مواقع التواصل الاجتماعى تبحث عن علاج للأخبار الكاذبة

لأول مرة يغضب حتى التذمر قيادات الشركات الإلكترونية العالمية من الأخبار الكاذبة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى ويبحثون عن آليات فاعلة لمساعدة القارئ على مواجهتها.. وينضم بذلك قطاع مهم من خبراء الإلكترونيات إلى غالبية الحكومات فى العالم والمشاهير وأساتذة الإعلام وغالبية الشعوب وغالبية الصحفيين والإعلاميين فى غضبهم المتصاعد من تلك الأخبار الكاذبة التى يرون فيها ترويجاً للكذب وتخريباً للمصداقية التى اكتسبتها الصحف ووسائل الإعلام عبر جهد وكفاح سنوات طويلة من البحث عن الحقيقة والالتزام بنشر المدقق والصادق من الأخبار فضلاً عن خداع القارئ وإهدار معانى الصدق والقدوة والحقيقة والثقة ورقى المقصد لدى القارئ تجاه ما ينشر فى كل وسائل الإعلام وهو ما رصدته مبكراً فى 2014 من خلال دراستى العلمية عن تدنى لغة الخطاب الصحفى ودور نقابة الصحفيين.

وقد جاء التوجه الجديد لخبراء الإلكترونيات كأحد الآثار المترتبة على معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وبعد أن أكدت أحدث دراسة أمريكية أجريت عن «تأثير الإعلام على الانتخابات الرئاسية الأمريكية» أنه، فى الفترة التى سبقت التصويت، حازت الأخبار الزائفة المضادة لهيلارى كلينتون على 30 مليون مشاركة على موقع فيس بوك، فى مقابل 8 ملايين مشاركة للأخبار المؤيدة لها.. وذكرت الدراسة التى قام بها خبراء اقتصاديون فى جامعة ستانفورد وجامعة نيويورك، ونشرت مطلع فبراير الحالى أن «المواطن الأمريكى العادى رأى وتَذكر أخباراً زائفة مؤيدة لترامب أكثر من الأخبار الزائفة المؤيدة لهيلارى، كما تعدت نسبة من صدقوا هذه الأخبار الزائفة أكثر من 50% من العينة المبحوثة.

وعلى الرغم من أن نتائج الدراسة الحديثة جداً قد استبعدت قدرة هذه الأخبار المزيفة التى انتشرت على الشبكات الاجتماعية على تغيير نتيجة الانتخابات الأمريكية، فإن صدى الدراسة أشعل الاهتمام لدى شركات الكمبيوتر ومُلاك مواقع التواصل الاجتماعى وقد ظهر ذلك فى تصريحات تيم كوك، رئيس شركة أبل التنفيذى للجارديان البريطانية حيث قال إن الأخبار الزائفة تقتل عقول الناس وإن الشركات كشركته تحتاج إلى ابتكار أدوات لإيقاف انتشار الأكاذيب دون المساس بحرية التعبير وحرية الصحافة.. ويجب الحد من حجم الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعى ومساعدة القارئ، لأن الكثيرين منا الآن يشكون ويتذمرون من الأمر.

وقد بادر موقع «جوجل» قبل ما يقرب من عامين بتقديم خدمة كشف الصور المزيفة، فإن تصريحات قيادات غالبية مواقع التواصل الاجتماعى مؤخراً تهتم بالبحث عن تدقيق المعلومات المكتوبة فى شكل أخبار صحفية وأنهم ملتزمون بحق الخصوصية للفرد وحقه فى التعبير وتداول المعلومات والأخبار بالطريقة التى يريدها.

والحملة التى يتم الإعداد لها من خبراء الإلكترونيات تعتمد على ثلاث قوى فاعلة لمواجهة ظاهرة الأخبار الكاذبة حيث دعوا الحكومات إلى قيادة حملات لتعقب المعلومات الزائفة بمنع كارثة استخدام المسئولين للأكاذيب والمعلومات الزائفة فى الخطاب السياسى وبخاصة أثناء الحملات الانتخابية لتحقيق مكاسب سياسية محدودة وآثارها الخطيرة على مصداقية المسئول واحترام القدوة.. وطالبوا وكالات الأنباء والصحف والإذاعات والتليفزيونات بعدم التسرع بنشر ما تتداوله مواقع التواصل الاجتماعى إلا بعد الوثوق من صحة الخبر، وأن تبادر الوسائل الإعلامية بتقديم أخبار وتحليلات صادقة وعميقة ولا تسعى فقط إلى الإثارة.. كما دعوا الفنيين إلى ابتداع أساليب جديدة وسهلة تمكن القارئ العادى من تتبع الخبر ومعرفة مصدره ومدى صدق المعلومات فى الخبر اعتماداً على ما ينشر فى وسائل الإعلام الموثوق فيها.

لقد أصبحت الأخبار الكاذبة مؤثرة جداً فى حياة الشعوب والدول والحروب الحديثة ارتباطاً باتساع القدرة الشخصية للفرد على التواصل الفورى والحر مع أى فرد آخر فى العالم عبر وسائط الاتصال وعجز وسائل الإعلام التقليدية عن استيعاب تحدى السرعة والانتشار للمعلومات والتحرر من القيود القانونية والقيم المهنية التى تتمتع به مواقع التواصل الاجتماعى، ولكن الآثار المدمرة للأخبار والمعلومات الكاذبة التى يروج لها أفراد وتنظيمات متطرفة وأجهزة لها أغراض خاصة وحملات مخططة ومنظمة أصبحت تغضب الجميع وأصبحت مواجهتها حكومياً وإعلامياً وإلكترونياً تمثل دافعاً لأطراف عديدة فاعلة على الساحة المحلية والدولية، وهو ما ناقشه علناً خبراء حلف الناتو قبل أيام، حيث تناولوا نتائج دراسات متنوعة عن الحرب الإلكترونية.

يبقى أن نؤكد أن علاج هذا المرض العارض الذى تمثله الأخبار الكاذبة يجب أن يعالج فى إطار مكتسبات البشر فى ممارسة حرية التعبير والصحافة وتداول المعلومات والأخبار بلا حدود، وبالتأكيد فإن المزيد من الحرية لوكالات الأنباء والصحف ووسائل الإعلام الصادق سيقضى على الأكاذيب ويمنع الخداع للقارئ.. وداوِها بالتى كانت هى الداء.. والله غالب.