مؤامرات إخوان ليبيا وأمن مصر القومى

جمال طه

جمال طه

كاتب صحفي

بعد استرداد الجيش الوطنى الليبى لـ«الهلال النفطى» وموانئ تصديره من «حرس المنشآت النفطية»، الموالى لـ«حكومة الوفاق»، سبتمبر الماضى، نبهت بمقالى المنشور بجريدتنا الغراء 20 يناير، بعنوان «ليبيا بين روسيا والتدخلات الغربية»، إلى أن «قوات الحرس المنهزمة، بزعامة إبراهيم الجضران، تراجعت لمنطقة الجفرة، حيث التقت بتحالف ثوار شورى بنغازى وأنصار الشريعة، الذى التحقت به العديد من قيادات وعناصر «داعش» المنسحبة من سرت، بعد هزيمتها أمام ميليشيات مصراتة، المدعومة بالغارات الأمريكية، واللافت انضمام عناصر من «حماس» تتولى أمور التنظيم والمعلومات».. وحذَّرت من أن «التجمع الإرهابى بالجفرة يستعد لاسترداد الهلال النفطى، وعينه على مصر، وعملية كمين النقب مجرد بداية!!».. تضاعفت مخاوفى عندما تعرض «حفتر» لتهديدات غربية، دفعته لتسليم «الهلال» للمؤسسة الوطنية للنفط التى كلّفت «الحرس» التابع لها بتأمينها، لكنه قوة ضعيفة، قليلة العدد، بها متطوعون تشاديون وسودانيون، ما يفسر وقوعها السريع فى قبضة المهاجمين 3 مارس الحالى.. الهجوم شاركت فيه قوات الدروع المرتبطة بالإخوان، وكتائب مصراتة التى شاركت فى عملية البنيان المرصوص لتحرير سرت، وتشكيلات من «القاعدة» تابعة للقيادى الليبى أحمد الحسناوى، وثالثة تابعة للمعارضة التشادية.. احتلوا النوفلية، بن جواد، السدرة، ورأس لانوف، المحيطة بـ«الهلال»؛ بهدف السيطرة على اقتصاد الدولة، وإحباط تطلعات «حفتر» للتقدم لتحرير المنطقة الغربية واستعادة وحدة التراب الوطنى.. الجيش الوطنى استعاد مطار وميناء رأس لانوف، ويستعد لاستكمال تحرير المنطقة.

مصر نجحت فى التوصل لاتفاق، 14 فبراير، بين «حفتر» و«السراج»، من أربع نقاط: تشكيل لجنة بالمناصفة بين أعضاء البرلمان والمجلس الأعلى للدولة لتعديل «اتفاق الصخيرات».. إجراء البرلمان للتعديلات الدستورية اللازمة لإدراج الاتفاق ضمن الإعلان الدستورى.. استمرار شاغلى المناصب الرئيسية بمواقعهم لحين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فبراير 2018.. مراجعة تشكيل وصلاحيات المجلس الرئاسى ومنصب القائد الأعلى للجيش واختصاصاته، وتوسيع عضوية المجلس الأعلى للدولة.. مجرد توافق «حفتر» و«السراج» على صيغة تسوية للأزمة يمثل تحولاً جذرياً فى مسارها، لكن نجاح الوساطة المصرية فى تحقيق المصالحة كان موضع رفض إخوان ليبيا؛ على الصلابى، القيادى الإخوانى، سافر إلى الدوحة لبحث كيفية إجهاض المصالحة، ودعا الجزائر لتولى المصالحة ضماناً لمشاركة الإخوان فى المستقبل السياسى لليبيا.. بعد عودته من القاهرة تعرّض «السراج» لمحاولة اغتيال، أقرب لكيد العصابات، تستهدف توجيه الاتهام لـ«حفتر» وإحداث الوقيعة بينهما، وإجهاض اتفاق القاهرة، لكن ذلك لم ينجح، ما دفعهم لتفويض الميليشيات فى احتلال الهلال النفطى.

إخوان ليبيا يتعاملون مع الموقف باعتباره قضية حياة أو موت، يستعينون فيها بالشياطين.. الميليشيات الإرهابية احتلت الهلال النفطى انطلاقاً من معسكراتها بمنطقة الجفرة الخاضعة لسلطة «الوفاق»!!، ثم دعت على الفور المؤسسة الوطنية للنفط لتسلمها!!.. فى تأكيد بأن العملية تمت لحساب الغير.. محمد المعزب، النائب الثانى لرئيس المجلس الأعلى للدولة، ومحمد عمارى، عضو مجلس الرئاسة، رحّبا بالعرض، والأخير أشاد بالميليشيات بوصفهم «ثوار ليبيا»!!.. و«البرغثى»، وزير دفاع «الوفاق»، دافع عنهم واتهم مصر بقصفهم!!، وكشف عن تشكيل قوة لفك الاشتباك بين أطراف الصراع بمنطقة «الهلال»، وتأمين المنشآت النفطية!!، مساوياً بين الجيش الوطنى والميليشيات الإرهابية، ومنصّباً نفسه حكماً بينهما!!.. العميد إدريس بوخمادة، القائد المعيّن لحرس المنشآت التابع لـ«الوفاق»، أعلن على الفور أن قواته بصدد تسلم الموانئ، وكأن هذه القوات تم تشكيلها وتدريبها وتسليحها خلال يومين، دون أن يفسر إذا كانت قوات «الوفاق» تمتلك تلك القدرات الاستثنائية فلماذا استعانت بميليشيات مصراتة لخوض معركة سرت ضد «داعش»؟!.. والمثير أن يتزامن الهجوم على «الهلال» مع سيطرة جماعة مسلحة تحمل شعار «هيئة حماية قطاع النفط والغاز» على المقر الرئيسى للمؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس!!.. فور احتلال «الهلال» استدعى «السويحلى»، رئيس مجلس الدولة، سفراء الدول الأعضاء بمجلس الأمن المعتمدين بطرابلس ودعاهم لاستخدام نفوذهم لسرعة وقف العمليات العسكرية تثبيتاً للمكاسب، وقطعاً للطريق على محاولات استردادها!!.. مؤامرة مكتملة الأركان.

مسئولية الإخوان عما يحدث ليست اتهامات مرسلة، لكنها تستند لمعلومات وحقائق على الأرض؛ «السويحلى» يقود جناح الإخوان بمؤسسات «الوفاق»، منصبه يمنحه من الصلاحيات ما يسمح بإفساد أى توافق يحققه «السراج» مع مؤسسات طبرق، ويعطيه فرصة التواصل الرسمى مع ممثلى الدول الداعمة للإخوان وعلى رأسها بريطانيا وقطر وتركيا وإيطاليا.. التقى بيتر ميليت، السفير البريطانى بطرابلس، 28 فبراير، ودعاه لوضع حد للتدخلات الإقليمية «قاصداً الدور المصرى»، ووصفها بأنها تغذى الصراع فى ليبيا وتعرقل جهود الحوار والسلام!!، لندن كلفت «ميليت» بالسفر لنيويورك؛ للتنسيق مع أعضاء مجلس الأمن بهذا الشأن.. العميد مصطفى الشركسى، قائد ميليشيا سرايا الدفاع عن بنغازى، اعترف فى مؤتمر صحفى بتبعية قواته لوزارة دفاع «الوفاق»، وأكد أنها تضم قرابة 3000 ضابط وصف وجندى، فروا من بنغازى بعد عملية الكرامة، التى أطلقها «حفتر»!!.. الصادق الغريانى، مفتى الإخوان، دعا إلى حمل السلاح، والنفير نحو بنغازى.. وأحد عناصر جماعة الإخوان المقبوض عليهم اعترف بأنه مصرى من الفيوم، هرب عبر الحدود، وتلقى تدريبه بعد الانضمام لـ«داعش»، وكشف أن عملية السيطرة على «الهلال» تمت بالتنسيق مع قطر، وبالدعم المخابراتى التركى.

احتلال الميليشيات لمنطقة «الهلال» لحساب «الوفاق» تطور بالغ الخطورة، لكن مواجهته لا تكون بإلغاء «اتفاق الصخيرات»، خاصة إذا كانت هناك شكوك تتعلق بقانونية القرار، فالموضوع لم يكن مدرجاً على جدول أعمال البرلمان، ما يخالف اللائحة الداخلية.. وجلسة التصويت حضرها 58 عضواً من أصل 200، وافق منهم 39 فقط.. والنواب الداعمون للاتفاق عقدوا اجتماعاً خارج طبرق، ونددوا به.. والأخطر أن إلغاء الاتفاق ينهى شرعية مجلس النواب نفسه!!، لأن مدته انتهت 20 أكتوبر 2015، وتم المد له بموجب الاتفاق.

الأزمة الليبية جزء من الصراع الدولى حول المنطقة، ما ينبغى مراعاته واللعب عليه، وهناك مؤشرات إيجابية مبشرة؛ وليد فارس، مستشار الخارجية الأمريكية، أكد أن إدارة «ترامب» ستدعم الجيش الوطنى و«حفتر»، بسبب مخاوف من أن «الوفاق» تعتمد على دعم الميليشيات.. روسيا استقبلت «حفتر» و«صالح»، ثم «السراج»، ضمن سعيها لتأمين مصالحها، خاصة بعد اتفاق التعاون الأخير فى مجالى الاستكشاف والإنتاج بين شركة «روس نفط» والمؤسسة الوطنية الليبية.. السفير الأمريكى تم نقله.. مارتن كوبلر، الممثل الشخصى للأمين العام للأمم المتحدة، جارٍ استبداله.. وهناك توافق على تعديل اتفاق الصخيرات.. «حفتر» هو رجل الساعة الذى لم يعد من الممكن تهميشه.. فلماذا الرعونة فى اتخاذ قرارات تضر بالموقف السياسى للبرلمان؟!