الأزمة الاقتصادية والصناعة المحلية

لا شك أن الأزمة الاقتصادية التى تمر بها مصر الآن خانقة للغالبية العظمى من الشعب المصرى، وتحولت إلى أزمة مؤلمة للطبقة الوسطى التى كانت تصارع للبقاء عند حد الحياة الكريمة، فأصبحت تصارع الانزلاق فى دائرة الفقر، أما الطبقات الفقيرة فقد تحول الكثير منها إلى الفقر الشديد، ومن المؤلم حقاً غياب المعلومات أو الثقة فى نجاعة هذه القرارات الاقتصادية، أو كونها أزمة لا بد منها فى طريق الرخاء، أو علاج مر يجب تحمله فى طريق الشفاء الاقتصادى.

فالخطاب المعلب حول الأزمة الاقتصادية التى نتجت عن مشكلات وتراكمات الماضى أو الزيادة السكانية أصبح خطاباً مستهلكاً وغير مقبول، حيث استخدم هذا الخطاب نظام مبارك بكثرة حتى إنه لم يعد مقبولاً أن يستخدمه أحد سيما فى وجود خطاب مضاد حول الفساد وسوء التوزيع للثروة.

لذا لم يعد الخطاب حول الأزمة الاقتصادية والتقشف والتعويم يلقى قبولاً فى ضوء سفه الإنفاق فى العديد من الجهات الرسمية واقتصار خطاب التقشف على فئات من الموظفين دون غيرها، وزاد الطين بلة شراء سيارات فارهة لشخصيات رسمية فى تصرف فى غير وقته وغير موضعه، فعند الحديث عن الأزمة والتقشف يجد الناس مرجعية لتصرفات قادة مصر الذين مروا فعلياً بأزمات، حيث يتم استعادة خطاب وتصرفات جمال عبدالناصر من إصراره على ارتداء ملابسه من إنتاج المحلة إلى استخدام المسئولين سيارات النصر محلية الصنع، مقارنة ذلك بما يحدث الآن تجعل أى خطاب رسمى حول الأزمة والتقشف غير موثوق فيه مهما كان صادقاً.

فقد انقسم الناس إلى فريقين اقتصاديين، فريق يشكل أقلية شديدة يرى أن ما يحدث رغم قسوته علاج مهم للاقتصاد سوف يؤتى ثماره فى وقت ليس ببعيد، وفريق يتشكك فى ذلك، ويرى أن ما يتم هو اتخاذ قرارات عشوائية تفتقد الرؤية وتدخل فى إطار التجريب لمجموعة من الهواة فى إدارة الاقتصاد، ويدعم هذا الفريق تصريحات مسئول فى البنك الدولى بأن الانخفاض الكبير فى الجنيه فاق توقعاتهم.

فى ضوء هذا الواقع الملىء بالغيوم منعدم الرؤية تظهر إشارة ضوء وهى اتجاه المصريين على المستوى الشعبى إلى البحث عن حلول بديلة فى كافة المجالات، ما ساهم مباشرة فى صالح شركات وطنية تم التآمر للقضاء عليها، ففى مجال الغذاء والمشروبات بدأ الإقبال على المنتجات المصرية رغم سوء التعليب وفقر شبكة التوزيع، وهنا لا بد من الإشادة بدور الإعلام المحترم الذى يدعم هذا الاتجاه وفى الصدارة القديرة صانعة السعادة «إسعاد يونس» التى قدمت ودعمت الكثير من الصناعات المصرية.

أيضاً فى مجال الأثاث بدأ الاتجاه يعود مرة أخرى للأثاث المصرى الذى كاد أن يختنق تحت وطأة الأثاث التركى والصينى والسويدى الذى رغم كل عيوبه وقلة متانته تحول إلى طلب أساسى للمصريين الذين وقعوا تحت تأثير المسلسلات التركية.

والمبشر أيضاً انتعاش الصناعات اليدوية وعودتها للمناطق السياحية، لنجد مرة أخرى تماثيل الطين الأسوانى والألباستر كهدايا تذكارية لمن يريد من المصريين والعرب والأجانب حمل قطعة مصرية من منطقة زارها وأحبها، فقد عادت مرة أخرى الصناعات المصرية تتصدر الأرصفة وأرفف البازارات فى الأقصر وأسوان وشرم الشيخ والغردقة، لتحل محل رأس نفرتيتى التى صنعت فى الصين.

لقد بحث المصريون عن البديل دون تخطيط أو إدارة مركزية، فهل للحكومة دعم هذا التوجه لتأكيد الفريق المتفائل من المصريين، أم ستستمر فى التخبط للتأكيد أن ما يتم ليس سوى عبث من هواة اقتصاديين.