3 قضايا استراتيجية فى مباحثات «السيسى» و«ترامب»

لثلاثة أهداف استراتيجية كبيرة تأتى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى واشنطن فى أجواء صديقة تتسم برغبة الجانبين المصرى والأمريكى فى فتح صفحة جديدة فى علاقات البلدين تقوم على حسن التعاون والتنسيق المشترك والثقة المتبادلة، يزيد من قوتها إدراك الرئيس دونالد ترامب أن مصر دولة جادة فى حربها على الإرهاب تدفع فى ذلك ثمناً باهظاً رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، فضلاً عن دورها المهم فى أمن الشرق الأوسط واستقراره، وحرصها على ضرورة إنجاز سلام شامل وعادل يحقق مطالب الفلسطينيين فى دولة مستقلة إلى جوار دولة إسرائيل، وينهى كل أوجه الصراع العربى الإسرائيلى، ويزيد على ذلك اعتراف الرئيس الجمهورى الجديد بأن إدارة باراك أوباما السابقة أخطأت فى حق مصر وتغافلت عن دورها البارز فى الحرب على الإرهاب.. وقد عبر الرئيس «ترامب» أكثر من مرة وبوضوح بالغ عن حسن تقديره للرئيس «السيسى» عندما أعلن بعد لقائهما الأول فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الرئيس «السيسى» (شخصية فاخرة تفاعلت بيننا كيمياء العلاقات بصورة جيدة).

وما يزيد من فرص بناء علاقات جيدة بين الرئيسين «ترامب» و«السيسى» أن الرئيس الأمريكى بات أكثر إدراكاً لواقع الشرق الأوسط ومخاطره، لم يعد يتعجل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأصبح أكثر تحسباً لتعقيدات هذه الخطوة ومشاكلها المتوقعة، كما أصبح أكثر حذراً من استمرار حكومة الليكود فى بناء المزيد من المستوطنات، يدرك الآن خطورتها على عملية سلام الشرق الأوسط وعلى فرص قيام دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل تتعايشان فى أمن وسلام.. وما من شك أن لقاء «ترامب» مع العاهل الأردنى الملك عبدالله قبل عشرة أيام، ولقاء وزير الخارجية المصرية سامح شكرى مع عدد من معاونيه، بينهم نائب الرئيس مايك بنس، قبل ثلاثة أسابيع، فضلاً عن الاتصالات التليفونية التى لم تنقطع بين الرئيسين «السيسى» و«ترامب»، أسهم كل ذلك فى هذا التغيير المحسوس الذى طرأ على مواقف إدارة «ترامب» من قضايا الشرق الأوسط وزاد من حجم التفاهم المتبادل لطبيعة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة فى ضوء اعتقاد الطرفين بأنها علاقات ذات طبيعة استراتيجية تستشرف آفاقاً جديدة تختلف تماماً عن أوضاعها فى عهد إدارة «أوباما» الذى عاقب مصر وجمّد اتفاقات المعونة العسكرية لها لأنها رفضت حكم المرشد والجماعة!.

وبالطبع لا يمكن إغفال تأثير زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الأخيرة لواشنطن ولقائه المهم مع الرئيس الأمريكى «ترامب»، لكن الواضح من المؤتمر الصحفى الذى عقده الاثنان «ترامب» و«نتنياهو» فى البيت الأبيض والتصريحات التى أدلى بها «ترامب» لصحيفة «إسرائيل حايوم»، أن لدى الرئيس الأمريكى الآن رغبة قوية فى استئناف عملية سلام الشرق الأوسط أملاً فى صفقة صعبة وجيدة، كما يسميها، تحقق مصالح كل الأطراف، كما أنه لا يزال يعتقد أن حل الدولتين هو الحل الواقعى الأكثر إمكاناً؛ لأن حل الدولة الواحدة يلزم إسرائيل الاعتراف بحقوق المواطنة لكل الفلسطينيين داخلها ويسقط هوية إسرائيل كدولة يهودية ولأنه فى إطار هذه الدولة الواحدة سوف يكون من حق الفلسطينيين المشاركة فى الحكم طبقاً لقاعدة (صوت انتخابى واحد لكل مواطن فلسطينياً كان أم إسرائيلياً)، ولا يقل أهمية عن ذلك اعتقاد «ترامب» بأن من صالح إسرائيل أن تتوقف عن بناء المزيد من المستوطنات كى لا تغتال عملية السلام؛ لأن السلام يشكل مكسباً عظيماً لإسرائيل يمكن أن تترتب عليه علاقات طبيعية بين إسرائيل وجيرانها العرب تطبيقاً لمبدأ كل الأرض مقابل كل السلام الذى تستند إليه المبادرة العربية.. لكل هذه الأسباب يمكن أن نتوقع زيارة ناجحة للرئيس «السيسى» إلى واشنطن تحقق أهدافه الاستراتيجية الثلاثة:

• أولها، إحياء عملية سلام الشرق الأوسط فى ظل توقف إسرائيل عن بناء المزيد من المستوطنات، كما أشار «ترامب»، وفى إطار برنامج زمنى يركز على تسوية قضايا الحل النهائى، الحدود والمياه والقدس والمستوطنات واللاجئون، خاصة أنه خلال عمليات التفاوض السابقة استكشف الجانبان الفلسطينى والإسرائيلى فرص إيجاد حلول لهذه المشكلات.. وإذا كان الرئيس الأمريكى «ترامب» قد أشار فى مباحثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلى وفى المؤتمر الصحفى الذى عقده الاثنان فى البيت الأبيض إلى أنه يفضل حل الدولتين لأن حل الدولة الواحدة يعنى ضرورة اعتراف إسرائيل بحقوق المواطنة لكل الفلسطينيين داخل هذه الدولة وترك للجانبين الإسرائيلى والفلسطينى حق اختيار الحل الأمثل الذى يفضلانه، يصبح من الضرورى تقنين هذا الالتزام بحق الفلسطينيين فى المواطنة الكاملة فى إطار دولة واحدة تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين بما يزيد من قناعة الإسرائيليين بأن حل الدولتين يشكل الخيار الأمثل فى عملية السلام.

• وثانيها، تصحيح العلاقات الأمريكية المصرية، وإنهاء قرار «أوباما» بتجميد المساعدات العسكرية لمصر لأنه من غير المقبول وغير المعقول أن تكون مصر فى صدارة الحرب على الإرهاب وتتحمل وحدها تكلفته الباهظة رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة، بينما تحظى إسرائيل باتفاق طويل الأجل يمكنها من حجم ضخم من التسليح تتجاوز قيمته 28 مليار دولار على امتداد السنوات العشر المقبلة لا تنفق منها إسرائيل بنساً واحداً فى الحرب على الإرهاب، خاصة أن الجانب الأكبر من عملية الحرب على الإرهاب يقع فى محيط الشرق الأوسط حيث تضطلع مصر بالعبء الأكبر من هذه المسئولية.. ويدخل فى هذا الإطار الموقف المتردد داخل إدارة «ترامب» من قضية اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية بدعوى أن جماعة الإخوان تشارك فى عدد من البرلمانات العربية، كما تشارك فى الحكم فى أكثر من بلد عربى، بما يضع الولايات المتحدة فى موقف بالغ الحرج!.

ولأن موقف جماعة الإخوان المسلمين من الإرهاب والعنف يختلف من بلد إلى آخر لأسباب براجماتية وعملية وليس لأسباب عقائدية، خاصة أن كافة جماعات العنف خرجت من تحت معطف جماعة الإخوان المسلمين، يصبح من الضرورى اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية فى مصر وفى أى بلد آخر يثبت فيه أن الجماعة تمارس أعمال العنف كى يكون هذا القرار رادعاً للجماعة التى تأخذ عادة موقف الانتظار إلى أن تتغاير الظروف لتكشف عن وجهها الحقيقى فى الوقت المناسب، كما حدث فى مصر فى أعقاب ثورة 25 يناير التى لم تكن الجماعة طرفاً فيها لأنها كانت شريكاً لنظام الرئيس مبارك لها عدد وافر من النواب داخل البرلمان المصرى.

• وثالث الأهداف الاستراتيجية، كيفية تحفيز المجتمع الدولى من أجل تشكيل جبهة واسعة وفاعلة فى الحرب على الإرهاب، تتولى مسئولية هذه الحرب فى المناطق الحيوية التى تنشط فيها هذه الجماعات، على أن يلتزم كل أعضاء المجتمع الدولى بقواعد واضحة ومحددة، تمنع إعطاء جماعات الإرهاب ملاذاً آمناً وتلزم الجميع بعدم تقديم أى مساعدات مادية أو معنوية لهذه الجماعات، وتمنع استخدام هذه الجماعات فى حروب مباشرة أو بالوكالة، كما تلزم المجتمع الدولى العمل بتجفيف منابع الإرهاب المالية، فى الوقت الذى يحدد فيه مجلس الأمن الدولى العقوبات التى ينبغى فرضها على أى عضو فى المجتمع الدولى يخترق هذه القواعد بما يضمن التزام الجميع.. ولا أظن أن تعريف الإرهاب يشكل مشكلة أساسية تحول دون تطبيق هذه القواعد، لأن الإرهاب واضح ومعروف ومحدد يتجسد فى جمعيات وجماعات تعرفها أجهزة الأمن فى كل أرجاء العالم لكنها جميعاً تستهدف ضرب الاستقرار والأمن والسلام الدوليين.