الأقصر: بلد مهرجانات السينما.. بلا سينما

كتب: محمد عبداللطيف الصغير

الأقصر: بلد مهرجانات السينما.. بلا سينما

الأقصر: بلد مهرجانات السينما.. بلا سينما

أبواب أُغلقت بالطوب والأسمنت، وقطع خشبية متناثرة، ولافتة تآكلت واختفت معالمها من أشعة الشمس الحارقة فى الصعيد، وعوامل الزمن التى أخفت اسم المكان الذى ارتبط فى أذهان أبناء الأقصر على مدار 7 عقود بالبهجة والمتعة.. «سينما آمون»، التى سميت على اسم أشهر الآلهة فى طيبة قبل 4 آلاف عام تقريباً، والتى أُغلقت قبل 7 سنوات خلال عملية تطوير المدينة.

{long_qoute_1}

لم تمهل ثورة يناير محافظ الأقصر الدكتور سمير فرج، لتحقيق حلم الكثير من أبناء المحافظة فى إنشاء سينما تليق بالمدينة الأثرية الأكبر والأهم فى العالم، أول من عرفت الفنون واحتفت بالفنانين بنقوش على جدران المعابد وإقامة المسارح وأماكن مخصصة لعرض هذه الفنون، حيث رحل «فرج» دون استكمال خطة التطوير التى كانت تتضمن داراً للأوبرا وللسينما ومسارح ومؤسسات ثقافية أخرى.

عزوف الجمهور عن السينما فى الأقصر، بسبب انتشار التليفزيون فى أغلب المنازل، خلال تسعينات القرن الماضى، ما أنهى سطوة السينما فى الأقصر، وشهدت التسعينات إغلاق 4 دور سينما فى مدينة الأقصر، و5 فى مدينة أرمنت غرب الأقصر.

{long_qoute_2}

يقول عبدالمنعم عبدالعظيم، مدير مركز الصعيد للتراث: «كانت السينما فى الأقصر مركزاً رئيسياً للترفيه والبهجة، وكان يرتادها الفقراء قبل الأغنياء، والجميع كان يحافظ على حضور العروض، وكانت هناك سينما مخصصة للأغنياء من الأجانب المقيمين وأصحاب ومديرى الفنادق وكبار الموظفين فى أقدم فندق بالمحافظة، وهو فندق الأقصر، وكانت تلك السينما بها ماكينة 16 م لعرض الأفلام بتذاكر غالية الثمن مقارنة بالسينمات الشعبية الأخرى التى كانت منتشرة فى ذلك الوقت، ويضيف مدير مركز الصعيد للتراث: «افتتحت أول سينما فى الأقصر منتصف الخمسينات من القرن الماضى، وكانت تسمى سينما دريقة، نسبة لصاحبها الذى كان له دور بارز فى انتشار ثقافة السينما، إذ كان يمتلك ويدير أكثر من سينما، منها سينما آمون، الأشهر فى الأقصر»، وتابع: «التليفزيون جعل الإقبال محدوداً للغاية على السينما التى كانت تشهد ازدحاماً، فتحولت أماكن السينما لنشاطات أخرى تجارية، فأصبحت سينما النصر الشهيرة فى شارع المنشية، التى كان يمتلكها توفيق عبدالصادق، لمصنع ثلج، وسينما دريقة تحولت لمخبز ومخازن، فيما تسببت الإزالات التى اجتاحت الأقصر خلال عملية التطوير فى هدم سينما قصر الثقافة التى أصبحت موقفاً لعربات الحنطور وكذلك سينما فندق الأقصر المواجهة لمعبد الأقصر، وتحولت سينما الندى لاند لقاعة أفراح»، وأكد أن السينما كانت قد انتشرت وازدهرت ليس فى المدينة فقط بل فى القرى، فكانت أرمنت تضم 5 سينمات، أشهرها سينما فاتن، وسينما شركة السكر، وسينما العمال، التى أغلقت أيضاً فى التسعينات، ويضيف: «السينما للأسف شوهت الصعيد بأفلام بعيدة تماماً عن الواقع وركزت على الجوانب السلبية وضخمتها وتركت الجوانب الإيجابية والمشرقة وأظهرت الصعيد بصورة سيئة كمكان تنتشر فيه حوادث الثأر والتخلف والمخدرات والجنس».

مهرجانات السينما فى الأقصر.. أهداف تجارية تنهك ميزانية الدولة

مدير مركز الصعيد للتراث أكد أن مهرجانات السينما التى تقام فى الأقصر منذ عدة سنوات لم تفد الأقصر فى شىء لأن هدف القائمين على هذه المهرجانات «تجارى بحت»، وتكلف هذه المهرجانات خزينة الدولة الكثير من الأموال دون أى عائد يذكر على الأقصر أو حتى ينعكس إيجابياً على القطاع السياحى، وتابع: «على القائمين على هذه المهرجانات أن يعوا قيمة هذه المدينة وتأثيرها وشغف الملايين بها حول العالم، لا بد أن يتكاتف الجميع من أجل مهرجان للسينما يليق بالمدينة الأثرية الأشهر والأكبر على مستوى العالم، وأن يكون هناك مهرجان يحمل اسمها يليق بالمدينة ولا يقل قيمة عن المهرجانات العالمية.

ويؤكد أحمد شوقى، أحد منظمى مهرجان السينما الأفريقية، أن المهرجان يستعد لدورته السادسة التى تنطلق فى شهر مارس المقبل بمفاجآت كبيرة وبحضور نجوم عالميين، مشيراً إلى أن المهرجان يعتبر من أهم وأكبر المهرجانات السينمائية فى أفريقيا والشرق الأوسط، وهو قوة ناعمة تستفيد منها مصر من خلال التواصل مع الثقافات الأفريقية المختلفة وكبار السينمائيين فى القارة السمراء، الذين يحرصون على حضور المهرجان ويتابعون أخباره وفعالياته بشغف كبير، وأضاف: «المهرجان خلال دوراته السابقة نجح فى أن يصنع له اسماً كبيراً، وذلك بمشاركة أشهر نجوم العالم بفعالياته، وأبرز هؤلاء النجوم دانى جلوفر، والمخرج العالمى هايلى جريما، وغيرهما، كما أعاد المهرجان لمصر دورها الرائد فنياً فى أفريقيا، فنجح المهرجان فى تدريب العشرات من الفنانين والمخرجين الأفارقة الشباب من خلال ورش العمل الفنية والإخراجية التى تقام على هامش المهرجان الذى يساهم فى تنشيط السياحة، وإرسال رسائل إيجابية عن الأقصر للعالم أجمع بأن الأقصر مكان آمن ورائع يستحق الزيارة.

يقول محمد بدر، محافظ الأقصر: «المحافظة بها مهرجانات عالمية للسينما ولا يوجد بها أى دور سينما للأسف، لكن قمت برفقة وزير الثقافة منذ شهور قليلة بتحديد عدد من الأماكن لإنشاء مجمع سينمائى فى الأقصر سيكون منارة ثقافية عالمية ستقام فيه ورش وتدريبات وعروض وأماكن للتصوير وسيكون الإنشاء خلال عامين على الأكثر، وأشار إلى أنه سيتم وضع حجر أساس أول دار أوبرا بالأقصر، قريباً، خاصة بعد تخصيص قطعة أرض لهذا الغرض.

ويقول عبدالله أبوقرين، موظف من أهالى الأقصر: «كيف لمدينة عالمية لا يكون بها سينما واحدة رغم استضافة المحافظة لأكبر مهرجانات السينما فى مصر؟»، مشيراً إلى أن السينما يمكن أن تكون نمطاً سياحياً جديداً فى الأقصر يضيف للمدينة مزيداً من البهجة والمتعة، فيما قال أنور عطية، شيف بفندق، إن هناك أولويات لأبناء الأقصر بعيداً عن إنشاء دور سينما، مطالباً بإنشاء مصانع، حيث قال إن أول وآخر مصنع تم إنشاؤه كان مصنع سكر أرمنت وأنشئ فى 1898 تقريباً.

ويقول المخرج والفنان أحمد يوسف الجمل: «الأقصر تمتلك تاريخاً عظيماً، ليس فرعونياً فقط، بل إن المحافظة تحظى بمكانة سينمائية كبيرة ومحط أنظار كل السينمائيين فى العالم، فهناك أفلام عالمية تم تصويرها فى الأقصر أبرزها (جريمة قتل على ضفاف النيل) ساهمت فى تعريف السائحين فى العالم بالأقصر، كذلك أشهر الأفلام فى السينما المصرية صورت فى الأقصر ومنها (غرام فى الكرنك)، (صراع فى الوادى) و(الجزيرة)»، مشيراً إلى أنه يمكن للأقصر أن تستغل هذا الإقبال الكبير على تصوير الأفلام بها لإدخال مبالغ مالية كبيرة لخزينة الدولة بإجراء تسهيلات للشركات والمنتجين الذين يعانون فى استخراج تصاريح للتصوير بسبب الروتين وارتفاع أسعار رسوم التصوير.

لم تصدق الفنانة أميرة كمال، التى شاركت فى الفيلم الأمريكى «غموض أميرة»، الذى صور مؤخراً بالأقصر، أن تكون أهم مدينة تاريخية فنياً وأثرياً بلا دور سينما.. تقول «أميرة»، ابنة مدينة القرنة غرب محافظة الأقصر: «أبناء الأقصر يعشقون السينما ويهتمون بما يقدم ويتابعون كل جديد»، مطالبة محافظ الأقصر بالإسراع فى إنشاء دار سينما فى الأقصر تتواكب مع اختيار الأقصر عاصمة السياحة فى العالم، وعن مشاركتها فى الفيلم، قالت إنه تم اختيارها للمشاركة فى الفيلم الذى سيعرض فى مختلف المهرجانات الفنية والسينمات الأمريكية، وتم تصويره فى مدينة «هابو» ومقبرة سيتى الأول ومقبرة توت عنخ آمون بالبر الغربى للأقصر، وذلك بعد أن رشحها أحد المخرجين المصريين للعمل بالفيلم، مضيفة: «شاركت فى عدة مسرحيات وفزت بجوائز وشاركت فى فيلم سابق قبله وهو (محكمة إدريس)، وأنا فى الأصل مهندسة ديكور أقوم بتصميم ديكورات مسرحيات تعرض فى قصور الثقافة».

وبرغم الصعوبات التى يواجهها المسرح بالأقصر بسبب ضعف الميزانيات المخصصة، والروتين، فإنه استطاع أن يحافظ على تميزه وجمهوره، بفضل الفنانين الشباب الذين حصدوا الكثير من الجوائز على مستوى مصر فى مسابقات نوادى المسرح.

أكثر من 10 عروض مسرحية تقدمها قصور وبيوت الثقافة سنوياً فى الأقصر، يحضرها آلاف من محبى هذا الفن الذى ارتبط بالمدينة منذ آلاف السنين، حيث خصص القدماء المصريون أماكن لعرض هذا الفن واحتفوا بالفنانين بنقوش على جدران المعابد والمقابر. يقول الفنان بكرى عبدالحميد، ممثل وكاتب مسرحى: «المسرح برغم تأثيره فى الصعيد يعانى من الكثير من المشكلات التى جعلت الأعمال المسرحية تمثل معاناة كبيرة فى ظل الروتين واللوائح والميزانيات الضئيلة التى تتسبب فى ألا يقوم المسرح بدوره بالشكل الأمثل»، مضيفاً: «آخر عهد الأقصر بالعروض المسرحية الكبيرة كان منذ 28 سنة تقريباً عندما عُرضت على مسرح قصر ثقافة مسرحية (نص أنا.. ونص انتى)، بطولة إسعاد يونس وسهير البابلى وشريف منير، ومن يومها لم تعرض فى الأقصر أى مسرحيات لنجوم معروفين».


مواضيع متعلقة