بعد سنة على استشهاد النقيب محمود محمد إمام.. أهالى كفر نوار: «لن ننساك يا بطل»

كتب: حسن عثمان

بعد سنة على استشهاد النقيب محمود محمد إمام.. أهالى كفر نوار: «لن ننساك يا بطل»

بعد سنة على استشهاد النقيب محمود محمد إمام.. أهالى كفر نوار: «لن ننساك يا بطل»

بعد مرور ما يزيد على العام على استشهاد النقيب محمود محمد إمام، خريج الدفعة 107 كلية حربية، إلا أن الحزن ما زال يخيم على قريته كفر نوار حنا، التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، الجميع ما زال يحتفظ بذكريات طيبة حفرها الشهيد بأخلاقه وتواضعه فى قلوب أبناء قريته، تتذكر والدته الحاجة فادية يوم 4 فبراير حين استقبلت خبر استشهاده بالزغاريد، بعدما تمكن وزملاؤه من عناصر الصاعقة بالتعاون مع حرس الحدود من إحباط عملية تهريب كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة فى منطقة الباويطى بمحافظة الجيزة.

بوجه يملؤه الرضا بقضاء الله وقدره، تجلس فادية عطوان، أم الشهيد محمود فى منزلها، تتحدث عن ابنها الشهيد وتقول إنه كان يتمنى دخول الكلية الحربية، وبعد تخرجه من الثانوية العامة تقدم للالتحاق بها ولكن أوراقه لم تقبل، فقدم أوراقه فى كلية التجارة، وقضى بها عاماً، وعاد مرة أخرى لتقديم أوراقه فى العام الثانى، وبالفعل تم قبوله، وأصبح طالباً بالكلية الحربية، تتابع الأم حديثها لتقول: «بعد تخرجه فى الكلية الحربية، كان محمود دائماً يتمنى أن يخدم فى سلاح الصاعقة، وبالفعل التحق بقوات الصاعقة فى محافظة الإسكندرية، ثم انتقل إلى محافظة الوادى الجديد»، وتضيف: «فى الليلة التى استشهد فيها اتصل بى، وسألته صوتك متغير ليه يا محمود عندك برد؟ قال لى لأ يا ماما، عندنا تدريب وفيه عملية مهمة لازم نقوم بيها الفجر، فقلت له خلى بالك من نفسك، فقال لى ما تقلقيش هو فيه حد يطول يموت شهيد»، تتساقط الدموع من عيون أم الشهيد، وتستكمل حديثها: «قبل المداهمة وقف محمود مع زملائه لتناول الإفطار وأخرج موبايله من جيبه وقال مين الشهيد أحمد زهران اللى صوره مالية الفيس بوك ده؟ فرد عليه زميله وقاله ده شهيد، والشهادة دى مش أى حد ينولها، فرد محمود وقاله يبقى احنا كده يا صاحبى مش هنولها خالص وضحك وقال ربنا يرزقنا الشهادة».

{long_qoute_1}

تروى والدة محمود تفاصيل ما جرى كما قصها زملاء ابنها عليها، فتقول: «ضرب النار بدأ ومحمود طلب من زملائه يبعدوا عنه بعد ما الذخيرة اللى معاهم خلصت ويروحوا عند العربية ويواجه المجرمين لوحده، بعدها استشهد برصاصة فى صدره، وغرق فى دمه، زميله قال لى لما رحت لمحمود لقيته غرقان فى مسك مش دم، ريحة عمرى ما شميت أحسن منها»، تتذكر الأم ابنها الوحيد على ثلاث بنات وتبكى، وتقول: «أنا مدرسة تاريخ، وعلمت ابنى معنى الوطن، ويعنى إيه حب الوطن، وكنت دائماً بحكى له عن الأبطال اللى ماتوا شهداء فى حرب أكتوبر وحرب الاستنزاف والحروب الكتير التى خاضتها مصر على مر التاريخ، علشان كده ابنى كان شجاع وشايل كفنه على إيده واتمنى الشهادة علشان يموت بطل، وأنا سعيدة قوى علشان ابنى مات راجل»، ترفض الأم التصوير وهى تبكى: «ما تصورنيش وأنا بعيط أنا عاهدت ربنا ما أعيطش»، وتتابع: «اتفقنا مع أهل عروسته على أن تكون شبكة محمود فى أول إجازة ينزل فيها البلد، ومن المفروض كان ينزل إجازة الخميس، واتصلت بمحمود وطلب منى أن أحكى له على كل التفاصيل»، وتضيف: «فى نفس اليوم ذهبت أنا ووالده إلى بلد قريبة منا لاستكمال بعض الهدايا، ورجعنا فى حدود الساعة 6 المغرب، دخلت البيت، وبعد نحو 10 دقائق جاء أحد أقارب محمود ليخبره بأن هناك مكالمة هاتفية مقبلة من أحد أصدقاء محمود، ويريد أن يتحدث مع والده، ذهب زوجى إلى منزل أخيه فى انتظار المكالمة، وبعدها سمعت أصوات صويت تملأ الشارع، خرجت مسرعة، فوجدت زوجى بيعيط وبيقول يا حاجة فادية محمود استشهد يا حاجة فادية»، تتابع: «عندما سمعت الخبر لم أستوعبه، سيطر الصمت علىَّ ولم أكن أعرف ماذا أقول، لو كان فيه حد يقول لى محمود ضفره اتخدش كان ممكن أموت فيها، بس بعدها بلحظات قلت إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنى فى مصيبتى واخلفنى خيراً منها، وتضيف الأم الباكية: «عندما وصلت جثة محمود طلبت من الجميع ألا يبكوا عليه، أول ما شفته حسيت إن ده فرحه مش جنازته، ولقيت نفسى عماله أزغرد، وأقوله لا خوف ولا فزع من لقاء الله يا محمود، وفضلت ملفوفة بعلم مصر، بس طلبت إنى أحضنه وأشوفه قبل ما يندفن»، ذهبت الأم بخطوات متثاقلة خلف نعش ابنها الوحيد لتشييع جثمانه إلى مثواه الأخير ملفوفة بعلم مصر، وتقول: «أنا طلبت أبص عليه، لأن كنت حاسة إن ده مش ابنى وكان عندى شك يكون فيه تشابه فى الأسماء، لكن لما وضعوه فى القبر، وكشفت وشه لقيته ابنى، ووشه كله نور وقبره كله نور، وفيه واحد قلعه البيادة والحزام وأخدهم وجرى وهما موجودين عندنا، فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون، وفضلت لمدة أسبوع كل يوم أروح عند قبره وأزغرد وفضلت 6 أشهر مرتدية علم مصر وأقابل الناس بيه»، يجلس والد الشهيد محمود وآثار الحزن تملأ عينيه، لا يتحدث كثيراً لكنه مبتسم دائماً، ابتسامة ممزوجة بالألم وأسى وحزن عميق على ابنه الوحيد على ثلاث بنات، فيقول بصوت رقيق وحزين: «محمود كان متواضع وخلوق، وكل أهل البلد بتحبه، ربنا اختاره إلى جواره، ومنحنا الصبر على فراقه، أنا فى أوقات كثيرة بدخل غرفة نومه وبفضل أبوس فى هدومه وأعيط، وساعات عقلى هيطير من دماغى لكن بستغفر ربنا بسرعة وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، كان طيب قوى وحنين قوى وجدع وراجل».

ويتذكر الأب تفاصيل اللقاء الأخير الذى جمعهم بابنه الشهيد ويقول: «فى الليلة الأخيرة التى قضاها النقيب محمود وسطنا، طلب أن يجلس مع أخته الكبرى آية منفرداً فى غرفتها، وبعد ثلاثة أشهر من استشهاده طلبت من آية أن تخبرنى ماذا قال لها فى آخر لقاء جمع بينهما، فقالت طلب منى إنى أشد حيلى فى المدرسة وأكون دكتورة، وقالى خلى بالك من أمك وإخواتك، انت الكبيرة اللى بعدى، حافظى على أمك وأبوكى ومتزعليش إخواتك، ولازم تدخلى طب أو صيدلة، ولو احتجتى أى حاجة أنا هعملهالك».

قرية كفر نوار حنا هى قرية يسكنها عدد كبير من المسيحيين، تربطهم علاقات طيبة وتاريخية عميقة بمسلمى القرية، كما يقول والد محمود، يقول الأب: «يوم عيد الأخوة المسيحيين اللى فات فوجئنا إن كل الشباب والأطفال لابسين تيشرتات بيضاء مطبوع عليها صورة محمود، وعمالين يلفوا بيها فى القرية، وطبعوا صورته على مجات ووزعوها على أهل البلد كلها»، ويتابع: «قبل سنوية محمود بيوم، زوجتى قالت لى إنها كانت واقفة فى الشارع، ولقت أحد كبار المسيحيين فى القريه بيسلم عليها وقال لها احنا عارفين إن سنوية الشهيد بكرة، واحنا مش ناسيينه وطول النهارده الصلاة كانت من أجل الشهيد البطل محمود».

والدة الشهيد «محمود»


مواضيع متعلقة