التحالف الوطنى من أجل الإصلاح
(١) هذا هو المقال (٢٠) فى سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر»، وفيه نلقى الضوء على ما حدث عقب الإعلان عن يوم الاستفتاء على تعديل نص المادة ٧٦ من دستور ٧١، وهو يوم ٢٥ مايو ٢٠٠٥، إذ ارتأى مكتب الإرشاد دعوة ممثلى المكاتب الإدارية والأقسام إلى دار المركز العام للإخوان بالروضة قبل يوم الاستفتاء بفترة، وذلك لاستطلاع رأيهم فيما يجب أن يتخذ من موقف حياله.. وقد انتهت معظم الآراء إلى الإعلان عن المقاطعة للاستفتاء، علاوة على تنظيم تظاهرات على مستوى مصر كلها فى وقت واحد تعزيزاً للمقاطعة.. وفى هذه التظاهرات تم إلقاء القبض على أكثر من ٥ آلاف من المشاركين فيها.. وفى يوم الاستفتاء نفسه، نظمت الحركات الاحتجاجية من «كفاية» و«شايفينكو» و«الشارع لنا»، وغيرها، تظاهرة أمام نقابة الصحفيين.. وقام بلطجية حزب السلطة بالتحرش الجنسى بالسيدات والفتيات المشاركات فى التظاهرة بشكل مخجل ومخزٍ.. وقد كتبت عن ذلك فى حينه، ونقلت القنوات الفضائية العربية والأجنبية إلى العالم تلك المشاهد المؤسفة والمسيئة لسمعة مصر!!
(٢) عقب الاستفتاء، فكرنا فى أن نخوض تجربة أخرى غير التى سبقت فى مايو/ يونيو ٢٠٠٤ (التى لم يكتب لها النجاح)، وهى إيجاد تجمع يضم كل التيارات السياسية الموجودة على الساحة؛ من قوميين، وناصريين، وشيوعيين، وليبراليين، وإسلاميين.. ورأيت أن أدعو ممثلى هذه التيارات إلى عدة لقاءات للمناقشة والحوار حول مشروع للإصلاح السياسى؛ من حيث تحديد الهدف والوسائل والأدوات المتاحة التى يمكن الاتفاق عليها، وذلك لانتشال سفينة الوطن من الغرق فى هذا المنعطف المهم من تاريخ مصر.. كنت أريد أن تشارك كل القوى فى بلورة هذا المشروع، بحيث لا يشعر أى فصيل أو تيار -مهما صغر حجمه أو قل وزنه- بالتهميش أو الإقصاء.. لقد كانت مشكلة «كفاية» مع الإخوان هى دعوتهم لمشاركتها فى أى نشاط لها بعد أن تكون قد فرغت من كل شىء؛ الفكرة، والوسيلة، والهدف، والتوقيت، والمكان، وما الإخوان إلا «مقاولو أنفار»!.. وقد تم لفت نظر قيادات «كفاية» أكثر من مرة لهذا الأسلوب، وأنه مرفوض من قبل الإخوان.. والحقيقة أنهم استجابوا، لكن بعد لأى.
(٣) كانت هناك اتهامات من قبل بعض القوى السياسية أن الإخوان يحبون أن يعملوا منفردين.. وإذا عملوا مع هذه القوى، فهم يعمدون إلى الاستئثار بالعمل دونها، بل إنهم عادة ما يخلفون عهودهم فيما تم الاتفاق عليه معها!! من أجل ذلك، حاول كاتب هذه السطور دحض هذه الاتهامات بشكل عملى، والقيام بتوجيه الدعوة إلى ممثلى كل التيارات السياسية.. وبالفعل، تم عقد ٣ لقاءات حضرها الأساتذة: يحيى الجمل، سعيد الجمل، محمد علوان، محمد السيد سعيد، عمرو الشوبكى، ضياء رشوان، ميلاد حنا، نادر فرجانى، عبدالحليم قنديل، حمدين صباحى، جمال أسعد عبدالملاك، سمير عليش، فريد زهران، كمال خليل، يحيى فكرى، عايدة سيف الدولة، مجدى أحمد حسين، مجدى قرقر، عبدالحميد بركات، رفيق حبيب، أحمد سيف الإسلام حمد، كمال أبوعيطة، محمد عبدالقدوس، وغيرهم، إضافة إلى ممثلين عن الإخوان مثل: عبدالمنعم أبوالفتوح، محمد مرسى، عبدالحميد الغزالى، وكاتب هذه السطور.
(٤) وقد أسفرت الحوارات عن ضرورة إنشاء تجمع أطلق عليه «التحالف الوطنى من أجل الإصلاح»، وأن الهدف النهائى له هو الوصول إلى إقامة نظام ديمقراطى حقيقى مرتكز على التعددية السياسية، التداول السلمى للسلطة، اعتبار الأمة مصدر السلطات، وأن صناديق الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة هى المعبرة بحق وصدق عن الإرادة الحقيقية للشعب فى اختيار حاكمه، ونوابه، والبرنامج الذى يعكس طموحاته وأشواقه.. وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال حزمة من الإصلاح السياسى، تتضمن: إيقاف العمل بقانون الطوارئ، إطلاق الحريات العامة (حرية إنشاء الأحزاب، حرية النقد والتعبير، حرية الصحافة، وحرية التجمع والتظاهر السلمى)، الاستقلال الكامل للسلطة القضائية، إلغاء المحاكم الاستثنائية والقوانين المقيدة للحريات، احترام حقوق الإنسان، إيقاف التعذيب، وإجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة يشرف عليها السادة القضاة إشرافاً كاملاً وحقيقياً.. وكان مما أكدت عليه الحوارات أن التحالف يجب أن يمثل إطاراً جامعاً يتسع لكل أشكال العمل السياسى، ولا يصادر على أى فصيل ويحترم التنوع ويراعى الخصوصية، فضلاً عن ضرورة بناء التزامات متبادلة بين مكونات التحالف.. كما انتهت الحوارات إلى أهمية إقامة هيئة تأسيسية للتحالف تنبثق عنها أمانة دائمة وعدد من اللجان؛ لجنة للدراسات والبحوث، لجنة للاتصالات والعمل الميدانى، لجنة للعمل اليومى والسكرتارية، ولجنة للإعلام.. إلخ.
(٥) وفى مساء يوم ٣٠ يونيو ٢٠٠٥، اجتمعت الهيئة التأسيسية للتحالف فى نقابة الصحفيين، وحضرها جمع غفير يصل إلى أكثر من ١٥٠٠ عضو، كان معظمهم من الإخوان.. وقد رأس الاجتماع كاتب هذه السطور، وأُلقيت فيه مجموعة كبيرة من الكلمات شارك فيها الأساتذة: يحيى الجمل، محمد على بشر، مجدى أحمد حسين، وغيرهم.. وكانت جميع الكلمات تصب فى اتجاه تأييد قيام التحالف والأهداف التى قام من أجلها والوسائل التى دعا إليها.. وفى نهاية الاجتماع ألقيت كلمة عن أهمية إنشاء التحالف الوطنى فى هذه المرحلة ودوره فى الحياة السياسية والمستقبل الذى ينتظره.. كما حذرت أيضاً من العوائق (من داخله وخارجه) التى يمكن أن توضع فى طريقه.. ثم طرحت الوضع الهيكلى أو الإدارى الذى سيسير عليه التحالف، الأمانة، واللجان للتصويت، فقوبلت بالموافقة.. وكانت هذه هى بداية إعلان إنشاء التحالف.. كان حماس الحاضرين من الهيئة التأسيسية عالياً وعظيماً والآمال المعقودة على التحالف من كل الرموز السياسية والوطنية والشخصيات العامة كانت ظاهرة وبادية على وجوههم وعباراتهم.. كان الجميع فرحاً، مغتبطاً، وسعيداً.. كانت لحظة تاريخية بمعنى الكلمة، أحس معها الجميع أننا نبدأ عملاً خلاقاً ومبدعاً فى طريق إصلاح وتغيير الحياة السياسية فى مصر.. والحقيقة الماثلة أمام الأعين هى أن الشعب المصرى على مدار تاريخه يبحث دائماً عمن يرى فيه الصدق والعزم والإرادة، فإذا وجده وهبه روحه وأعطاه ثقته ونصرته وولاءه (وللحديث بقية إن شاء الله).