محمد مختار جمعة: قيام الدول وسقوطها

كتب: محمد متولي

محمد مختار جمعة: قيام الدول وسقوطها

محمد مختار جمعة: قيام الدول وسقوطها

قال الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف في مقالة له نشرتها جريدة الأخبار، أمس، تحت عنوان الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف "قيام الدول وسقوطها" إنه "لا شيء أخطر في تاريخ البشرية من المراحل الانتقالية في تاريخ الدول، حتي كتب العديد من الباحثين الكثير من الرسائل حول سقوط دول وقيام أخري، تنظيرًا وتطبيقًا، ولم يأت الخطر الحقيقي علي أي دولة من خارجها، مثلما كانت عوامل سقوطها نابعة من داخلها سواء بخيانة بعض أبنائها وعمالتهم واستخدامهم لضرب دولهم، أم بسقطات أبنائها وخروجهم عن طريق الجادة إلي طريق الانحراف أو البغي والطغيان والاستكبار، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً)، ويقول سبحانه وتعالي: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)".

وأَضاف جمعة أن قول سبحانه في شأن قوم سيدنا صالح (عليه السلام): (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَي عَلَي الْهُدَي فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، ويقول سبحانه في قوم سيدنا لوط عليه السلام: (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ،‏ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)‬

وأوضح أن الحكم الرشيد هو الذي يقوم على العدل، ذلك أن الله (عز وجل) ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة، ويقوم على القيم والأخلاق، ذلك أن الأمم والحضارات التي لا تقوم علي القيم والأخلاق إنما تحمل عوامل سقوطها وانهيارها في أصل بنيانها، (‬سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)، مشيرا إلى أن قد حاول بعض من كتبوا في شأن الدول أن يبينوا عوامل استقرار الدول وعوامل انهيارها وسقوطها ، فذكر بعضهم أن من أهم الأمور التي تؤدي إلي انهيار الدول: الأول : انتشار الفساد بكل أشكاله من المجاملة والرشوة والمحسوبية وتقديم الولاء علي الكفاءة، إذ لا يسخط الناس في حياتهم من شيء قدر سخطهم من الفساد وإحساسهم بالغبن ، لذا يجب علي أي حكم رشيد أن يجعل محاربة الفساد بكل صوره وأشكاله أولوية وهو ما أري أننا نسير فيه بخطي ثابتة وربما غير مسبوقة ، مما جعل مصر تحسن موقعها كثيرا في مجال محاربة الفساد وتحقيق الشفافية.

والأمر الثاني: شيوع الظلم سواء علي مستوي الأفراد بغياب الأمن أو غياب القضاء العادل أو غياب العدالة في الحصول علي الفرص المتكافئة أيًّا كان نوعها، أم على المستوى الطبقي الذي يقوم على استبعاد الفقراء والكادحين وتهميشهم مع ازدرائهم والاستخفاف بهم.

وهو ما يتطلب تضافر كل المؤسسات الرسمية والاجتماعية والأهلية لحماية الطبقات الأكثر فقرًا واحتياجًا من خلال الرعاية الاجتماعية المتكاملة من منظور ديني ووطني فكلاهما يدعوان إلى التكافل والتراحم، فنحن في سفينة واحدة، لا منجاة فيها لأحد بمفرده، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَي سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَي مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَي أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا).

أما عن الأمر الثالث: فهو غياب الأمن وضعف سلطة الدولة وقيام العصابات أو الجماعات أو الميليشيات بفرض سطوتها علي المجتمع أو علي بعض المواطنين ، مما يفقد المظلومين المقهورين الولاء للدولة، لذا فإن دعم المؤسسات العسكرية والأمنية لحفظ الوطن من الأخطار المحدقة به في الداخل والخارج يُعد مطلبًا شرعيًّا ووطنيًّا، على أن يكون أمن المواطن والحفاظ على كرامته أولوية لأي نظام يبحث عن الاستقرار وتحقيق الولاء والانتماء الوطني.

الأمر الرابع : تدهور القيم، فإن الحضارات قد تضعف أو تذبل أو تمرض، وأطباؤها هم العلماء والمفكرون والفلاسفة وحماة القيم والباحثون عنها، مع التأكيد علي أهمية إعداد وانتقاء واختيار من يشكلون فكر وثقافة المجتمع فقد ذكر بعضهم أن الأنبياء حكام علي الظاهر والباطن، والحكام حكام على الظاهر، والعلماء حكام علي باطن الخاصة، والوعاظ حكام علي باطن الخاصة، وإذا كانت الحروب تنشأ في الباطن قبل الظاهر وتنمو في العقل قبل أن تنمو علي الأرض، فإن التعامل الأمني يتعامل مع العرض والظاهر وهو أمر في غاية الأهمية، لكن يبقي التعامل مع أصل الداء والمرض في الباطن، وهو دور العلماء والمفكرين والمثقفين والمربين والتربويين والوعاظ، ومن ثمة فإنه لابد من حسن انتقائهم وحسن إعدادهم وتأهيلهم ورعايتهم الرعاية المناسبة للمهام الثقيلة الملقاة علي عاتقهم، وهو ما نسعي إليه ونعمل معا علي تحقيقه بإذن الله تعالي.

والأمر الخامس: تدهور الأحوال المعيشية للأفراد بما يخل باحتياجاتهم الأساسية، فمع ضرورة تقدير الأفراد للظروف والتحديات التي تمر بها أوطانهم، ومع أننا نذكر بأن أصحاب النبي (صلي الله عليه وسلم) صبروا علي الحصار الاقتصادي حتي أكلوا ورق الشجر من شدة الجوع، فإن ذلك يحتاج منا جميعًا العمل علي كسر كل ألوان الحصار والتضييق، بالعمل والإنتاج، والجد والاجتهاد وحسن التكافل الاجتماعي، ورعاية الضعفاء والمهمشين، والضرب بيد من حديد علي أيدي المغالين والمحتكرين، وحسن التدبير، فنحن نحتاج إلي عمل بلا كلل، وإنفاق في غير سرف، وتكافل وتراحم بين أبناء المجتمع بما يعبر بنا جميعًا إلي بر الأمان، ولا شك أن علي رجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني دورًا مهمّاً في إحداث التوازن وسد الحوائج الأساسية للمحتاجين.


مواضيع متعلقة