بناء الكنائس: الأزمة مستمرة

كتب: مصطفى رحومة

بناء الكنائس: الأزمة مستمرة

بناء الكنائس: الأزمة مستمرة

دار الزمن وتبدّلت العهود، وتغيّرت الوجوه، وظل أنين الأقباط كما هو موجود صداع كل العصور، مشكلاتهم المستعصية على الحل لا تنفع معها المسكنات أو الإجراءات الوقتية، حتى القوانين المنصفة لهم تصطدم بالروتين والبيروقراطية المميتة فى الدولة، وإن ظلت مشكلة الفتن الطائفية هى المشكلة القبطية المزمنة، التى تحتاج إلى تفعيل القانون وتغيير الثقافة المجتمعية وتكريس ثقافة قبول الآخر. وإلى جانب الفتن الطائفية، توجد مشكلة التمييز السلبى ضد الأقباط من الدولة، وكذلك التمييز الاجتماعى، وعدم تفعيل القانون واللجوء إلى عقد الجلسات العرفية لإنهاء القضايا الطائفية التى يهضم فيها حقوق الأقباط، ورغم الإيجابيات التى شهدها الأقباط فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكن ينظر بعض الأقباط إلى وجود تمييز ضدهم فى تولى المناصب العليا بالدولة، وأن قانون بناء وترميم الكنائس الذى صدر مؤخراً لم يُنهِ تلك الأزمة المزمنة أيضاً.

{long_qoute_1}

يرى إسحق إبراهيم، مسئول ملف حرية الدين والمعتقد فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن مشكلات الأقباط لها جانبان، الجانب الأول فى وجود تمييز من الدولة، والجانب الثانى هو تمييز اجتماعى فى عدة مجالات من أهمها التوترات والعنف الطائفى، وهذا يرجع إلى أسباب لها علاقة ببناء الكنائس وعدم تطبيق القانون فى العنف ضد الأقباط واللجوء إلى الحلول العرفية.

وأضاف «إسحق»، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن قانون بناء وترميم الكنائس الذى صدر مؤخراً بعد مناقشته فى البرلمان، لن يحل مشكلات بناء وترميم الكنائس، بل إن مشكلات بناء وترميم الكنائس ما زالت مستمرة بعد صدور القانون الذى يصفه «إسحق» بأنه إعادة إنتاج لشروط «العزبى باشا» التى تعيق بناء الكنائس، والتى صدرت فى ثلاثينات القرن الماضى. وتابع «إسحق» أن الأمثلة واضحة على التعنّت الحكومى ضد الأقباط فى موضوع بناء وترميم الكنائس، وآخرها وقف البناء فى مبنى خدمات بمدينة السلام فى محافظة القاهرة، رغم أنه تم تقديم طلب ترخيص البناء منذ ثلاث سنوات، ولم يصدر حتى الآن.

ويواصل الباحث الحقوقى فى الشأن القبطى، أنه فى نهاية نوفمبر الماضى تم الاعتداء على منازل أقباط وحرق مضيفة تقام فيها الصلوات الدينية، وعقدت جلسة لـ«بيت العائلة» الذى يضم الأزهر والكنائس المصرية، وتم خلاله الاتفاق على وقف الصلاة فى المضيفة، فهل بعد هذا نتوقع خيراً من القانون الصادر حديثاً؟

ويقول «إسحق»: «هل يُعقل أن تُنظم مظاهرات داخل مدرسة فى مدينة بنى مزار بمحافظة المنيا، اعتراضاً على تعيين مديرة مدرسة مسيحية، وبدلاً من قيام وزارة التربية والتعليم بالدفاع عن قرارها استجابت للأصوات المتشدّدة وألغت قرارها».

ويوضح الباحث فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الدولة تملك الحل لمشكلات الأقباط بوضع حلول جذرية لأوجه التمييز، أولاً بإقرار مفوضية التمييز عن طريق البرلمان، مع تشديد العقوبات على القائمين عليه والمستفيدين منه، وأن تقدم الدولة نموذجاً فى هذا الصدد بمحاربة التمييز بدلاً من الاستجابة إلى المتشدّدين، كذلك على الدولة أن تُعدل قانون «بناء وترميم الكنائس» عبر تسهيل إجراءات البناء والترميم، وأن تُقنّن الكنائس التى تقوم بها الشعائر الدينية فوراً ودون تعقيدات إدارية وأمنية، فضلاً عن قيام الدولة بدورها والإصرار على تطبيق القانون وعدم استخدام الجلسات العرفية بدلاً من القانون.

ويقول مينا ثابت، مدير ملف الأقليات الدينية بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات: إن واقع المسيحيين لم يتغير كثيراً عن ذى قبل؛ مشيراً إلى أنه حتى الآن يواجه المسيحيون أزمات تتعلق فى الأساس بالتمييز والفرز الطائفى؛ فخلال عام 2016 وقع ما يزيد على 10 أعمال عنف طائفى على الأقل، وجاءت ردود الفعل على نحوٍ مشابه لردود الفعل المعتادة من قبل؛ من حيث الاعتماد على الحلول والمقاربات العرفية وتنحية دور القانون، وإفلات الجناة من العقاب.

ويؤكد «ثابت»، فى تصريحات لـ«الوطن»، أن السلطات المصرية لم تتخذ ما يلزم من إجراءات لمقاومة جذور ظاهرة التطرّف والطائفية، بداية من إعادة هيكلة منظومة التعليم واستحداث مناهج تعليمية تُرسّخ ثقافة التعددية وقبول الآخر، مروراً بتفكيك الحواضن الاجتماعية والثقافية التى تساعد على نمو التطرف والإرهاب، ونهاية بالإصلاح الدينى الضرورى لمجابهة الأيديولوجية الإرهابية، بجانب الحلول الأمنية التى فى الغالب تفشل -وحدها- فى مواجهة الإرهاب، الذى يمثل تهديداً ليس فقط للمسيحيين، ولكن للمجتمع ككل أيضاً.

وأضاف الباحث القبطى، أنه فى الإطار التشريعى بالنسبة إلى الأقباط، فقد ازداد الأمر سوءاً بصدور قانون بناء وترميم الكنائس، الذى جاء على نحو يُرسّخ ويُعمّق ثقافة التمييز الدينى بين المواطنين -حسب وصفه- بجانب أنه وضع إطاراً قانونياً للممارسات القديمة التى كانت تشكل عنصراً رئيسياً من عناصر الأزمات الطائفية فى مصر، كما تم رفض اقتراحات عديدة بشأن إلغاء قانون ازدراء الأديان فى البرلمان، الذى كان من ضمن ضحاياه مؤخراً 4 من الأطفال المسيحيين الذين حاولوا السخرية من جماعة إرهابية.

ويوضح «ثابت»، أن دستور 2014 يبقى المكسب الأهم حتى الآن للمسيحيين؛ حيث تناول الحد الأدنى من الضمانات لحرية الاعتقاد وكفالة مبدأ المساواة أمام القانون، ولمواجهة التمييز وخطابات الكراهية؛ لكن حتى الآن لا يزال غير مفعّل بشكلٍ كامل، كما أنه يمكن أيضاً النظر إلى عدد النواب الأقباط فى البرلمان، فرغم التحفظات العديدة على أداء غالبيتهم، فإنه أمر إيجابى تجاه تفعيل حق المشاركة السياسية للمسيحيين؛ لكن لا يزال هناك خلل وقصور شديد فى نسب التمثيل السياسى للمسيحيين فى العديد من الأجهزة والوزارات والوظائف العامة.

ويشير إيهاب شنودة، المدون القبطى، لـ«الوطن»، إلى أن مشكلات الأقباط تنقسم إلى هموم داخلية مع قيادة الكنيسة وهموم خارج الكنيسة يعانى منها الأقباط، فمن المشكلات داخل الكنيسة مشكلة الأحوال الشخصية «الطلاق والزواج الثانى»، وكذلك الإسراف والفساد المالى والإدارى فى الكنيسة فى ظل سيطرة قيادة الكنيسة على المجالس الملية التى يُفترض أنها تمثل الرقيب العلمانى على التصرفات المالية للكنيسة.

 


مواضيع متعلقة