ساحات الشحن والتفريغ: حكايات وهموم الحمّالين فى الغربة

كتب: أحمد عصر وصلاح عبدالله

ساحات الشحن والتفريغ: حكايات وهموم الحمّالين فى الغربة

ساحات الشحن والتفريغ: حكايات وهموم الحمّالين فى الغربة

مع بداية فجر كل يوم جديد، يخرجون من سكنهم فى مجموعات، متجهين إلى بوابة الركاب فى ميناء سفاجا البحرى، فيبرز كل منهم تصريحه الشهرى أو السنوى لدخول الميناء، ليتجهوا بعد ذلك إلى ساحات الشحن والتفريغ، حيث تنتظرهم شاحنات ضخمة، امتلأت عن آخرها بالأثاث المقبل من دول الخليج ويمتلكها مصريون، فى انتظار خضوعها لمراحل التفتيش والجمرك المختلفة، ليقوموا هم بعملية إنزاله من الشاحنات وتغليفه وشحنه مرة ثانية بعد انتهاء الإجراءات.

«شريف عيد»، شاب عشرينى ترك مسقط رأسه منذ شهور قليلة مضت قاصداً مدينة سفاجا، حيث العمل الذى يعود عليه بالرزق الذى يكفيه هو وزوجته وأمه: «سايب زوجتى فى المنصورة عشان هيبقى من الصعب أجيبها معايا لأن ظروفى هنا متسمحش».

{long_qoute_1}

يسكن «شريف» مع مجموعة من زملاء عمله فى شقة مجاورة للميناء توفيراً للنفقات حتى يتمكن من إرسال ما يمكن إرساله إلى أسرته الصغيرة التى تركها خلفه ولا يعلم متى تحديداً يعود إليها: «مفيش مواعيد معينة بروّح فيها بيتى، الشغل هو اللى بيحكم عليا هسافر إمتى، يعنى مثلاً ممكن أقعد هنا 15 يوم وممكن أقعد شهر لو الدنيا موسم والشغل كتير».

ووسط مجموعة من العمّال، وقف الأربعينى «ربيع عبدالله» يقسّم مهام العمل بين من يشرف عليهم من العمال، حيث يقسم العمّال إلى مجموعات يكون لكل مجموعة منها مشرف، مع مراعاة المساواة فى المقابل المادى للجميع: «كلنا متغربين عشان القرش»، حسب قول «ربيع» الذى جاء من محافظة الفيوم منذ أكثر من 18 عاماً مضت للعمل فى هذا المجال تاركاً أسرته ولا يعود إليها إلا فى نهاية كل شهر بضعة أيام: «أصعب ما فى شغلانتنا دى إنها شغلانة عتالة وأغلب اللى شغالين فيها بيجيلهم غضاريف من الشيل والحط، والمشكلة بقى إن العامل مبيكونش متأمن عليه ولا ليه معاش وبمجرد ما بيقعد مبيلاقيش اللى يصرف عليه، وأكبر حاجة ممكن تتعمل له إن زمايله يلموا له فلوس قبل ما يرجع على بلده تانى».

«شغلانة يوم بيوم»، حسبما وصفها «ربيع»، يخرجون من بيوتهم صباحاً ولا يعرفون بكم من النقود سيعودون: «ممكن تيجى فترة يكون فيها كل يوم شغل ومش عارف تريح من كتره، وممكن تيجى فترة تانية تشتغل يوم وتريح قصاده 5 أيام تانيين»، متابعاً: «الدنيا كلها متعبة ومفيش شغل مريح وناس كتير بتبص للشغلانة بتاعتنا دى على إنها صعبة، بس هو الموضوع تعود وبمجرد ما اتعودت عليه بيكون سهل معاك بعد كده، وغير كده إحنا لازم نشقى عشان نعرف نعيش».

وأمام شاحنة أخرى ووسط محتويات الشاحنة من الأثاث التى تم تفريغها على الأرض، جلس «محمود بدران» الشاب الثلاثينى يلتقط أنفاسه، ليشير إلى أنه من مواليد البحر الأحمر ولكنه غريب الأصل، حيث هاجرت أسرته محافظة قنا قبل مولده وجاءت إلى مدينة سفاجا حيث الميناء من أجل العمل، يقول «محمود»: «أنا شغال فى الميناء من قبل عبارة السلام 98 ما تغرق، وكان وقتها الشغل كتير والفلوس أكتر لأن الميناء كان فيه حركة كبيرة، وكانت أقل عبّارة بتدخل الميناء بتكون محملة 30 أو 40 عربية فيها بضاعة وعفش، إنما بقى لنا فترة كبيرة جداً العبارة لو دخلت الميناء وهى محملة 5 أو 6 عربيات بنحمد ربنا».

ليس هناك وقت محدد للانتهاء من تفريغ الشاحنة وشحنها مرة أخرى، حسبما أشار «محمود»، فهم مقيدون بإجراءات التفتيش التى يجب أن تنتهى حتى يبدأوا هم المرحلة الأخيرة من عملهم المتمثلة فى شحن البضاعة مرة أخرى: «ممكن نفضل شغالين لحد الساعة 12 بالليل، لأن العربية طالما بدأنا فيها شغل مينفعش نمشى إلا لما نقفلها تانى».


مواضيع متعلقة