التنمية فى مصر بين التبعية والاستقلال

لم تتوافر لنا حتى الآن معلومات كافية عن مشروع الموازنة العامة للدولة 2013/2014، وقد أقمت دعوى قضائية ضد وزير المالية لإعلان مشروع الموازنة العامة ليتسنى لنا معرفة كيف ستدير الدولة السياسات الاقتصادية للبلاد حيث يدور الصراع حول هذه المسألة بين موقفين أحدهما يتبناه الحكم الذى ينتهج سياسات الليبرالية الجديدة الملتزمة بشروط صندوق النقد الدولى بينما تتبنى القوى التقدمية موقفا آخر يدعو إلى انتهاج سياسات اقتصادية مستقلة تحقق العدالة الاجتماعية، فقد أسقطت الثورة فى مصر رأس النظام الحاكم ولكن هياكل الدولة بقيت كما هى، تغيرت أشخاص الحكام دون أن تتغير طبيعة الدولة أو التحالف الطبقى الحاكم، وواصلت حكومات ما بعد الثورة نفس السياسات الاقتصادية المتبعة فى ظل نظام الحكم الذى ثار الشعب ضده، سياسات نابعة من الليبرالية الجديدة وشروط صندوق النقد الدولى.. وقد شهد عام 2012 صراعات سياسية حادة وتحركات جماهيرية واسعة وجهودا بحثية متنوعة تهدف كلها إلى تحريك المجتمع نحو أوضاع جديدة وفق سياسات جديدة تحقق أهداف الثورة. يكفينا هنا أن نشير إلى بعض مؤشرات الاقتصاد الكلى فى مصر لكى يتأكد لنا أن أحوال الناس لم تتغير بعد الثورة، وأن معاناة الناس من التضخم والفقر والتهميش وسوء توزيع الدخل القومى، والتفاوت بين الطبقات بشكل كبير، استدعت كل هذه الصراعات السياسية والتحركات الجماهيرية والجهود البحثية. ويكفينا فى هذا الصدد الإشارة إلى الحقائق التالية: - ازدادت معاناة الناس وتدهورت أحوالهم المعيشية خلال عام 2012 حيث لعب الانفلات الأمنى والأزمة الاقتصادية دوراً أساسياً فى ذلك. - انخفض احتياطى النقد الأجنبى من 35 مليار دولار سنة 2010 إلى 25 مليار دولار سنة 2011 إلى 13 مليار دولار سنة 2012، وهو لا يكفى لتغطية احتياجات مصر أكثر من بضعة شهور، وذلك رغم ما حصلت عليه مصر من ودائع وقروض ومساعدات من قطر والسعودية والكويت وليبيا وتركيا والتى تزيد قيمتها على 14 مليار دولار. وقد أسهم فى تحقيق هذا الانخفاض تراجع أعداد السياح وتحويلات المصريين العاملين بالخارج. - تزايد عجز الموازنة العامة للدولة إلى نحو 134 بليار جنيه سنة 2011/2012، وفى مشروع موازنة سنة 2013/ 2014 إلى 185 مليار جنيه بنسبة تتجاوز 10% وذلك نتيجة لانخفاض موارد الدولة. - ارتفعت معدلات البطالة لأسباب عديدة منها تراجع معدلات الاستثمار، وتوقف عدد من المصانع عن الإنتاج، وعودة المصريين العاملين فى ليبيا. وكانت زيادة معدلات البطالة من 9% تقريباً سنة 2010 إلى 12% سنة 2012. - انخفض الاستثمار المصرى والأجنبى. - انخفض معدل النمو من 7% تقريباً سنة 2010 إلى حوالى 2,5% سنة 2012. - زادت نسبة الفقراء إلى إجمالى عدد السكان حسب خط الفقر الأعلى من 41,7% سنة 2004/ 2005 إلى 48,20% سنة 2010/ 2011. - يبلغ نصيب أغنى 20% من السكان حوالى 40% من إجمالى الدخل القومى، ونصيب أفقر 20% من السكان حوالى 10% من إجمالى الدخل القومى وما تزال هذه المعدلات ثابتة لم يطرأ عليها تغير يذكر منذ عام 2004. ولمعالجة هذه الأوضاع لا مفر من انتهاج السياسات الآتية التى تقترحها الدكتورة نادية رمسيس فرح للخروج من الأزمة: 1- التخلى عن سياسات الاقتراض من صندوق النقد الدولى. 2- تحديد الأجر الأدنى والأقصى.. مما قد يولد وفورات كبيرة فى الإنفاق الحكومى. 3- استعادة الدولة دورها فى التشغيل من خلال الاستثمارات فى قطاعات البنية التحتية حتى لو أدى هذا إلى التمويل بالعجز فى المدى القصير. 4- تبنى سياسات ضريبية متصاعدة تصل فى أقصاها إلى 48% (وهى نسبة عالمية موجودة فى أعتى الدول الرأسمالية) وذلك لزيادة دخل الحكومة. 5- فرض ضرائب جمركية عالية على السلع الاستهلاكية الاستفزازية وعلى السلع المنافسة بشدة للصناعات المحلية الأساسية. 6- تفعيل دور مؤسسات حماية المستهلك ومحاربة الاحتكارات الاقتصادية التى أدت إلى ارتفاع الأسعار بصورة جنونية. 7- تبنى سياسات الديمقراطية الاجتماعية وذلك بإعادة توزيع الدخل وضمان الخدمات الأساسية للفقراء، وتؤدى تلك السياسات إلى رفع الطلب المحلى على الصناعات والخدمات المحلية بالإضافة إلى تقليل نسب الفقر المتزايدة فى مصر. وليس من شك أن الصراع سوف يستمر طويلا حول السياسات الاقتصادية لأنه يعبر عن مصالح متعارضة للطبقات الكادحة فى مواجهة مصالح الطبقات المالكة. ولن تتوقف التحركات الجماهيرية الداعية إلى مراعاة العدالة الاجتماعية فى سياسات الاستثمار وتوزيع الدخل القومى بما يحقق حياة آمنة لملايين المصريين الفقراء والمهمشين.