المعزة وزوجة العنتيل.. والغارمات!

أحمد صلاح

أحمد صلاح

كاتب صحفي

انتشرت في الأيام القليلة الماضية رسالة صوتية على إحدى مجموعات (الواتساب) لأم تشكو فيها من أن زميلًا لابنتها (الاثنان طفلان في رياض الأطفال) قد قَبَّل ابنتها واحتضنها.. وأنها تشكو من أن أخاها الأكبر يتحين الفرصة لضرب هذا الولد (نعم، لضرب الطفل ذي الأعوام الخمسة)، هذا شيء لا أُعيرُه انتباهًا، ولا أَقِفُ عليه، أيضًا لا يعنيني إن كان الردُّ السخيف الذي صار مثلًا ممن يدعي أنه أبو (عبد الرحمن الولد المتحرِّش!)، الذي ينص على أنه (اللي عنده مِعزة يربطها) هو ردٌّ ملفَّق، أَمْ يمثِّل عقليةً دَأَبَتْ على إدانة الأنثى على دناءَةِ الرجل، حتى لو كانت هذه الأنثى هي طفلة في عمر الزهور.. نعم، لا يعنيني هذا ولا ألتفتُ إليه.

 لماذا إذًا أذكر هذه الواقعة؟!

لفَتَ نظري في كلام أمِّ البنت (المتحرَّش بها!!) أنها قالت بالحرف الواحد: (أنا منتقبة وأبوها ملتحٍ، قولوا عني رجعية، قولوا عني متخلفة، لكن بناتي لا يلعبن مع «Boys»)، وبصرف النظر عن كون الأم تسيء لابنتها عبر فَتْحِ ذهنها على «عيب» قبل أوانه، وبالتالي زيادة القابلية للقهر عند البنت نفسها، فإن ذِكْر (النقاب واللحية) في هذا السياق لا يعني عندي غير استعلائية واضحة، وإن كانت غير متَقَصَّدة، تسكن ذِهْن هذه المرأة (وغيرها الكثير)، فكأنها تقول في لاوَعْيِها: (أنا منتقبة وأبوها ملتحٍ فلا يصح عندنا ما يصح عندكم أيها المتفرنجون المخنثون)! بالإضافة إلى ما تثيره الجملة المشار إليها (قولوا عني رجعية... إلخ) من انعزاليةٍ عن تقاليد مجتمع تتصوَّرُهُ هذه الأختُ الجليلة يحثُّ أبناءَه على التقبيل في رياض الأطفال!

المسألة في التديُّن الشكلي، وهو عند هذه المرأة، وعند أبو عبد الرحمن، إن صحت المكالمة العجيبة، التي بدأها بـ(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ثم ثنَّاها بـ(اللي عنده معزة يربطها، أنا ابني يبوس اللي هو عاوزه، لو بنتك محترمة ومؤدبة كانت اشتكت للأبلة)، والمعزة هنا هي البنت التي لا تفهم لماذا ضَرَبها أخوها الأكبر، ولماذا أثارت غضب أمها عندما قصَّت عليهما موقفًا عاديًّا حدث لها في المدرسة، ولماذا يكنِّيها هذا المأفون (أكرر: إن صحَّت الرواية) بـ(المعزة) ولماذا يريد رَبْطَها..؟! العجيب أنه أنهى مكالمته بـ(والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).. نحتاج إلى الشيخ خالد عبد الله، وجملته الشهيرة: (يا واد يا مؤمن)!!

هذه هي الشَكْلَانية التي أقصدها: تضخيم لحدث عابر، وربطه فجأة بالدين، وردّ من (شوارعجي) بامتياز، ينهيه بـ(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ما الذي يحدث في المجتمع؟!

والإجابة: لا شيء أكثر مما يحدث في رمضان، عندما تجد شبابًا يقتحمون عليك الطريق قبل المغرب بدقائق، ويلقمونك أكياسَ التمر والسوبيا، وربما بعض عُلَب الطعام.. تذهب إلى المسجد فتجد الآلاف يتحلقون في الخارج تدمع عيونهم من الخشية والرحمة، وموائد الرحمن عامرة بما لذ وطاب، والعين منكسرة، واللسان مصون، والعرض محفوظ، حتى إذا انتهى الشهر، اختفت الموائد والتمر والآلاف والخشية والرحمة!

ذات مرَّة كَلَّمْتُ كبير عائلتنا، مقترِحًا عليه فكرةً ظننتُها ستثير إعجابه: ما رأيُك يا حاجّ في أن نتوقف عن الذبح في عيد الأضحى هذا العام، ونجمع هذه الآلاف القليلة من الجنيهات، ونساعد على إخراج بعض الغارمات من السجون المصرية، وهنَّ نِساء استدَنَّ لتزويج بناتهن، أو قضاء حاجاتهن، ولم يستطعن تسديد الدين، فأودعَهُنَّ ظالمٌ السجونَ (بعضُهُنَّ في مقابل ألفين وثلاثة آلاف جنيه) فهاج الحاجُّ هوجة مَن فُتن في دينه، وقال: هذه سُنّة أتريد أن نهدم السنّة؟! وقبل أن أُكمل النقاش، تركني وذهب!

لا تسأَلْني عن رُوح الدين التي هي الأمانة والتعاون، وإتقان العمل، والابتسامة في وجه الأخ، فيكفيك أن تركب ميكروباصًا، أو أن تقف في طابور، لتعرف إلى أين ذَهَبَتْ! وكأن الله حين أنزل: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا).. قال البعض: (نعم، نحب)!!!

قُطّعت الأرحام، وهُتِكت الأعراض، وزادَتْ الخيانات الزوجية إلى درجةٍ مفجعةٍ، في بلد الأزهر نسمع عن (تبادُل زوجات)، في أرض محمد عبده والشيخ الشعراوي نسمع عن (مافيا تجارة أعضاء)، تُلقِي الأمهاتُ بالرُّضَّع في الشوارع، ويظهر كل يوم (عنتيل) جديد!

ولعنتيل الغربية (الملتَحِي)، الذي تسرَّبَتْ أشرطةٌ فاضحة لعلاقته بنساء قريته، قصةٌ طريفة، فزوجَتُه (المنتقبة) حين تجمَّع أهل القرية يريدون القصاص منه، لعلاقاته غير الشرعية مع بعض نسائهن، قالت لهن بالحرف الواحد: (جوزي راجل.. وكل واحد يلمّ مراته)!!!! هل ترى تشابهًا بين قولها وقول (أبو عبد الرحمن)؟!

سنكون متدينين حقًّا إن عرفنا قِيَم الدين قبل مظاهِرِه، وتمسَّكْنا بروحِهِ قبل هَيْئَتِه، إن أعطينا للمرأة حقَّها المهضومَ، وتجاوَزْنا عن لَعِبِ الأطفال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!