عملية تحرير الموصل وجراح العراق
- إخلاء منازلهم
- إقليم كردستان
- إلى متى
- استعادة السيطرة
- الأرقام الرسمية
- الأمم المتحدة
- الإرهاب والتطرف
- البنية التحتية
- آليات
- أبنية
- إخلاء منازلهم
- إقليم كردستان
- إلى متى
- استعادة السيطرة
- الأرقام الرسمية
- الأمم المتحدة
- الإرهاب والتطرف
- البنية التحتية
- آليات
- أبنية
العراق يخوض حرب التحرير بمجتمع يخرج يومياً فى إضرابات واعتصامات احتجاجاً على الفساد والطائفية.. الأرقام الرسمية للنازحين تتجاوز 3.6 مليون، يواجهون كوارث إنسانية جراء نقص الرعاية.. خلافات داخل البرلمان حول سداد مخصصات «الحشد الشعبى»، رغم سعيه لتصدير شعارات طائفية لمعركة وطن ومستقبل أمة.. أزمات مع إقليم كردستان حول المخصصات المالية لـ«البيشمرجة»، التى رفضت بغداد دفعها بسبب امتناع أربيل عن بيع نفطها عبر المؤسسات العراقية.. مخاوف الطائفة السنية من أن تصبح معركة تحرير الموصل بداية عقاب طائفى للعشائر والقبائل التى هادنت «داعش» نكاية فى حكومة المالكى.. ناهيك عن الأزمات السياسية المزمنة.
رغم جراحه الدامية حشد العراق لمعركة تحرير الموصل قرابة 100.000 مقاتل، تضمها ستة تشكيلات مسلحة؛ قوات مكافحة الإرهاب التابعة للجيش، الشرطة الاتحادية، الشرطة المحلية، الرد السريع، «حرس نينوى»، و«البيشمرجة» الكردية.. المعركة بالنسبة للعراق تعنى الكثير، فهى تمثل تجاوزاً لأكبر قضايا خيانة الأوطان فى التاريخ المعاصر، وبداية لمرحلة مواجهة مصيرية مع كل ما ترتب عليها من نتائج.. معركة طويلة، بدأت 24 مارس 2016، واعتمدت على سياسة «القضم التدريجى للأرض».. استعادة السيطرة على حزام القرى المحيط بالمدينة استغرقت سبعة شهور، لم تكتف «داعش» بتأمينه اعتماداً على عناصر التعطيل التى زرعتها، إنما اعتمدت على توجه لدى السكان المدنيين كشف عنه المسح الذى أجرى بالقرب من حمرين بعد تحريرها أكتوبر 2016، والذى عكس قناعة عامة بأن بعض جوانب الحياة كانت أفضل تحت حكم «داعش» مما كانت عليه قبل ذلك، خاصة فيما يتعلق بالأمن ونظام المحاكم!! افتقاد الحكم للرشادة هو الحاضنة الطبيعية لنمو الإرهاب.
اقتحام مدينة الموصل نفسها لم يبدأ سوى 31 أكتوبر، واقتصر على الساحل الأيسر، تسمية الموصل جاءت من وصلها بين ضفتى نهر دجلة، الذى يشقها لنصفين، الساحل الأيسر والساحل الأيمن، تربطهما خمسة جسور رئيسية، داعش نشرت ما يزيد على 650 سيارة ملغومة منذ بدء العملية، التحالف الدولى عدَّل حملته الجوية لاستهداف معامل التفخيخ، وإحداث صدوع بالطرقات لتبطىء حركة الانتحاريين بما يسمح للقوات البرية بتدميرهم، ما اضطر التنظيم للتسرع فى عمليات التجهيز، على حساب الفاعلية.. غارات الطيران تمكنت من اقتناص 15 من قيادات «داعش» بينهم المدعو أبوعباس أكبر الزعامات بالموصل، وأبوطه مسئول السجون، وأبوحمزة الأنصارى من الجزائر، ومحمود شكرى النعيمى «الشيخ فارس»، «داعش» حاولت تخفيف الضغط على مقاتليها بالهجوم على تكريت والرطبة، لفتح جبهتين بالمحورين الأوسط والغربى، إلا أن العراق تمكن من احتوائهما، واستكمل تحرير الساحل الأيسر نهاية يناير 2017.
العقبة الرئيسية التى واجهت تحرير الموصل هى توقع مفوضية شئون اللاجئين نزوح مليون من سكان المدينة، نتيجة نقص الخدمات الأساسية وانقطاع المياه، وعجز مواد الإغاثة، وعمليات القصف من القوات المهاجمة، والقنص من عناصر «داعش»، فى الوقت الذى تكتظ فيه معسكرات الإيواء، ولا تحتمل المزيد.. العراق واجه الأزمة بدعوة سكان المدينة للبقاء بمنازلهم.. حل مثالى أدى لاقتصار الأعداد على 200.000 نازح، وعجل بفرض الأمن فى الساحل الأيسر، ليعيد 50.000 لمناطقهم المحررة، كمقدمة لإعادة الباقين، وحصيلة ذلك أن الأضرار التى لحقت بالبنية التحتية فى الموصل جراء المعركة أقل بكثير من تلك الناتجة عن معارك التحرير السابقة، مثل معركة الرمادى العراقية أو كوبا كوبانى السورية، ما يعكس حقيقة أن معظم المقاتلين وعائلاتهم يقطنون المنطقة، وعدم إجلائهم فرض الحرص على الجميع، لعدم توسيع دائرة الخراب والدمار والأعمال الانتقامية، حرصاً على أنفسهم.
الهجوم العراقى عمق الشقاق داخل «داعش».. الجناح الممثل للمقاتلين العراقيين فضل الانسحاب، خاصة بعد هروب أفواج المقاتلين الأجانب والعرب لسوريا، ووجود فرص للاختفاء وسط المدنيين، والاحتماء بالعشائر.. خطباء المساجد دعوا للانسحاب صراحة منتصف أكتوبر «من أراد الدولة الإسلامية والخلافة عليه أن ينسحب معنا»، انهيار أقوى دفاعات التنظيم بالساحل الأيسر أمام تقدم القوات العراقية عزز رؤيتهم، ودعاهم للهروب للساحل الأيمن، وأدى إلى أن تدب حالة من الفوضى وانسحابات بالجملة، وهروب العشرات من المقاتلين بعد إخلاء منازلهم والانتقال بسيارات إلى أطراف الموصل باتجاه الطرق المؤدية لسوريا، ما دعا «البغدادى» زعيم «داعش» إلى استنكار الانسحاب وعمليات الهروب الجماعى فى نوفمبر «احذروا أن يستذلكم الشيطان بانحياز عن أرض، أو انسحاب من ثغر.. إن ثمن بقائكم فى أرضكم أهون ألف مرة من ثمن انسحابكم عنها بذلكم».
المشكلة أن خوض الحرب وسط مدن تكتظ بالمدنيين فرض على العراق الاعتماد على قوات مكافحة الإرهاب، التى دربتها أمريكا 2013 لتنفيذ العمليات الخاصة، بحكم قدرتها على مواجهة مقاتلى «داعش» دون اعتماد على التمهيد النيرانى، بالمدفعية أو الطيران، لكن المفخخات والقنص عرضها لخسائر فادحة، بعثة الأمم المتحدة للمساعدة رصدت 1959 شهيداً خلال نوفمبر، المستشار السابق للقوات جنرال متقاعد ديفيد ويتى من القوات الخاصة الأمريكية روى «سمعت عن نسبة تتراوح بين 20% إلى 35% من الخسائر فى صفوف قوات مكافحة الإرهاب.. هذا رقم عالٍ بالنسبة لوحدة نخبوية من ذلك الحجم.. لا أعرف إلى متى تستطيع الاستمرار فى ذلك؟!.. لم يتم تصميم هذه القوات أبداً للخروج وتطهير الضواحى».. رغم نفى الجيش لمعدلات الخسائر المنشورة، إلا أن استمرارها قد يؤئر على معدلات تقدم القوات، نظراً لصعوبة تعويض عناصر النخبة، وعدم قدرة عناصر التشكيلات الأخرى على القتال بنفس القدر من الكفاءة فى تلك الظروف.
معركة الساحل الأيمن ستكون أكثر صعوبة، «داعش» استبقتها بحملة اعتقالات واسعة احتجزت فيها العشرات بتهمة التعاون مع القوات العراقية، وآخرين لرفضهم التعاون مع التنظيم.. المنطقة أكثر اكتظاظاً بالسكان، ما يعوق الاعتماد على القصف المدفعى أو الجوى، وهى مركز لتجمع معظم الأبنية الحكومية، شوارعها القديمة مجرد أزقة لا تسمح بحركة الآليات العسكرية، والحديثة أغلقتها «داعش» بالعوارض الأسمنتية والأنقاض، وزرعت فيها العبوات الناسفة، وعززت شبكة الأنفاق لشن الهجمات المباغتة، ومعدات التفخيخ وتصنيع الأسلحة سحبتها من الساحل الأيسر قبل تعطيل الجسور.. عندما رصدت أقمار التجسس قوافل «داعش» وهى تتجه بسياراتها هاربة من الموصل لسوريا، تنفس البعض الصعداء، لأن ضريبة التحرير لن تكون مرتفعة، ولكن مع بداية المعركة أدرك الجميع أن لـ«داعش» قرابة 10.000 مقاتل من أهل نينوى، معظمهم تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً.. لن نكسب المعركة ضد الإرهاب والتطرف الدينى دون حرب شاملة تجتاح العقول، قبل التحصينات، فهل نحن قادرون على خوضها؟!