أوروبا، التى وصفها بأنها «فاشية وقاسية» وتشبه ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، وقال إن عملية العضوية فى الاتحاد الأوروبى لم تعد تهدد تركيا، وأضاف أن بلاده لن تسمح من الآن فصاعداً «لأى أوروبيين على أراضيها بالتجسس تحت ذرائع مختلفة»، وفقاً له.

من جهته، حذر الكاتب البريطانى روجر بويز، «الاتحاد الأوروبى» من فوز «أردوغان» باستفتاء الشهر المقبل وحصوله بموجب ذلك على سلطات كتلك التى ينعم بها نظيره الروسى فلاديمير بوتين، قائلاً «إذا حدث ذلك فلن نلوم غير أنفسنا». كما حذر من أن تعزيز صلاحيات أردوغان يهدد الاتحاد الأوروبى بصيف فوضوى فيما يتعلق بقضية اللاجئين. وأكد، فى مقال بصحيفة «التايمز» البريطانية، أنه كلما كان «الاتحاد الأوروبى» أكثر اعتماداً على «أردوغان» لوقف تدفق اللاجئين، كان مصدراً أكثر إزعاجاً، وأضاف «بويز»: «وإذا فاز أردوغان بالاستفتاء فى أبريل المقبل فسوف يرى نفسه فى أوج سلطته ما قد يغريه بأحد خيارين: إما أن يفسخ الاتفاق بشأن الهجرة مع الاتحاد الأوروبى ويترك الأخير يواجه أكثر من 15 ألف لاجئ يومياً، أو أن يطلق المهاجرين على دفعات لينتهى الأمر إلى إحداث شلل فى اليونان أو بلغاريا ما يشكل ضغطاً على بروكسل لمنح الأتراك تأشيرات دخول مجانية إلى أوروبا».


مواضيع متعلقة