أحمد الطاهرى يكتب قبل زيارة «السيسى» المرتقبة إلى واشنطن: مراكز القوى فى البيت الأبيض.. المقربون إلى أُذن «ترامب»!

أحمد الطاهرى يكتب قبل زيارة «السيسى» المرتقبة إلى واشنطن: مراكز القوى فى البيت الأبيض.. المقربون إلى أُذن «ترامب»!
- أجور العاملين
- أرض الواقع
- أعضاء الكونجرس
- أمام الكونجرس
- أمريكا الشمالية
- أمن الوطنى
- أنحاء العالم
- اتفاقيات التجارة
- اتفاقية التجارة الحرة
- «السيسى»
- أجور العاملين
- أرض الواقع
- أعضاء الكونجرس
- أمام الكونجرس
- أمريكا الشمالية
- أمن الوطنى
- أنحاء العالم
- اتفاقيات التجارة
- اتفاقية التجارة الحرة
- «السيسى»
لقاء تم بينهما فى سبتمبر الماضى على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يتجاوز الساعة، إلا أنه كان كافياً لكى يخرج المرشح للرئاسة الأمريكية آنذاك -الرئيس فى ما بعد- لكى يُعلن عن توافق فى الرؤى وتفهّم للمواقف و«كيمياء» خاصة جمعته بالرئيس المصرى، أما الرئيس السيسى فلم يكتفِ بعبارات المجاملة الدبلوماسية عند سؤاله عن «ترامب»، لكنه قدّم رهاناً بلغة السياسة أن «ترامب» سيكون رئيساً قوياً للولايات المتحدة.. لم تمضِ أسابيع، وبعد انتخابات لن تمر بسهولة من الذاكرة الأمريكية.. فاز «ترامب» على منافسته هيلارى كلينتون وقبل صعوده على منصة الانتصار كان إبلاغه بأن الرئيس المصرى يتصل به للتهنئة، وكانت استجابته الفورية لتلقى الاتصال وخلاله تم تبادل الرغبة فى العمل الجاد بين «القاهرة» و«واشنطن».. وهو العمل الذى ينطلق الأسبوع الأول من أبريل على مستوى القمة، بينما انطلقت قنواته منذ إعلان «ترامب» رئيساً للولايات المتحدة، وربما حتى قبل أن يتسلم البيت الأبيض من ساكنه القديم باراك أوباما وفريق إدارته.
دونالد ترامب ليس رئيساً عادياً للولايات المتحدة.. اجتمع المؤيد والمعارض له على أنه استثنائى فى جميع تفاصيله، وإذا كانت العلاقات المصرية - الأمريكية هى المعنى الدقيق لمصطلح العلاقات الاستراتيجية، فهنا تظهر الحاجة إلى معرفة «المقربين إلى أُذن ترامب».. مراكز القوى والتأثير داخل مؤسسة الرئاسة الأمريكية، وذلك لكى نرسم صورة واضحة لملامح الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال رصدنا تقارير إعلامية وبحثية أمريكية عن رجال الإدارة الأمريكية الجديدة.
فى كل مرة تبدأ إدارة جديدة عملها بالبيت الأبيض تظهر مجموعة من كبار المساعدين يتصدّرون المشهد.. مجموعة حول الرئيس تتمتع بالسلطة والقوة وعلاقات واسعة فى واشنطن بالصحفيين تحديداً، فى محاولة لكتابة ملامح مرحلة جديدة والتأثير على الرأى العام ولا مانع من تسريب بعض المعلومات لهم.
لا مانع أن يكون بعض من تلك المجموعة حول الرئيس من خارج «واشنطن»، ففى عام 2009 عين الرئيس السابق باراك أوباما مساعدين سابقين للرئيس بيل كلينتون وكبار الديمقراطيين من أعضاء الكونجرس وشخصيات أخرى مخضرمة من دبلوماسيى «واشنطن»، إلا أنه عيّن أيضاً مجموعة من قُدامى حلفائه من شيكاغو بوظائف رئيسية بالبيت الأبيض وبمجلس الوزراء.
وفى حال فازت هيلارى كلينتون بالانتخابات الرئاسية كنا سنلاحظ اختلافاً طفيفاً فى الأشخاص الذين سيتم تعيينهم فى الوظائف العليا مقارنة بإدارة «أوباما».. وعموماً، يشبه «أوباما» إلى حد كبير هيلارى كلينتون، فقد كان يمثل تيار وسط اليسار الديمقراطى، لذلك فالأشخاص الذين عينهم كانوا بمثابة انعكاس للفكر السائد فى حزبه، أما فى الوقت الراهن، فلا يمت العاملون فى البيت الأبيض وأمناء مجلس الوزراء والكثير من المستشارين الآخرين بأى صلة للحزب الجمهورى، نظراً إلى أن الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب امتنع عن اتباع نهج «تيد كروز»، أو أسلوب يمين الوسط، مثل جورج دبليو بوش وجيب بوش.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن اختيارات «ترامب» لا تتسم بالقومية، فرغم أن الأعضاء المنتمين إلى الحزب الجمهورى فى «الكونجرس» كان بإمكانهم ملء كل المناصب الشاغرة فى البيت الأبيض، فإنه لم يتبع ذلك المنحى.
الأهم من كل ذلك، أنه لا يوجد لدى «ترامب» أجندة سياسية شاملة، وخير دليل على ذلك أنه لم يصرّح خلال حملته الانتخابية عن أى سياسة واضحة من المفترض أن يتبعها بمجرد تسلمه دفة الحكم على خلاف منافسته آنذاك هيلارى كلينتون، فكل ما كان يطمح إليه هو حظر المهاجرين، وحتى هذا القرار لم يلقَ الرواج الذى سعى إليه بعد أن تم تطبيقه على أرض الواقع، فضلاً عن ذلك، لم يعالج خطاب «ترامب» الذى ألقاه فى الجلسة المشتركة فى «الكونجرس»، القائمة الطويلة من القضايا المتشعبة، بل بدا خطابه غامضاً بالنسبة إلى الكثير من المتابعين.
وفى تلك الأثناء، ونظراً لعدم وجود سياسة أو أيديولوجية واضحة تُعنى بحل مثل هذه القضايا المستعصية، انبثقت القرارات التى اتخذها «ترامب» بالأساس من وجهة نظر ثلة من السياسيين الذين تمكنوا من الترويج لأفكارهم ونشر البيروقراطية الفيدرالية بذكاء وحنكة والتأثير، تبعاً للسياسة التى يعتمدها الرئيس الجديد.
وندّدت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية بكبير المحللين الاستراتيجيين لدى «ترامب» ستيف بانون، الذى أثبت أنه على عكس ما كان يروج عنه بأنه رجل محنك وفطن، وله مطلق السلطة فى البيت الأبيض، فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً بعنوان «الرئيس ستيف بانون» فى 30 يناير الماضى، مشيراً إليه بأنه سياسى ساذج ويتعامل مع المسائل الشائكة ببساطة.
تجدر الإشارة إلى أن «بانون» لم يعمل قَطُ فى «الكابيتول هيل»، فى حين أن «الكونجرس» لديه لائحة طويلة من الأسماء التى من الممكن التعويل عليها للتأثير على الرئاسة بشكل فعّال أكثر من «بانون».
وفى هذا الإطار سعى أعضاء الكونجرس للتحالف مع عضو آخر فى فريق «ترامب»، وهو نائب الرئيس مايك بنس.. من جهة أخرى، ورغم امتلاك «بانون» رؤية واضحة وقوية بشأن السياسة الخارجية الأمريكية فإن منظور جيمس ماتيس أشمل، ولديه فرص أكثر للنجاح، فقد استطاع أن يدير وزارة الدفاع التى تضم ما يربو على مليونى موظف فى جميع أنحاء العالم.
فى الواقع، انبثق من صلب إدارة «ترامب» ما لا يقل عن ثمانية أقطاب رئيسية أصبحت مسئولة عن القرارات والتصريحات المتّخذة من قِبَل الرئيس الجديد منذ انتخابات نوفمبر، وهو ما تم تأكيده أيضاً من قِبَل الكثير من الشخصيات المخضرمة فى واشنطن، التى تربطها صلة مباشرة بفريق «ترامب»، ولفهم ما يحدث وسيحدث فى هذه الإدارة من الأهمية بمكان أن نفهم أجنحة السلطة التى تتعاون فى ما بينها أحياناً، وتتنافس فى أحيان أخرى.
جناح «بانون»
يضم هذا الجناح كبير المحللين الاستراتيجيين لدى «ترامب» ستيف بانون، والنائب العام جيف سيشنز، وكبير مستشارى الرئاسة للسياسات العامة ستيفن ميلر، وكبير مستشارى الرئيس الأمريكى للأمن القومى ومكافحة الإرهاب سباستيان جوركا، ورئيس المجلس التجارى القومى التابع للبيت الأبيض بيتر نافارو.
فى الحقيقة، لا بد أن نولى هذه اللائحة من الأسماء الأهمية القصوى، لكن هذا لا يعنى بالضرورة أنهم أكثر الأشخاص نفوذاً، فمن المبكر جداً أن نجزم أى الأقطاب أكثر قوة ونفوذاً.
وبمقدور هذه المجموعة إحداث تغييرات جذرية فى سياسة الولايات المتحدة، سواء داخلياً أو خارجياً، خصوصاً أن وجهات نظر هذه المجموعة تختلف تمام الاختلاف عن العقيدة التقليدية لكل من الحزبين الجمهورى والديمقراطى على حدٍّ سواء، فضلاً عن ذلك يُعد هؤلاء المستشارون، خصوصاً «بانون»، القوى الفكرية الخفية التى تقف وراء السياسة القومية التى يتبناها «ترامب»، بدءاً من عدوانيته ومناهضته لاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وانتهاءً بمعارضته للحركات المدافعة عن السود.
وفى حقيقة الأمر نجد ضمن القائمة من يناهض وبشدة الهجرة غير الشرعية، بل إن البعض منهم عارض أيضاً الهجرة الشرعية، حيث ناقش كل من «بانون» و«ميلر» ضرورة خفض أجور العاملين من المهاجرين فى الولايات المتحدة، فى حين يعادى البعض الآخر الصين، وقد ألف «نافارو» كتاباً فى سنة 2011 تحت عنوان «الموت من قبل الصين».
كما أن مجموعة منهم أعربوا عن قلقهم من الإسلام، وقد دعا «جوركا» إلى استخدام عبارة «الإسلام الراديكالى» عند الإشارة إلى الجماعات الإرهابية، وهو ما سعت كل من إدارة «بوش» و«أوباما» إلى تجنّبه.
عموماً، تعمل هذه المجموعة من الشخصيات البارزة على مقاومة العولمة والصفقات التجارية الكبرى، فضلاً عن أنها اتخذت موقفاً عدوانياً من النظام فى واشنطن والصحافة والبيروقراطية الاتحادية والمؤسسات التابعة لكلا الحزبين فى الدولة، والجدير بالذكر أن هؤلاء السياسيين مصممون على توجيه «ترامب» ليحكم بأسلوب مختلف جداً عن الأسلوب الجمهورى التقليدى الذى اعتمده كل من جورج بوش وميت رومنى.
من جانب آخر، وإذا ما نظرنا عن كثب إلى مجريات الأمور فى البيت الأبيض، سنلاحظ أنه فى حين يدير جيف سيشنز إحدى الإدارات الرئيسية فى الحكومة يحظى كل من «بانون» و«ميلر» بإدارة مركز قوى مهم للغاية ألا وهو كل ما يصدر عن الرئيس.
ففى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما كانت مهمة كتابة الخطابات التى يُدلى بها الرئيس والسياسة التى يعتمدها تحت إشراف إدارة منفصلة، أما فى فترة الرئيس الحالى «ترامب» فلا يضطلع «ميلر» فقط بمهمة كبير مستشارى رئاسة السياسات العامة، بل يقوم أيضاً بالإشراف على عملية كتابة خطابات «ترامب» جنباً إلى جنب مع «بانون» المعنى بكتابة كل الخطابات والرسائل التى يوجّهها الرئيس.
جناح «بنس»
ويضم الجناح نائب الرئيس مايك بنس مدير البيت الأبيض للشئون التشريعية، ومارك شورت وزير الصحة والخدمات الإنسانية، وتوم برايس مدير وكالة حماية البيئة، وسكوت بروت، وأخيراً وزيرة التعليم بتسى ديفوس.
فى الواقع، بلغ «بنس» السلطة من خلال حثه الرئيس الجديد حتى يتبنى أجندة محافظة إلى أبعد الحدود، وخلال فترة حكم جورج بوش عُين «بنس» رئيساً للجنة دراسات الحزب الجمهورى التى كانت آنذاك تجمع أكبر عدد من الجمهوريين المتحفظين، وبعد عامين من تولى «بنس» هذا المنصب عُيّن توم برايس رئيساً للعاملين فى لجنة دراسات الحزب الجمهورى.
على الصعيد نفسه، راهن كل من «بنس» و«برايس» على ضم أعضاء لجنة الدراسات للحزب الجمهورى إلى قائمة القيادة الرسمية للجمهوريين فى مجلس النواب، وتعد هذه المسألة فى غاية الأهمية، نظراً إلى أن «بنس» وحلفاءه نجحوا فى الانضمام إلى دواليب إدارة البيت الأبيض، على غرار مدير البيت الأبيض للشئون التشريعية مارك شورت، الذى عمل مع «بنس» فى الكونجرس لقربهم من الجمهوريين فيه، ناهيك عن درايتهم الشاملة بالعمليات التشريعية، كاعتمادات الكونجرس السنوية.
{long_qoute_1}
فى الحقيقة، كل من يطمح فى تحقيق مآربه فى واشنطن ما عليه سوى العمل على تحويل بعض الهفوات الصغيرة إلى أحكام تشريعية كبيرة، وهو ما سيدفع الرئيس إلى التبجح بأفكاره فى خطاباته أمام الملأ، لهذا السبب يحظى قطب «بنس» بمكانة مرموقة أتاحت له إمكانية فرض توجيهاته على الكونجرس.. لكن يبقى السؤال: ما الذى يرغبون فى تحقيقه؟
من المثير للاهتمام أن «بنس» يعطى أهمية قصوى للقضايا المتعلقة بالقيم الأخلاقية على خلاف «ترامب»، حيث سعى خلال كامل مسيرته المهنية إلى الحد من ظاهرة الإجهاض، كما يعمل مع حلفائه على التصدى لبعض السياسات التى اعتبروها لا أخلاقية على غرار برامج جمعية تنظيم الأسرة الأمريكية، ومن هذا المنطلق بإمكان المحافظين الاجتماعيين الاعتماد على هذه المجموعة.
من جانب آخر، لا يتشارك قطبا «بانون» و«بنس» التوجهات نفسها، خصوصاً فى ما يتعلق بعقيدة المحافظين، فهم لا يخشون ولا يهابون اتفاقيات التجارة الحرة أو الهجرة، وسياستهم تتوافق مع عقيدة السيناتور تيد كروز أكثر مما تتوافق مع سياسة «بانون».
جناح «ماكين»
ويضم وزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الأمن الداخلى جون كيلى، ومستشار الأمن الوطنى ماكماستر، ورغم أن جون ماكين ليس جزءاً من الإدارة الحالية للبيت الأبيض، فإنه يعمل على تحقيق أجندة خاصة وغير اعتيادية تتمحور حول التأكد من ألا تعكس خطابات «ترامب» حول حلف شمال الأطلسى والاتحاد الأوروبى وروسيا وغيرها من القضايا التى تطرق إليها الرئيس الجديد خلال حملته الانتخابية، السياسة الخارجية الأمريكية، لكن «ماكين» لا يُعد الشخص الوحيد المضطلع بهذه المهمة خلال زيارات «ماتيس» إلى بلدان أخرى كان -وعن غير قصد- مصراً على دحض أفكار «ترامب» فى كل مناسبة، فقد ندّد مثلاً بالتدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، وهو ما لم يقدم عليه «ترامب».. علاوة على ذلك، وبدلاً من التملص من مسألة الصحافة، أفاد «ماتيس» بأنه لا توجد لديه أدنى مشكلة مع الصحفيين إثر انتقاد «ترامب» لهم فى المؤتمر الأخير الذى عقده.. أما «ماكماستر»، فقد ناهض وبشدة استخدام «ترامب» لعبارة «الإرهاب الإسلامى المتطرف»، ودعاه إلى تجنّب اعتمادها فى خطاباته.
فى السياق ذاته، وفى أعقاب الفشل الذى مُنيت به الإدارة الجديدة على أثر قرار حظر السفر الذى أصدره «ترامب» ضد الأشخاص الوافدين إلى الولايات المتحدة من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، صرح «كيلى» بأنه سيعمل فى المستقبل على ضمان التحكم أكثر فى مجريات هذا القرار، مع العلم بأن «ميلر» كان له دور مهم جداً فى قرار حظر السفر الأول، فى حين كان تدخل «كيلى» مقتصراً على حدود منصبه كرئيس للأمن الوطنى، وفى حال أراد «كيلى» حقاً أن يكون لديه كلمة الفصل بشأن هذه المسألة سيكون عليه أن يضمن تفوقه على باقى كبار المستشارين فى البيت الأبيض، أمثال «ميلر».
ويتمحور الخطر النابع من قطب «بانون» حول سعيه لدفع «ترامب» إلى اعتماد سياسة خارجية تقليدية، وهو ما لن تتقبّله روسيا، إلا أن ذلك سيكون فى صالح ألمانيا وبقية دول أوروبا، كما سيُسهم فى تقليص حجم وحدة الخطابات العدوانية تجاه الإسلام والمسلمين، وهذه السياسة تتماشى مع سياسة «ماكين».
الجدير بالذكر أنه فى يناير الماضى انتشرت شائعات مفادها أن «ترامب» سيرفع العقوبات التى فرضها «أوباما» على روسيا، بسبب قرصنتها للانتخابات الأمريكية، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، وفى حال لم يرفع «ترامب» العقوبات، فهذا إن دل على شىء فإنما يدل على قوة قطب «ماكين»، خصوصاً أن «ترامب» لم يكن متحمّساً عندما تم فرض هذه العقوبات على روسيا.
فى الواقع، أن الخطر الكامن فى قطب «ماكين» يتمثل بالأساس فى أن «ترامب» عيّنهم فى مناصب عُليا لمجرد أن يضفى على إدارته بعض المصداقية والهيبة، وتحديداً (كيلى، ماتيس، وماكماستر)، بالإضافة إلى جنرالات محترمين ذوى مكانة، لكنه سيتعمّد تجاهل مشورتهم فى المسائل الحساسة.. ولعل هذا القطب تنطبق عليه تحذيرات كولن باول خلال حقبة جورج بوش.
وتجدر الإشارة إلى أن «باول» كان يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكى وقد كان مشهوراً جداً وذا شعبية عالية، فضلاً عن أنه كان من المناهضين لحرب العراق، لكنه فشل فى إقناع «بوش» فى العدول عن رأيه.
الخلاصة: يبدو أن «ترامب» رجّح كفة قطب «بانون» على قطب مستشار الأمن القومى، وخير دليل على ذلك استخدامه عبارة «الإرهاب الإسلامى الراديكالى» فى الخطاب الذى ألقاه أمام الكونجرس مؤخراً.
جناح الأصدقاء والعائلة
ويضم زوج ابنة الرئيس ومستشار البيت الأبيض جارد كوشنر إيفانكا ترامب المحامى الشخصى لـ«ترامب»، مايكل كوهين، مستشارة مكتب الالتزامات العلنية فى البيت الأبيض وماروسا مانيجولت.
تعتبر هذه المجموعة من أشد المقرّبين إلى الرئيس الجديد، ومن المفترض ألا تكون قادرة على تقديم خدماتها لأى إدارة أخرى، حتى لو أدارها مرشح جمهورى آخر.
ويوجد ثلاث نقاط مهمة بخصوص هذه المجموعة، فعلى عكس الأقطاب التى تحدثنا عنها سابقاً.. فهذه المجموعة لم تكن تربطها صلة قوية بالحزب الجمهورى أو حركة المحافظين قبل أن يشاركوا فى حملة «ترامب»، وهو ما قد يثير مخاوف قطبى «بنس» و«بانون».
وفى هذا الصدد، إن أثبت «ترامب» جدارته فستحثه ابنته وزوجها على التخلى عن سياسات اليمين الذين قد يتخلون عن التزاماتهم معه، حيث تبرّع «كوشنر» بأمواله لعدد من مرشحى ومنظمات الحزب الديمقراطى، خصوصاً فى نيويورك ونيوجرسى، وقد كانت حملة السيناتور كورى بوكر فى سنة 2014 من أبرز المستفيدين من تبرعاته، وفى ما بعد تحول «بوكر» من أشد الناقدين لـ«ترامب».. وفى تلك الأثناء قدّمت إيفانكا ترامب الدعم لـ«بوكر» وسيناتور نيويورك كيرستن جيليبراند.
ولدى كل من «إيفانكا» و«كوشنر» علاقات مباشرة واتصالات منتظمة مع الرئيس أكثر من مجلس وزرائه.. وبالتالى إن كنت أحد المساعدين فى البيت الأبيض وتوترت علاقتك بـ«كوشنر» أو «إيفانكا»، فأيامك أصبحت معدودة علماً بأن الزوجين كانا وراء تخلى «ترامب» عن مدير حملته الأولى فى سنة 2016.
جناح الحزب
ويضم رئيس موظفى البيت الأبيض رينسى بريبوس، ونائبة رئيس موظفى البيت الأبيض كاتى والش، والمتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر.
وخلال فترة إدارة «بوش» شغل شون سبايسر منصب المتحدث باسم الممثل التجارى الأمريكى، حيث كانت إدارة «بوش» داعمة لاتفاقيات التجارة العالمية.
وفى سنة 2013، أصبح «سبايسر» يشغل منصب المساعد الأول لرئيس اللجنة الوطنية الجمهورية رينسى بريبوس الذى أصدر فى تلك السنة تقريراً مفصّلاً حول حاجة الحزب الجمهورى لتغيير خطاباته، حتى يحوز على رضا النساء والمواطنين غير البيض.
فى المقابل، يتقلد «سبايسر» فى الوقت الراهن منصب المتحدث باسم أكثر الرؤساء معارضة للتجارة الدولية فى الذاكرة الحديثة، فى حين أن «بريبوس» اتهم خلال حملته الانتخابية بالعنصرية.
ومن هذا المنطلق يمكن القول إن كلاً من «بريبوس وسبايسر» مثل غيرهما من العاملين فى كلا الحزبين قد وضعا الطموحات الشخصية والولاء للحزب فوق أى اعتبار، حتى رؤاهم الشخصية.. وقد عمل «والش» أيضاً فى لجنة الحزب الجمهورى تحت قيادة «بريبوس» قبل أن يلتحق بالإدارة.
لا تجمع كل من «والش وسبايسر وبريبوس» أى علاقة معمقة مع الرئيس، لكن جناح الحزب فى البيت الأبيض مهم جداً، إذ إنهم يحاولون توجيه «ترامب» نحو مقاربات ستساعد الحزب على العمل عن قرب مع الحزب الجمهورى فى «كابيتول هيل» والمحافظة على موافقة فعلية وأسبقية حزبية فى مرحلة ثانية.
وقد سُئل «بانون وبريبس» فى حوار جمعهما الشهر الماضى فى مؤتمر العمل السياسى المحافظ عن مستقبل الحزب الجمهورى تحت راية «ترامب»، وقد تحدث «بانون» عن خلق «نظام سياسى جديد»، وفى المقابل قال «بريبس»: «علينا البقاء متحدين والتأكد من أن ترامب سيبقى فى البيت الأبيض لثمانى سنوات».
جناح وول ستريت
ويضم وزير المالية ستيفن منوشين مدير مجلس الاقتصاد القومى فى البيت الأبيض جارى كوهين..
بدت خطابات «ترامب» شعبية فى وقت ما خلال الحملة الانتخابية، لكن أولئك الذين شبهوا الرؤية الاقتصادية لـ«ترامب» برؤية السيناتور بيرنى ساندرز من المرجح أن تثبت أخطاؤهم من خلال خياراته الحكومية.
على صعيد السياسات الاقتصادية، وظف «ترامب» شخصيات كبيرة فى مجال الأعمال ولديهم دور حيوى فى وول ستريت، علماً بأنهم يدعمون رفع الضرائب عن الشركات، وهى فكرة لا تلقى ترحيباً كبيراً، لكنهم يحظون بمكانة مهمة فى إدارة «ترامب».
فى الحقيقة قد يشكلون حاجزاً أمام رؤى معارضى الصين والتجارة العالمية داخل جناح «بانون»، حيث اقترحت «نافارو» فرض تعريفة جمركية كبيرة على المنتجات الواردة من الصين.. فيما ذكر «ترامب» نفسه حملته الانتخابية أن الولايات المتحدة ستتهم الصين فى أول يوم له فى البيت الأبيض -وبأسلوب رسمى- بإضعاف قيمة عملتها.
هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ إلى اليوم فى الوقت الذى يدير فيه «منوشين» إدارة البيت الأبيض التى من المفترض أن تدين الصين «بالتلاعب بالعملة»، علماً أنه قد بدا فى أحد الحوارات الصحفية غير مقتنع بهذه الفكرة.
جناح البيروقراطيين
يضم 1.8 مليون عامل فى الوكالات الفيدرالية وفق بيانات المكتب الفيدرالى لإدارة الموظفين.
فى حقيقة الأمر يرتبط أغلب الموظفين الفيدراليين بالعاصمة واشنطن، ومن بينهم نحو 48 بالمائة من السود الذين كسبت هيلارى كلينتون أصواتهم بنسبة 91 بالمائة فى سنة 2016.
وخلافاً لذلك لا ترتبط «واشنطن» الليبرالية بشكل تام بالذين يعملون فى الحكومة.. فوفق المكتب الفيدرالى لإدارة الموظفين لا يقطن فى العاصمة «واشنطن» سوى 7 بالمائة فقط من الموظفين ذوى الدوام الكامل، فى حين يقيم قرابة 22 بالمائة فى المناطق المشتركة مع العاصمة، وهى فيرجينيا وماريلاند، أما الباقون فيتوزعون على كامل الولايات.
وكان من المرجح أن يبقى متوسط عدد الموظفين الفيدراليين فى الحكومة هكذا لإحدى عشرة سنة، أى أن من بينهم من عمل فى إدارة «بوش».
وتجدر الإشارة إلى أن من جملة الموظفين الفيدراليين 18 بالمائة منهم من السود، و6 بالمائة من اللاتينيين، فى حين أن 64 بالمائة منهم من البيض.
وقد كشف استطلاع أجرى قبل الانتخابات، تحت إشراف الحكومة التنفيذية ومجلس الأعمال الحكومى أن قرابة 62 بالمائة منهم كانوا يرغبون فى فوز «هيلارى»، مقارنة بنحو 28 بالمائة، الذين أعربوا عن دعمهم لـ«ترامب».
ومن هذا المنطلق يمكن الجزم بأن الموظفين الفيدراليين معارضون لـ«ترامب» وبشدة، لكنهم أقل معارضة من هؤلاء المقيمين فى واشنطن.
وقد أكد 38 بالمائة من الموظفين الفيدراليين الذين أجرى معهم الاستطلاع أنهم يؤمنون بأن الرئيس سيكون «أقل كفاءة» فى إدارة الحكومة، مقارنة بما يربو على 18 بالمائة منهم الذين قالوا إنه سيكون «ناجحاً جداً»، فى حين توقع 15 بالمائة منهم أنه سيكون «ناجحاً نوعاً ما».
وفى الآونة الأخيرة، تسربت حقائق واضحة عن المقاومة البيروقراطية، وذلك من خلال تسريبات لمكالمات هاتفية للمستشار الأول للأمن القومى لـ«ترامب» مايكل فلين، مع السفير الروسى فى الولايات المتحدة، حول معارضة موظفى وكالة حماية البيئة لإدارة بروت للوكالة.
فى حقيقة الأمر، تعتبر التسريبات فى وسائل الإعلام أداة قوية للبيروقراطيين لخلق نقاش علنى ومعارضة محتملة لأفكار الأقطاب الأخرى فى إدارة «ترامب».. وقد أسهمت التسريبات فى استقالة مايكل فلين الذى وضعته مواقفه المعادية للمسلمين فى قطب «بانون».
فى الوقت نفسه، تعتبر بعض الخلافات السياسية الأخيرة بين فريق «ترامب» والبيروقراطيين ليست مستغربة، فى حين لم يكن موقف كتلة من الموظفين فى وزارة الخارجية المعارض للقرار التنفيذى لـ«ترامب» المتعلق بالسفر، بالأمر المستحدث.
وفى المقابل، أيدت اتحادات الموظفين فى دوريات الحدود والهجرة وخدمات تنفيذ القوانين الجمركية، «ترامب» خلال حملته الانتخابية، وهذا يدل على أن العمال فى هذه الوكالات يُفضلون انتهاج سياسات قاسية حول موضوع الهجرة والحدود
جناح الشخصيات المهمة
ويضم مستشارة الرئيس كيليان كونواى، ومستشار البيت الأبيض دونالد ماكجان ووزير الخارجية ريكس تيلرسون.
عموماً يلعب هؤلاء الثلاثة أدواراً شخصية مهمة جداً، لكن من غير الواضح حتى الآن إن كانت رؤاهم تتماشى مع رؤية أى شخص فى المعسكرات الأخرى، وما مدى تأثيرهم فى الإدارة الأمريكية.
ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريراً قالت فيه إن «إيفانكا» و«تيلرسون» يحثان الرئيس على عدم الانسحاب من اتفاقية التغيرات المناخية التى تشاركهم فيها 100 دولة، علماً بأن «ترامب» قد تحدث خلال حملته الانتخابية عن رغبته فى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس الذى دعمه «أوباما» بقوة.. فى الوقت نفسه يعمل «بانون» على دفع «ترامب» بأسلوب غير علنى للإيفاء بوعوده.
فى حقيقة الأمر، وظيفة وزير الخارجية التقليدية هى بناء علاقات مع الدول الأخرى، لذا فلا غرابة إن تولى «تيلرسون» هذا المنصب.. غير أن جناح «بانون» قلق من هذا التوسع وتلك الاتفاقيات الدولية، مما دفعه إلى خلق صدامات مع وزارة الخارجية بشكل مستمر.
من جانب آخر، أصبحت «كونواى» معارضة مشهورة لـ«ترامب»، خصوصاً على التلفاز، لكن من غير الواضح مدى الصلاحيات التى تملكها، خصوصاً أن معظم موظفى البيت الأبيض يشيرون إلى «بريبس» وليس إليها.
جيمس ماتيس
مايك بنس