بريق «القرية الزجاجية» بالدقهلية ينطفئ بارتفاع أسعار الخامات والدولار

كتب: صالح رمضان

بريق «القرية الزجاجية» بالدقهلية ينطفئ بارتفاع أسعار الخامات والدولار

بريق «القرية الزجاجية» بالدقهلية ينطفئ بارتفاع أسعار الخامات والدولار

لمع اسم قرية «جراح» بين أكبر مصنعى الزجاج فى العديد من الدول العربية، إلا أن اسمها غير معروف بين أهل محافظة الدقهلية، فشبابها وفتياتها لا يعرفون سوى العمل طوال النهار، ثم يعودون لقضاء حاجات البيت، والاستعداد ليوم عمل شاق جديد، بعيداً عن الأضواء.

بدأ اسم القرية فى الأفول، بعد أن تحولت من أكبر مصنعى الزجاج، الذى ذاعت شهرته فى الخارج، إلى مستوردين للزجاج، نتيجة الزيادات المستمرة فى أسعار الخامات، وانخفاض أرباح التصنيع، عن شراء الزجاج جاهزاً، والاتجار فيه بعد تلوينه وزخرفته لإعادة بيعه مرة أخرى، ولكن هذه المرة داخل مصر وليس خارجها، كما كان الحال منذ وقت قريب.

{long_qoute_1}

وواجه أهالى القرية ما وصفوها بـ«أكبر ضربة» فى تاريخهم، بارتفاعات الدولار المتصاعدة، وارتباط صناعاتهم بالعملة الخضراء، سواء المواد الخام أو الماكينات والأفران، وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما تسبب فى خروج عدد كبير من المهنة، والبحث عن عمل آخر. ومنذ عقود استطاع أهل قرية «جراح» أن يضعوها على خريطة التصدير العالمية، حيث اكتسبت شهرتها من مصانع الزجاج، وورش زخرفة وتلوين الزجاج، واستطاعت أن تجذب الأيدى العاملة إليها من مختلف القرى والمدن المحيطة بها، كما جاءها العمال من محافظة الغربية المجاورة.

وينتشر فى القرية عدد من مصانع الزجاج، التى لا تفتح أبوابها الضخمة إلا فى أوقات دخول وخروج العمال، أو خروج البضاعة من أبواب أخرى جانبية، كل منهم يحاول أن يبتكر فى صناعته، ليخرج بمنتج ينافس به فى الأسواق العالمية، كما تنتشر مئات الورش الصغيرة، التى يتفنن العاملون بها فى تلوين وتعبئة الزجاج. وبدأت شهرة القرية فى صناعة الزجاج منذ سبعينات القرن الماضى، على يد عدد من أبنائها الذين تعلموا هذه الصناعة فى أحد المصانع المتخصصة، وتمكنوا من أن ينقلوا هذه الصناعة إلى قريتهم، حتى أصبحت تضم نحو 100 ورشة وثلاثة مصانع كبرى. «الحال تبدل، وأصبحنا نستورد الزجاج، بعد أن كنا أول المصدرين له، لأننا أتقنا الحرفة، والآن نستورد الزجاج جاهزاً، ونلونه ونبيعه، بعد أن أصبح التصدير صعباً، وأسعار المستورد أرخص كثيراً من تصنيعه»، هكذا قال محمد رشاد، 65 سنة، من أهالى القرية، وأضاف أن العمل فى صناعة الزجاج بالقرية بدأ عندما تعلم أحد أبنائها الحرفة، حيث بدأ العمل بتصنيع «اللمبة الجاز»، وكانت فى وقتها اختراعاً، واستطاع أن ينقل خبرته إلى عدد من أبناء القرية، وتطورت الحرفة إلى تشكيل الزجاج، وصناعة الأكواب والكاسات وغيرها.

وأضاف «رشاد» قائلاً: «كانت القرية تعمل بنظام دقيق ومحكم، فلا مجال لأى شىء آخر سوى العمل، فالعمال يعملون على 3 ورديات على مدار 24 ساعة، وكل واحد يعرف دوره تماماً، فلا يوجد بالقرية عاطل واحد، ولا تسمع فى شوارعها إلا صوت أفران صهر الزجاج وماكينات النحت والزخرفة وأفران التحميص، واختفت المقاهى والبطالة تماماً، ولا تجد فى القرية فتاة عانساً أو شاباً تأخر فى سن الزواج، فالجميع يعمل ويكسب، وانخفضت معدلات الجريمة بصورة تكاد لا تذكر، كما أن معدلات الفقر كانت منخفضة للغاية، فلم يكن هناك مجال للخلاف بين أهل القرية»، إلا أنه تعجب من الحال الذى وصلت إليه القرية الآن، حيث «أصبح العديد من الشباب يبحثون عن فرصة للعمل خارج القرية، وبعضهم لجأ إلى العمل السهل كسائق توك توك، أو السفر للخارج، وتركوا مهنة من أشرف المهن»، بحسب وصفه.

وعن مراحل تصنيع الزجاج، أوضح «رشاد» أن الإنتاج يمر عبر عدة مراحل، تبدأ بشراء الزجاج من المصانع، سواء داخل مصر أو من خارجها كالسعودية أو الصين، ثم يمر بعد ذلك على ماكينات الحفر و«اللاستر»، ثم مرحلة الرش والتلوين، وبعدها يدخل الفرن فى درجات حرارة عالية لتثبيت الألوان، ثم مرحلة «التطقيم» والتعبئة فى كراتين. أما «السيد محروس»، عامل، فقال: «ازدهرت فى القرية صناعات أخرى، مثل صناعة الكرتون والبلاستيك، وأنشطة النقل والتغليف، وكله يخدم على صناعة الزجاج، حتى إن البعض عمل فى صناعة الفحم، قبل دخول الماكينات الحديثة فى الأفران الكبيرة»، وتابع بقوله: «عملت نحو 20 عاماً فى مصنع للزجاج، بعدها فكرت فى امتلاك ورشة خاصة لنحت وزخرفة الزجاج، فكان لا بد من توفير مكان وأفران ومعدات ورأس مال، وكل ذلك كان صعباً، ففكرت فى الصندوق الاجتماعى للتنمية، ولكنهم طلبوا منى مطالب كثيرة، ووجدتهم فى النهاية يقولون: اتصرف مع البنك، فقمت بعمل جمعية مع بعض الأصدقاء فى القرية، ادخرت فيها فلوسى، وعندما قبضت الجمعية بدأت فى عمل الورشة، التى توفر أكثر من 15 فرصة عمل، وهذه الفرص أوفرها على الدولة والمفروض تساعدنا، لا أن تضع العراقيل أمامنا، ولابد أن يكون هناك مصارحة، وللأسف هناك كثيرون يخافون الحديث عن حجم الإنجازات التى نحققها، خوفاً من الضرائب والتأمينات وغيرها».

وقال محمود عبدالحى، أحد الأهالى: «لم يقتصر نشاط القرية على صناعة الزجاج، بل ظهرت نشاطات أخرى كثيرة يقوم بها الأهالى بالتوازى مع صناعة وزخرفة الزجاج، كالاتجار فى الألوان والذهب والستان والكرتون، وتم إنشاء مصانع للكرتون، ليتم نقل الأطقم بها وتصديرها، بالإضافة إلى انتشار سيارات النقل، التى تنقل المنتجات إلى المحلات وإلى منافذ التصدير، وقام شباب القرية بالاعتماد على أنفسهم فى تسويق المنتجات الزجاجية، وفتح منافذ توزيع جديدة فى القرى والمدن، خصوصاً أن المنتجات لها قدرة تنافسية كبيرة».


مواضيع متعلقة