براءة مبارك.. و«الحنين» لعصره
- استاد القاهرة
- استطلاع رأى
- استطلاع للرأى
- الأماكن العامة
- الأوضاع السياسية
- التلاعب فى البورصة
- الحنين إلى الماضى
- الرئيس الأسبق مبارك
- الرئيس السيسى
- آليات
- استاد القاهرة
- استطلاع رأى
- استطلاع للرأى
- الأماكن العامة
- الأوضاع السياسية
- التلاعب فى البورصة
- الحنين إلى الماضى
- الرئيس الأسبق مبارك
- الرئيس السيسى
- آليات
بمجرد حصول الرئيس الأسبق مبارك على البراءة فى قضية قتل المتظاهرين، انطلقت موجات من ردود الفعل المتباينة، التى اتسع طيفها ليبدأ من الرفض المطلق، ويمر بالسخرية المريرة، ولا ينتهى عند الفرح الطاغى، و«الاستبشار بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً».
لا توجد آليات استطلاع رأى معتبرة وموثوقة فى مصر، كما أن وسائل الإعلام التقليدية تبدو، فى معظمها، رهينة لرغبات المُلّاك، فيما تهيمن النزعة الشبابية على مجمل الصور الذهنية المتداولة عبر «السوشيال ميديا»، ورغم ذلك، سيمكننا القول إن الموقف من حكم البراءة الذى حصل عليه مبارك كان انعكاساً لحزمة من الاعتبارات التى تتضمن: الأيديولوجيا، والموقف السياسى من «يناير ويونيو»، والقيم الثقافية السائدة مجتمعياً، خصوصاً فيما يخص الشخصيات المُسنّة، وأخيراً الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية الراهنة.
واستناداً إلى ذلك، فإن جمهور ما سُمّى بـ«حزب الكنبة» سابقاً، بدا فى مجمله راضياً أو متقبلاً للحكم، بينما برزت سخرية «الإسلاميين» ومعارضتهم الشرسة، ومرارة «الثوريين» ورفضهم المطلق، كما استغل كل جانب هذا الحكم لتأكيد مواقفه السياسية حيال النظام القائم.
فإذا كان التقدير الخاص بأن درجة من القبول والرضا الشعبى أمكن رصدها فى مواقف القطاعات الغالبة وغير المُسيَّسة من الجمهور حيال حكم البراءة، يحظى بدرجة من الوجاهة، فسيبدو السؤال عن السبب وراء ذلك منطقياً.
لقد جرت تحولات كبيرة فى وسائل الإعلام الشعبية حيال صورة مبارك وعصره؛ إذ بات من المعتاد سماع المديح له ولأعضاء أسرته كل يوم تقريباً، فى إحدى المحطات التليفزيونية، أو قراءته فى مقال على موقع إلكترونى أو صحيفة.
سيمكننا أن نعزو ذلك إلى التغيرات الفارقة فى أنماط ملكية وسائل الإعلام فى مصر، وتركز معظمها راهناً فى أيدى رجال أعمال أو جهات معادية لـ«25 يناير»، وسيمكننا أيضاً أن نربط بين معاداة «الانتفاضة» وبين مدح النظام الذى تمكنت من الإطاحة برأسه.
لكن المسألة تجاوزت أنشطة «الميديا» المعروفة فى «غسل الأدمغة»، و«تسويق السياسيين والسياسات»، لكى تصبح مقولات «التعبير عن الحنين إلى مبارك وزمنه» جزءاً من الحوار اليومى فى بيئات متعددة، ربما يجمعها تزعزع اليقين، والشكوى المتكررة من الأزمات المتلاحقة، وغلاء الأسعار.
استناداً إلى تحليل بعض ردود الفعل المعلنة والمنشورة من جانب شرائح متباينة فى المجتمع، يمكننا المجازفة بالقول إن أى استطلاع للرأى يتحلى بدرجة من الكفاءة والمنهجية، سيُظهر، على الأرجح، تغيراً ملموساً فى صورة مبارك وعائلته، وأن هذا التغير سيصب فى صالح هذا الرئيس وأيامه.
ببراجماتية مثيرة للاهتمام، يتحدث يساريون وإسلاميون وليبراليون وناصريون، ومواطنون مهتمون بالشأن العام، عن زمن مبارك باعتباره «نصف العمى»، ويقارنون هذا الزمن بما يعتبرونه الآن «عمى كاملاً»، دون أن يتخلوا عن موقفهم التقليدى تجاه الرئيس الأسبق، باعتباره «فاسداً وبليداً وساعياً إلى توريث البلد لنجله».
بعض معارضى مبارك الكبار، الذين لعبوا أدواراً مهمة فى الإطاحة به، ومساندة مسار «30 يونيو»، ودعم الرئيس السيسى وتأييد ترشحه للرئاسة، لا يتوقفون عن «الإشادة» ببعض سياسات مبارك، أو التحدث عنه بـ«إنصاف»، حين يقارنون بين سياسات حكومات ما بعد «30 يونيو»، ونتائجها، وبين سياسات فريق مبارك السياسى الأساسى، فى العقد الأخير من حكمه، الذى شهد نمواً اقتصادياً دفترياً واستقراراً لافتين.
سيأخذنا هذا إلى تحليل الأسباب التى أدت إلى ظهور بعض رجال مبارك مجدداً، أو المطالبة بإعادة توزير وزراء خدموا تحت قيادته، بداعى أنهم «صنايعية» أو «شطار».
لقد قرأت عبارة «الحنين إلى مبارك» عشرات المرات فى السنتين الأخيرتين، وأنت نفسك يمكنك إيجادها على محركات البحث الشهيرة، وستندهش حين تعثر عليها منشورة فى مقالات ببعض الصحف العالمية النافذة، أو على ألسنة معارضين، ليس بالضرورة باعتبارها «طلباً» أو «تحبيذاً»، وإنما أيضاً باعتبارها «توصيفاً يتوخى الموضوعية» فى كثير من الأحيان.
«الحنين إلى مبارك» إذن صيغة موجودة يمكن أن نناقشها، دون أن يعنى ذلك بالضرورة أنها تضع هذا الأخير فى مكانة رفيعة لا تطالها الشكوك وتطعن فى فحواها الوقائع وتُجرّحها أحكام المحاكم ووقائع الفساد والبلادة المثبتة.
قبل نحو شهرين، تقابل منتخبا مصر وتونس لكرة القدم فى منازلة، باستاد القاهرة، حيث كان جمال مبارك، وشقيقه علاء حاضرين فى صفوف الجماهير، كعادتهما فى المنازلات الكروية الوطنية التى سبقت الإطاحة بحكم والدهما، فى فبراير 2011.
وقد كان لافتاً تجمع عدد من أفراد الجمهور حولهما، ومطالبة البعض بالتصوير معهما، بحيث يمكننا أن نصف استقبالهما فى هذا المحفل العمومى بأنه «مميز ودافئ ومثير للاهتمام».
سيقول البعض إن ثمة ترتيباً جرى لتخرج الصورة على هذا النحو من الإشراق، بحق رجلين أُدينا، مع والدهما، فى جريمة فساد، وأمضيا عقوبة السجن لثلاث سنوات، وينتظران نتائج محاكمة كبيرة أخرى، ما تزال وقائعها جارية، تحت اسم «التلاعب فى البورصة»، وهى محاكمة قد تأخذهما إلى السجن من جديد.
لست متفقاً مع هذا التحليل، رغم عدم استبعاد استخدام أنشطة العلاقات العامة والتسويق السياسى فى عمليات التضاغط والتنافس التى تشهدها البلاد راهناً، لأن المناخ العام ببساطة يُفضى إلى مقابلة من هذا النوع واستقبال بهذا السمت.
عندما توفى والد اللاعب الشهير السابق محمد أبوتريكة، ذهب نجلا مبارك أيضاً إلى العزاء، وقد تم استقبالهما استقبالاً حسناً، رغم ما عُرف عن ميول اللاعب السياسية، ورغم القرارات القضائية التى وضعته على قوائم المطلوبين، وصنفته «إرهابياً».
يتحرك النجلان بأريحية وثقة، فيزوران الأماكن العامة، و«المولات»، ويحضران مباريات الكرة، ومجالس العزاء، ويتناولان «الكباب» فى حوارى السيدة زينب، ويحصلان على عبارات المودة والاستحسان، ويلتقط الجمهور الصور معهما.
لا يمكن إنكار أن هناك تناسباً طردياً بين تحسن صورة مبارك وتفاقم الأزمات والمشكلات التى تعرفها مصر وتعجز عن حلها الإدارة، كما لا يمكن استبعاد بعض الأبعاد النفسية التى تتعلق بالحنين إلى الماضى، والتى يبرع المصريون عادة فى التجاوب معها.
وببساطة شديدة؛ فإن إدارة الرئيس السيسى مطالبة بانتهاج سياسات أكثر رشداً ونجاعة، وانفتاحاً على الطاقات المبدعة والكفاءات، للحد من التراجع العمومى، الذى ازدهرت فى جنباته ملامح الحنين إلى مبارك، وقبل أن تنشأ بسببه ملامح حنين إلى «الإخوان».