عاتبنى كثير من الزملاء والأصدقاء العاملين فى ماسبيرو، على اقتراحى فى المقال السابق بإغلاق المبنى، وتحدثوا بأدلة قوية عن تخريب ماسبيرو لصالح القنوات الخاصة والأجنبية، وأن ما يجرى لاتحاد الإذاعة والتليفزيون شبيه بتخريب القطاع العام لصالح القطاع الخاص والأجنبى.
فى المقابل رحب البعض بما كتبته، وحتى أوضح موقفى، فأنا مع تطوير ماسبيرو، لكن إذا لم يتحقق ذلك.. فالأفضل لدافعى الضرائب ولمكانة مصر بعد الثورة أن نغلق ماسبيرو. والتطوير الذى أقصده هو إلغاء ودمج كثير من الإذاعات والقنوات التى لا جمهور لها، بحيث يصبح ماسبيرو أقل وأصغر، لكن أكثر فاعلية وتأثيراً، وقدرة على الحركة والتطوير ومجاراة التطور السريع والمتلاحق فى تكنولوجيا الاتصال وصناعة الإعلام، وبالتالى يكون قادراً على المنافسة والحفاظ على ما تبقى من القوة الناعمة لمصر.
أما الإبقاء على ماسبيرو بحجمه وخسائره الضخمة، وفى ظل الوزير الإخوانى، فإن معناه تحويل ماسبيرو إلى آلة دعائية ضخمة لأخونة المجتمع والدفاع عن سياسات الحكم الإخوانى وتبرير فشله فى إدارة الدولة، أى الإبقاء على الدور التاريخى سيئ السمعة لماسبيرو باعتباره جهازاً حكومياً دعائياً منذ إنشائه وحتى رحيل مبارك. والمؤكد أن كثيراً من العاملين فى ماسبيرو والصحف القومية تعلموا وتربوا على طاعة الرئيس وحكومته، أياً كانت توجهاته، وبالتالى فهم مستعدون للعمل مع الإخوان أو غيرهم، والترويج لسياساتهم، تماماً كما كانوا يفعلون أيام مبارك. والمشكلة فى هذا النهج أنه يتناقض والحد الأدنى من الالتزام بالقواعد المهنية والأخلاقية التى تنص عليها قواعد العمل الإعلامى الاحترافى ومواثيق الشرف، بعبارة أخرى من المقبول أن يعمل الإعلامى فى قناة وينتقل مثلاً لقناة أخرى لها سياسة وتوجهات إعلامية مختلفة، لكن عليه فى القناتين الالتزام بالقواعد والمعايير المهنية والأخلاقية للممارسة الإعلامية.
الاحتراف الإعلامى لا يعنى التطبيل أو التزمير لرئيس، أو صاحب قناة أو صحيفة والدفاع عن مصالحه، وإنما يعنى مراعاة الدقة والتوازن فى نشر الأخبار والآراء واحترام حقوق المواطنين فى الاتصال، والالتزام بمواثيق الشرف الإعلامى، وأعتقد أن المعايير المهنية والأخلاقية فى الإعلام كفيلة بمنع تحويل الإعلامى المحترف إلى بوق دعائى، وحماية استقلال الإعلام وحريته، وللأسف لم يتدرب أغلب الإعلاميين فى ماسبيرو وفى القنوات الخاصة على هذه المعايير والقواعد، والأهم أنهم لم يمارسوها، ما يعنى فى النهاية انحراف الإعلام المصرى عن رسالته ودوره النقدى والرقابى، وتحويله إلى أداة للصراع السياسى بين النخب الفاشلة سواء فى الحكم أو المعارضة.
ولا يتحمل الإعلاميون وحدهم مسئولية تدهور مستويات أداء الإعلام، وتخليه عن دوره النقدى، لأن هناك سياسات وقوانين سيئة وأوضاع موروثة، تحتاج إلى مراجعة وتغيير شامل، والأهم امتلاك رؤية شاملة لتطوير ماسبيرو، وتحويله من إعلام حكومة إلى إعلام مجتمعى يعبر بتوازن وإنصاف عن كل مكونات المجتمع. وقناعتى أن الإعلام السمع بصرى الخاص والأجنبى لا يمكن تحصينه من تغول رأس المال وسطوة الإعلانات وهيمنة بعض الدول الأجنبية، صحيح أنه يتقدم عن ماسبيرو ويحظى بنسب مشاهده عالية، وبالقسط الأكبر من الإعلانات، ومع ذلك لا توجد فرصة حقيقية لتحويله إلى إعلام مجتمعى، خاصة فى ضوء تراجع مستويات أغلب القنوات الخاصة وتحولها إلى أداة هدم وتفتيت فى نسيج الوطن، بعد أن ظهرت قنوات دينية إسلامية، وأخرى مسيحية، ثم هناك فيض من قنوات الإثارة والترفيه، إذن لا بديل عن تطوير ماسبيرو، بحيث يعتمد على تمويل دافعى الضرائب، ويعمل مستقلاً عن الحكومة، شرط إصدار تشريعات تحفظ لماسبيرو استقلاله المالى والإدارى والسياسى.