الإعلام المصري.. مستقبل مفزع
أى مستقبل ينتظر الاعلام المصري، بينما حاضره منقطع الصلة بماضيه، ولا تلوح في الأفق ملامح لبقائه منافسا أو مؤثرا في جمهوره الطبيعي وإقليمه العربي! أى مستقبل لقنوات فضائية وصحف خاصة، لم تعد تقدم سوى "التعبئة العامة" أو الصراخ دون توقف، محكومة بشبكة مصالح اقتصادية وسياسية، متناقضة إلى حد كبير. وإذا كان ذلك مفهوما فيما يخص الاعلام الخاص، فماذا ينتظر إعلام (الخدمة العامة)، الذي تدير له الدولة ظهرها، وكأنه "خيل حكومة" آن أوان التخلص منه.
أمام هذا المشهد، يقف المهمومون بأوضاع المهنة وصناعها وخبرائها، يراقبون بحذر يصل لدرجة "الفزع"، من مستقبل يحمل للاعلام المصري تدهورا حادا إذا لم يبدأ الاصلاح من اليوم وليس غدا. حسنا فعل النادي الاعلامي الدنماركي بالقاهرة، بتخصيص جلسة نقاش شهر فبراير، عن "مستقبل الاعلام المصري"، وهو النقاش الغائب عن شاشات الفضائيات وصفحات الصحف، رغم أنها أول المعنيين ببلورة رؤية واعية لمواجهة تحديات مهنة وصناعة الاعلام بشقيه "الفضائي والصحفي".
صحيح أن التساؤل الرئيسي في الجلسة كان عن مستقبل الاعلام المصري، لكن ماضي وواقع الاعلام، حضرا في آراء المتحاورين. ورغم أن الحوار مركز على الاعلام، لكن السياسة والأمن القومي وعوارض الانقسام والاستقطاب المجتمعي فرضت نفسها بقوة.
في خلفية النقاش، برزت محاور عدة أهمها: التغيرات التي طرأت على ملكية قنوات فضائية خاصة، واندماج بعضها، وبروز كيانات "صحفية وتلفزيونية" جديدة، واحتدام المنافسة بينها، ما طرح سؤالا كبيرا "هل هي منافسة حقا.. أم مجرد تعدد نوافذ لمنزل واحد، أحدها يغني عن الآخر؟. وفي المقابل، كيف يمكن تحويل إعلام (الخدمة العامة) إلى نمط ناجح في تحقيق رسالته؟.
كصحفي، ألمس بيدي وأرى بعيني تحديات هائلة تواجه مهنة الصحافة، وتنسحب بالطبع على الاعلام برمته، لكني وغيري لا نلمس جهودا واضحة لدرء الخطر القادم، ولا أكون متشائما إذا قلت إن الخطر، من شأنه تحويل الاعلام المصري إلى "أطلال" تثير الحسرة والبكاء على الورق المطبوع، وعلى الشاشات التي تجاوزها الزمن، ولم تعد قادرة على التأثير والمنافسة.
في حديث الصحفيين الكبار والاعلاميون والخبراء الذين شاركوا في النقاش، محاولات لتفكيك عُقد الأزمة المتشابكة، لكنهم أضافوا بتلك الاضاءة أحمالا جديدة على كاهل المهموم بمستقبل الاعلام، أصعبها، مثلا، "المرارة" في توقع انهيار منظومة كبرى مثل "ماسبيرو" بعد عقود من الاشراق، نسفتها عقود الفساد والاهمال.
تحدّث إلى أى من رموز أو أبناء "ماسبيرو"، تستشعر، على الفور، أثر هذه المرارة في حلقك أنت.في انهيار "ماسبيرو" وتأثيراته الخطيرة على الاعلام، وبروز مشروعات إعلامية إقليمية ينسحب البساط من تحت أقدام الاعلام المصري بطريقة مفزعة، وتفقد مصر أحد روافد قوتها الناعمة.
يتصل ذلك مباشرة بجرس الانذار المخيف الذي دقه الكاتب الكبير عبدالله السناوي، في حديثه بالجلسة، عندما ربط أزمة الاعلام بقضايا الأمن القومي، إذ يحدد الكاتب، يوليو المقبل، موعدا لانفجار أزمة كبرى، حال تعثر مفاوضات مصر ممثلة في شركة "نايل سات" مع قطر ممثلة في قمر "سهيل سات" المحتكر لحقوق بث بطولات الرياضية الكبري، والمتحالف مع "عرب سات"، ما يضرب "القمر المصري" في مقتل، أو يضطره لقبول شروط "تحميل قنوات من القمر القطري على نايل سات"، وهو "لعب بالنار" بلا شك.
ومن حديث الكاتب الصحفي محمود مسلم، اتضح كثير من تحديات الصحافة الورقية والمنافسة مع الصحافة الالكترونية، وغياب المهنية، وأزمات صناعة الصحف التي طالت الطباعة والتوزيع، متأثرة بتدهور الاقتصاد.
لم يقل منسوب الخطورة كذلك في حديث الدكتور ياسر عبدالعزيز، خبير الاعلام، الذي حدد مصيرين مخيفين لإعلام "الخدمة العامة"، بالموت منزوياً كالأسد العجوز، أو برصاصة في الرأس على طريقة "خيل الحكومة"، ولتفادي المصيرين، يقترح الاختيار الطوعي لمصير الصقر الذي يضرب منقاره في الصخر لينمو له منقار أقوى، وينتف ريشه لتخفيف وزنه والتحليق عاليا، وذلك بتطبيق سياسات تجعل مؤسسة إعلام الخدمة العامة أكثر رشاقة وأقل إنفاقا، والأهم توافر إرادة سياسية لتطبيق هذه السياسات. أما ألبرت شفيق، رئيس "اكسترا نيوز" فوضع يده على أزمة سماها "حيرة البيزنس"، التي ترتب على صناع الاعلام عبء تقديم محتوى جيد، بجانب القدرة على حصد إعلانات كمصدر وحيد لموارد الفضائيات الخاصة.
حالة الحوار البناء التي استضافها النادي الاعلامي، تحتاج إلى التعميم، وأن يبحث الصحفيون والاعلاميون والخبراء، عبر المؤسسات والنقابات والهيئات والجمعيات العمومية، عن مخرج للأزمة التي نواجهها جميعا، وتهدد بقاء الأقلام والميكرفونات بأيدينا في السنوات المتبقية من أعمارنا.