قرى القليوبية تخلد شهداءها بإطلاق أسمائهم على المدارس والشوارع.. وأسر الشهداء: «أرواح ولادنا قليلة على البلد»

قرى القليوبية تخلد شهداءها بإطلاق أسمائهم على المدارس والشوارع.. وأسر الشهداء: «أرواح ولادنا قليلة على البلد»
- أحمد فؤاد
- أسرة الشهيد
- أم الشهيد
- إيقاف النزيف
- اسم شهيد
- الإرهاب فى سيناء
- التربية الموسيقية
- الحمد لله
- الخدمات الطبية
- الدول العظمى
- أحمد فؤاد
- أسرة الشهيد
- أم الشهيد
- إيقاف النزيف
- اسم شهيد
- الإرهاب فى سيناء
- التربية الموسيقية
- الحمد لله
- الخدمات الطبية
- الدول العظمى
مراكز وقرى يتباهى بعضها أمام بعض بكثرة شهدائهم، وشارع هنا وآخر هناك يحمل كل منها اسم شهيد، ومدارس انتشرت على الطرقات الخارجية والداخلية للقرى، ارتفعت على أسوارها صور كبيرة الحجم للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء لوطنهم وأهلهم، فكان أقل ما يقدم لهم هو إطلاق أسمائهم على مدارس قراهم التى نشأوا بها، كعُرف تربى عليه كل من يقيمون بهذه القرى، على هذا الحال كانت قرى محافظة القليوبية، التى لم يخل مكان فيها من شهيد خلّد أهل قريته ذكراه وعاشوا يتفاخرون به بين القرى طيلة عمرهم.
{long_qoute_1}
لافتة كبيرة نصف دائرية ارتفعت لأعلى ترحب بكل من قصد الدخول إلى قرية «أسنيت»، إحدى قرى محافظة القليوبية، وعلى جانبيها وضعت صورتان لشهيدى القرية بزيهما العسكرى، على يسار الداخل كانت صورة الشهيد ملازم أول «محمد إمام»، وعلى الناحية الأخرى كانت صورة الشهيد ملازم «كريم أحمد ضيف» الذى أطلق اسمه على الشارع الرئيسى للقرية، وأمتار قليلة من اللافتة يقطعها فى ذلك الشارع الرئيسى حتى تجد على اليسار صورة كبيرة الحجم للشهيد «كريم» وضعت على سور المدرسة التى سميت على اسمه منذ استشهاده فى سبتمبر 2013.
طرقات سريعة على بوابة حديدية كبيرة أفزعت «أحمد ضيف»، والد الشهيد كريم، من قيلولته فى أحد الأيام، ليتجه نحو الباب مسرعاً فيجد أمامه واحداً من زملاء ابنه يخبره أن «كريم» أصيب فى إحدى المداهمات التى كان يقوم بها فى سيناء ونقل على أثرها إلى المستشفى، ليرتدى الأب ملابسه فى شىء من العجل ويأخذ طريقه إلى ابنه المصاب وهو لا يتوقع أن يصل الأمر إلى حد الاستشهاد، فيأتيه الخبر قبل وصوله من أحد زملاء ابنه «البقاء لله يا حاج كريم استشهد».
«كريم استشهد يوم ميلاده وكان أول شهيد تشوفه القرية هنا من حوالى 40 سنة»، يقولها «أحمد» ملتقطاً أنفاسه بصعوبة بعد تذكره أن خطوبة ابنه كانت محددة فى الإجازة اللاحقة لاستشهاده: «لما دخلت أشوف جثمانه فى المستشفى كان نفسى أصور منظره وقتها، كنت حاسس إنه صاحى وبيكلمنى ووشه كان بيضحك لدرجة إنى ماكنتش مصدق إن هو ميت».
وصل جثمان الشهيد «كريم» قرية «أسنيت» فى الثانية بعد منصف الليل من يوم استشهاده، ليجد قريته وجميع القرى المحيطة بها فى انتظاره فى صورة لم يرها «أحمد» من قبل، حسبما قال: «البلد كنت كأنها ضهر والبلاد اللى حوالينا كلها استقبلتنا، ولما وقفت آخد العزا ماكنتش حاسس إن أنا بدفن ابنى، كنت حاسس إن أنا فى فرح والناس كلها جاية تبارك لى».
دموع لم يتمالك «أحمد» نفسه أمامها، انهمرت على خديه بعد أن حاول جاهداً حبسها طويلاً أثناء حديثه، ليكمل حديثه بعد ثوانٍ من الصمت قائلاً: «إحنا عارفين منازل الشهداء عند ربنا، بس الفراق صعب، وأنا مقتنع إن عشان ناس تعيش لازم ناس تانية تضحى وتموت، وعشان كده بعد استشهاد كريم بشهر واحد خليت ابنى التانى يقدم فى الكلية الحربية لكن مكانش ليه نصيب إنه يقبل، وكنت مستعد إنه يضحى بروحه هو كمان عشان البلد»، موضحاً أن أمنية ابنه منذ دخوله الكلية الحربية كانت الشهادة فى سبيل الله: «أنا كنت دايماً بفكره إن مهمته اللى بيقوم بيها دى كبيرة وإن عمله ده ربنا هيجازيه عليه خير فى الدنيا وفى الآخرة، وكان دايماً يقول لزمايله أنا نفسى أموت وأنا بطل، وفعلاً ده حصل ومات وهو سنه 21 سنة ولسة مادخلش دنيا».
{long_qoute_2}
فرحة عارمة اجتاحت قلب «أحمد» بعد أن علم بهجوم القوات المسلحة على بؤر الإرهابيين المتهمين فى قتل ابنه، ليقول: «الجيش خد حق ابنى بعدها بفترة قليلة، ويشاء القدر إن اللى قتلوا «كريم» يموتوا محروقين بقذائف الجيش، وإن شاء الله هناخد منهم باقى حسابنا يوم القيامة»، ليختم حديثه قائلاً: «مصر ربنا هو اللى حاميها وهتفضل آمنة لحد يوم الدين».
«أنا أول شهيد هييجى البلد بعد كريم»، كلمات قالها «محمد إمام»، الذى لم يمر سوى شهور على تخرجه فى الكلية الحربية وقتها، لوالده عقب استشهاد «كريم»، ليأتى بعد عام واحد وقد حُمل على الأعناق شهيداً، وقد تحققت نبوءته وأصبح ثانى شهداء القرية فى أقل من عام: «الموضوع عدى وقتها على إنه ضحك وهزار لكنه قلب بجد»، يقولها «إمام»، والد الشهيد «محمد»، قبل أن يشير إلى أن ابنه هو من أصر على دخول الكلية الحربية فى عام 2009 بعد أن ترك كلية الهندسة: «لما اتخرج من الكلية الحربية كان حريص على إنه يدخل سلاح المشاة وحاولنا نقنعه إنه يدخل أى سلاح تانى بس هو كان رافض، ودايماً كنت بنصحه وبقوله يابنى خليك ماشى جوة الحيطة والتزم وخليك مع ربنا باستمرار».
«أنا ربيت ابنى على إنه يكون محترم وفعلاً عمره ما عاش طفولة مشاغبة زى أطفال جيله ولا عمره ما جاب ليا مشكلة وهو فى مرحلة المراهقة زى ما بنشوف من الشباب اللى فى السن دى»، يقولها «إمام»، قبل أن يبدأ فى سرد بدايات احتكاك ابنه الشهيد مع الأحداث فى الشارع عقب تخرجه فى الكلية الحربية، وقد تبدت على وجهه آيات الفخر بهذا الابن البطل الذى كان سبباً فى أن يظل مرفوع الرأس طيلة حياته: «أول ما اتخرج نزل يأمن فى ثورة 25 يناير، وفى الفترة دى كان لسة خاطب، وبعد كده حصلت حركة تنقلات وتم اختياره فى سلاح حرس الحدود واتنقل الإسكندرية، ويشاء القدر إن الوحدة اللى راح عليها أنا خدمت فيها جندى فى القوات المسلحة سنة 1984»، عمليات تهريب كثيرة كان لزاماً على الشهيد «محمد» أن يتصدى لها مؤدياً دوره كأحد رجال القوات المسلحة، ولكنه كان على خلاف غيره كانت «عنده غيرة على شغله» بصورة كبيرة، وفق حديث والده: «كان بيغامر بحياته عشان يمنع عملية تهريب واحدة ممكن تعدى، ولما كنت بنصحه كأب إنه يحاول مايعرضش نفسه للخطر كان يقول لى إحنا جيش وماينفعش المهربين دول يتغلبوا علينا بأى شكل».{left_qoute_1}
حركة تنقلات أخرى حدثت فى المكان الذى كان يؤدى فيه الشهيد خدمته، لتشكل وجهته فى هذه المرة شيئاً من الراحة والطمأنينة لدى والده، الذى كان يسمع كثيراً عن الأحداث فى شمال سيناء، وكان يدعو دائماً أن يبتعد ابنه عن مثل هذه المناطق، إلا أن الرياح دائماً تأتى بما لا تشتهى السفن: «الجو فى الفرافرة ماكنش هادى زى ما أنا توقعت، وكنت لما بسأل محمد الوضع عندك عامل إزاى كان يقولى إن المهربين موجودين بصورة كبيرة وكل يوم بيكون فيه مطاردات معاهم، ومرت شهور لحد ما حصلت أول حادثة فى المكان اللى هو فيه، وقامت جماعات إرهابية بقتل ضابط زميله ومجموعة من الجنود والموقف كان صعب عليه ونفسيته كانت تعبانة جداً فى أول إجازة ليه بعد الحادثة بس كان دايماً بيردد إن كل واحد ليه عمر وليه نصيب هيشوفه مهما حصل».
فى إجازته الأخيرة قبل استشهاده تبدت عليه علامات غير معتادة منه، كما شهدت الإجازة أحداثاً كثيرة كان أهمها استقباله لمولوده الأول، بعد عام واحد من زواجه: «فى آخر إجازة ليه قبل استشهاده كان كل شوية يقول أنا حاسس إن أنا رايح المرة دى ومش راجع تانى، وفعلاً هو ده اللى حصل، وكان استشهاده تحديداً يوم 20 رمضان 2014، حصل يومها هجوم إرهابى على الوحدة بتاعته استمر القتال فيه لأكتر من ساعة ونص، استشهد فيه ناس كتير ومحمد كان واحد منهم»، يقولها «إمام» بعد أن اصطحبنا إلى مرقد الشهيد فى مقابر القرية، مؤكداً أن خبر استشهاد ابنه الأكبر لأخ وحيد لم يكن بالأمر الهين عليهم، خاصة بعد أن ترك وليده الذى لم يكمل شهره الأول بعد، فكانت بمثابة صدمة استقبلها والداه بصدر رحب: «كان مثال للأدب والأخلاق والأمانة، والحمد لله إحنا راضيين بقضاء الله ومؤمنين إن ده كرم كبير من ربنا إنه يجعل لينا ابن شهيد، وأنا دلوقتى بخاف أرفع راسى قدام الناس ليصيبنى الغرور، لأن كلمة شهيد دى محدش ممكن يحس بيها غير اللى ليه ابن شهيد فعلاً، وحتى أم الشهيد كانت دايماً تقول فى بداية حياتها أنا نفسى يبقى عندى ابن شهيد، وفى تشييع الجثمان قلت لها إن أخيراً أمنيتك اتحققت».
وفى أحد الشوارع المتفرعة من شارع الشهيد «عبدالمنعم رياض» بمركز كفر شكر بالقليوبية، يقع منزل أسرة الشهيد أحمد فؤاد، فى مقدمة الشارع وعلى الجانب الأيمن لبوابة البيت وضعت لافتتان صغيرتان، كتب عليهما بخط واضح «شارع الشهيد أحمد فؤاد»، وفى الطابق الثانى من المنزل جلس والد الشهيد بشعره الأشيب وقد امتلأت عيناه بحزن لم يذهب بعد على فراق ابنه الأكبر، وبجواره جلست والدة الشهيد، مرتدية عباءة سوداء، ولم تفارق وجهها تلك الابتسامة الممزوجة بشىء من الحزن.
«ابنى استشهد يوم 11 مارس 2015 الساعة 4 ونص الفجر، وقتها على حسب ما أصحابه حكوا لى، كان فيه بلاغ بضبطية جاية من الأنفاق، وكان الشهيد أحمد معروف عند التكفيريين وحطينه فى دماغهم من كتر ما هو أفسد لهم عمليات كانوا عايزين ينفذوها، وكان معروف عندهم باسم «الظابط الأسمر»، يقولها «فؤاد»، والد الشهيد، بعد أن أشار إلى أن ابنه قد حصل على أكثر من لقب بين زملائه، كان من بينها «الفهد الأسمر»، و«أسد حرس الحدود» و«صائد الأنفاق»، مضيفاً: «قبل ما يستشهد بسنة أو أكتر كان اتصاب فى عملية من العمليات وقعد بسبب الإصابة دى شهر ونص فى المستشفى، وقتها بدافع خوفى عليه كأب قلت له نحاول ننقلك فى أى مكان تانى، قال لى لأ وصمم إنى ماتكلمش فى الموضوع مع أى حد».
{long_qoute_3}
كان استشهاد «أحمد» دافعاً قوياً لأخيه الأصغر فى أن يترك كلية الطب ويلتحق بالكلية الحربية بعد إصرار منه على ذلك، حسبما أشار والده: «طبعاً دى حاجة تفرحنا جداً إنه هيكمل مسيرة أخوه وهيشيل الراية من بعده، بس فى نفس الوقت قلقانين، وفى النهاية رجال القوات المسلحة كلهم أبطال، سواء اللى استشهد منهم أو اللى عايش، ولولا القوات المسلحة ماكناش هنعرف نحافظ على مصر، وهو فعلاً وطن يستاهل إننا نضحى عشانه».
«الكبير والصغير فى البيت كان بيستنى أحمد، وكنا بننزل تحت فى الشارع نقابله زى العيال الصغيرة، وآخر مرة جه فيها كان غريب، ولقيته بيقول هو أنا جيت هنا إزاى أو جيت سليم إزاى، وبعد ما استشهد عرفت إن دى كانت العلامات»، كلمات قالتها والدة الشهيد بعد أن ترددت كثيراً، لتكمل حديثها بنبرة مرتعشة امتزجت بصوت بكاء لم تظهر دموعه بعد: «أنا كنت دايماً عايشة فى قلق لأنى عارفة إن ابنى فى حرب، بس سبحان الله يوم استشهاده أنا صحيت من النوم قلبى صافى جداً وهادية وفرحانة على غير العادة، وحتى كان عندى لبس جديد ملبستهوش قبل كده لبسته اليوم ده وأنا نازلة، بس أول ما خرجت من الشارع شفت زميل ليه شفته مرة واحدة بس قبل كده، فجأة لقيت نفسى نسيت كل اللى حواليا ومركزة معاه هو أشوفه رايح لحد فين وفعلاً كان جاى بخبر استشهاد أحمد».
كلمات قليلة قالتها والدة الشهيد، تدفقت بعدها دموع أخفتها براحة يديها، لتكمل قائلة: «زمايله قالوا لى إنه لما خد الرصاصة فى جنبه محسش بيها وفضل مكمل لحد ما خلصنا المأمورية وقعد على ركبته ونطق الشهادة 3 مرات»، مضيفة: «ابنى موجود معايا لحد دلوقتى وعايش وسطينا وبشوفه وبيكلمنى ولو يوم معرفتش أنام أشوفه قدامى ويفضل يواسينى لحد ما أرتاح وأنام، والكلام ده مش معايا أنا بس ده مع والده وزوجته كمان».
«أنا حالياً موجود فى كلية الضباط الاحتياط، إحنا فى رمضان والجو حر والتدريبات شاقة وصعبة، لكن أنا صايم ومستحمل وقدها وإن شاء الله فى رمضان الجاى هكون فى سينا وهستشهد وهفطر معاك من رزق الله»، واحدة من وريقات المذكرات التى كتبها الشهيد «مصطفى عطايا» ابن وادى النخيل التابع لمركز كفر شكر بالقليوبية، موجهها إلى صديق عمره الشهيد «أحمد فؤاد» ابن قريته، لتتحقق أمنيته فى الموعد الذى حدده، بعد أن خرج من وحدته فى سيناء صباح اليوم الرابع بعد العشرين من رمضان العام الماضى، بعد أن أيقظوه فى عجل، متجهاً إلى أحد الجنود المصابين فى واحدة من عمليات المداهمة، وعندما وصل إلى الحالة المراد الوصول إليها تمكن من إيقاف النزيف، وقرر أن يتوجه بالجندى المصاب إلى مستشفى العريش، وأثناء طريقه إلى المستشفى أصابت السيارة عبوة ناسفة على جانب الطريق أدت إلى انفجارها ليستشهد «مصطفى» وحده دون غيره ممن كانوا معه فى سيارة الإسعاف.
«كنت دايماً باخد رأيه فى كل حاجة وكان رأيه هو الصحيح، وكان دايماً بالنسبة ليا ابن وأخ وكنت بحس إن سابق سنه»، تقولها «أسماء عبدالواحد»، والدة الشهيد «مصطفى»، وقد جلست بثوبها الأسود بجوار زوجها الستينى وابنها الأصغر، داخل شقتهم التى امتلأت بصور الشهيد فى كل ركن من أركانها، لتكمل حديثها قائلة: «لما عرفت إنه راح العريش اتصلت بيه وأنا بعيط، فقالى يا أمى بدل ما تحزنى مفروض تشجعينى وتقولى لى إن أنا فى المكان الصح اللى لازم أكون موجود فيه عشان أهلى وناسى وبلدى، وقتها حسيت بقوة غير عادية ومن بعدها مابقتش أخاف عليه وهو هناك».
ذهاب الشهيد «مصطفى» لأداء خدمته، كضابط طبيب فى القوات المسلحة، فى شمال سيناء كان بناء على رغبة منه أبداها لقائده عندما كان طالباً فى كلية الضباط الاحتياط، وهو المكان الذى استشهد فيه صديق قريته «أحمد فؤاد»، تقول والدته: «لما قرأت المذكرات بتاعته دعيت ربنا إنى أقابله بنفس قوة مصطفى، ويوم استشهاد مصطفى أنا زغردت من كتر الفرحة، لأن بلدنا لو هتبقى فى أمان مقابل أرواح أولادنا مش هنستخسرهم فيها».
عملات مختلفة من النقود، دوّنت عليها جمل المدح والإطراء، أخرجتها والدة الشهيد «مصطفى» من ظرف قديم متهالك، وسط مجموعة كبيرة من شهادات التقدير التى حصل عليها ابنها أثناء مراحل تعليمه المختلفة، لتقول: «الشهيد كان مصدر فرحة للبيت كله من يوم ميلاده، لأنه اتولد بعد بنتين وبعد كده بقى يفرحنا كل سنة بالتفوق بتاعه فى المدرسة، وكان دايماً بياخد شهادات الطالب المثالى وشهادات تقدير لتفوقه فى كل مراحل تعليمه، وكل الحاجات دى أنا كنت محتفظة بيها وما زلت محتفظة بيها لحد دلوقتى»، مضيفة: «مصطفى كان مفرحنى بأدبه وباحترامه لزمايله ومدرسينه لدرجة إن فى يوم جنازته كل المدرسين بتوعه اللى كانوا بيدرسوا ليه فى ابتدائى وإعدادى وثانوى كانوا موجودين ومفيش واحد فيهم مجاش، وكلهم شهدوا ليه بالاحترام، وحتى وأنا بقلب فى الكتب بتاعته بعد العزا لقيت عنده كتاب سلاح تلميذ قديم فاستغربت بس خدت بالى إن الكتاب مكتوب عليه من برة قسم الولاء للوطن، وحاجات كتير كان محتفظ بيها كانت بتدل على حبه للبلد وإنه عايزها أحسن بلد فى الدنيا».
ويلتقط منها زوجها أطراف الحديث ليبدأ فى سرد حكايات ابنه الطبيب الذى استشهد بعد عام واحد من دخوله الخدمة، يقول: «مصطفى ابنى كان مزروع فيه حب الخير، والقادة بتوعه وأصدقائه قالوا لى إنه كان مقدام ومكانش بيخاف من الموت، والقائد المباشر ليه لما جالى هنا قالى إن الدكتور مصطفى بعد استشهاده بيومين أنقذ حياة أحد الجنود ولما استغربت وسألته ده حصل إزاى، قالى إنه فى آخر أجازة ليه وهو راجع عدى على الخدمات الطبية فى الإسماعيلية وجاب معاه مصل لسم التعبان والعقرب، وفعلاً بعد استشهاده فيه عقرب لدغ عسكرى وكان نصيب العسكرى إنه يعيش وكان السبب وجود المصل فى الوحدة».
وختم «عطايا» حديثه قائلاً: «مصر بتحارب وللأسف فيه ناس كتير أوى غايب عنهم الحقيقة دى وبيتكلموا بس فى السكر والزيت وغلاء الأسعار، ومش واخدين بالهم إن تمن الذخيرة بس اللى بيستخدمها الجيش فى محاربة الإرهاب فى سيناء لو إحنا مبنحاربش كانت كفيلة إنها تخلى مستوى المعيشة مرتفع للناس كلها، ودى كانت قناعة الشهيد «مصطفى»، وكان دايماً بيتمنى إن مصر تبقى فى مصاف الدول العظمى».
وبجوار الأب والأم جلس ابنهما الأصغر «أحمد عطايا»، خريج كلية التربية الموسيقية، وقد أدى خدمته العسكرية قبل أخيه الأكبر نظراً لفرق سنوات الدراسة بين كليتى الطب والتربية، شقيق الشهيد يقول: «أنا عشان كنت فى الجيش وعارف غصب عنى اتصدمت لما عرفت إن مصطفى أخويا راح العريش، خاصة إنى كنت برة مصر، بس هو كان الموضوع بالنسبة ليه عادى جداً»، مضيفاً: «فى الأول لو كانوا طلبوا منى إنى أروح سينا كنت هروح عشان بحب بلدى، لكن دلوقتى لو طلبوا منى ده هروح عشان أنا مؤمن ومقتنع إن أخويا كان على حق وإن أخويا لما راح هناك كان مقتنع باللى بيعمله، وأنا مقتنع إن استشهاد مصطفى أخويا وغيره كتير لازم يكون دافع للشباب إنهم يحبوا البلد ويضحوا عشانها بحياتهم».
إطلاق اسم الشهيد «عطايا» على مدرسة تخليداً لذكراه
إحدى الدروع المهداة للشهيد «عطايا»
الشهيد محمد إمام
الشهيد محمد كريم أحمد
الشهيد مصطفى عطايا
الشهيد احمد فؤاد