من "أرض التيه".. هل تسمعني؟

عينان تلمعان أمام عين من الجنة تجري، هما لشاب وقف أخيرًا يحاسب نفسه تحت سماء تزينت بالألوان، بقلب ليس سليما يبحث عن فرحة، ما أجمل أن ينطبع فيه الجمال والدهشة!.

 يتذكر أياما جرت كجريان الماء في العين، وتدفق الخمر في فمه، هذا عام جديد يمضي!.. حان اللقاء، يسمع كلمات كأنها تسابيح الحجر "كل متوقع آتٍ.. وكل معدودٍ منقضٍ" (الإمام علي بن أبي طالب).

صور سريعة أظهرتها "نيران اللهو" كحبات رمل تحت الماء، بإمكانه الآن رؤية طفولته بين 6 كانوا بجانبه، أين هم الآن؟ لا أحد وقد كان يقول "يكفيني هو"، ويلمح يوم أن شبّ عن الطوق، فيصرخ باسم الله العدل وباسم الله الحق، فيتبعه كثيرون لم تبق منهم إلا شواهد قبورهم، فيردد "له الأمر"، ويرفض قلبه أن يتذكّرها فيؤمن بأنه أبدله خيرا منها.

وبعد سنوات هو الآن وحيدا يعري جروحه أمامكم، أخذته الدنيا نسي الله فأنساه نفسه، أدخله "أرض التيه"، حيث عالم ضبابي من الطرق المتعرجة التي كانت تنتهي دائما إلى جرف هار، لا ماء ولا هواء، عالم مرتجف في الليل، غابت شمسه في النهار، إذا أخرج يده لم يكد يراها، وينظر حوله، وهل في التيه بصر؟.. تجره الأهوال جرا وتطرحه هنا وهناك، يفقد الأحبة بلا حزن، يدفنهم بيديه ولا يفزع، يخطئ بلا توبة، يبكي مرتجفا يفقد البوصلة!.

الآن يقف صامتا يبحث في السراب عن "صوت" طالما أحاط به كـ"هالة من السماء"، يوجهه للخير للصبر للحق للعدل ويبعده عن حبال الشر، لكنه لم يعد يسمعه، أتراه كان وهما!!.

يقول: كنت أسمع ربي في خطواتي.. الصوت الآن توقف عن الحديث إليّ، وكأنه كان يحبّني كثيرا ثم كره، كان سمعي الذي أسمع به، وبصري الذي أبصر به، يدي التي أبطش بها، رجلي التي أمشي بها، آه يا نفس.. ماذا فعلت؟.

يا رحمن خشع قلبي إليك فهل أسمع همسا؟.. "هل خشع قلبي لك حقا"؟.. ينظر حوله.. يقلب وجهه في السماء في الماء، يارب إشارة تعيدني إليك، تنطفئ الزينة وتسقط الزجاجة.