مستلزمات طبية فاسدة وأدوية منتهية الصلاحية تغزو صيدليات «وجه بحرى»

مستلزمات طبية فاسدة وأدوية منتهية الصلاحية تغزو صيدليات «وجه بحرى»
- أحمد سيد
- أحمد محمود
- أسعار مخفضة
- اسم مستعار
- الأدوية منتهية الصلاحية
- التفتيش الصيدلى
- الدور الثانى
- الصرف الصحى
- العاشر من رمضان
- آلام
- أحمد سيد
- أحمد محمود
- أسعار مخفضة
- اسم مستعار
- الأدوية منتهية الصلاحية
- التفتيش الصيدلى
- الدور الثانى
- الصرف الصحى
- العاشر من رمضان
- آلام
«دور برد شديد، استلزم نزولها للصيدلية من أجل شراء مضاد حيوى، وفضلت أسبوع كامل تاخد العلاج بانتظام» يتحدث الشاب أحمد سيد من سكان القاهرة عن خالته، السيدة الخمسينية التى أصابها دور برد فلجأت لإحدى الصيدليات لتشترى العلاج، وكلما قاربت السيدة على إنهاء جرعة الدواء، كثرت آلامها، وزاد من قلقها ظهور علامات التعب والإرهاق المستمرة عليها، الأمر الذى دفع ابن شقيقتها لاصطحابها إلى أقرب مستشفى لتوقيع الكشف الطبى عليها، تخوفاً من الأعراض المسيطرة عليها لمدة تزيد على الأسبوعين، وهناك علم من الأطباء بعد إجراء فحوصات شاملة أن خالته تتناول دواء منتهى الصلاحية، عاد للمنزل مرة أخرى ليطلع بنفسه على عبوة المضاد الحيوى الذى تتناوله فاكتشف أنها منتهية الصلاحية منذ ما يزيد على ثمانية أشهر، ما استلزم إجراء غسيل معدة للسيدة، وإخضاعها لكورس علاجى متكامل لوقف تسرب الدواء المنتهى الصلاحية فى جسدها، وتطهيره مما لحق به من ضرر قد يصل إلى التسمم، طبقاً لما قاله الأطباء.
{long_qoute_1}
أما أحمد طاهر الشاب الثلاثينى، الذى يعمل موظفاً بوزارة الصحة، فلم يجد أمامه سوى الاستجابة لأوامر الأطباء، الذين شخصوا حالته المرضية بأنه فى حاجة إلى عملية غضروف سفلى، سوف يتم إجراؤها ببنج موضعى نصفى، وعلى الفور اتجه لأحد المستشفيات الحكومية فى محافظة الجيزة، وأجرى به العملية، بواسطة أحد أقاربه من الأطباء، ليفيق «طاهر» على حدث غير متوقع، لم ينتبه الأطباء له.
يقول «طاهر» إن العملية انتهت، وكان من المقرر له التحرك بشكل طبيعى بعد عدة ساعات من إجرائها، إلا أن شيئاً ما حدث، تسبب فى إصابته بعجز جزئى عن الحركة، وبعد فحوصات شاملة تبين له أن حقنة التخدير التى أخذ بواسطتها المادة المخدرة، كانت منتهية الصلاحية، فسببت له صديداً بجوار النخاع الشوكى، وتسببت فى جلوسه على كرسى متحرك لمدة ثلاثة أشهر، ومن وقتها حتى الآن يخضع للعلاج الطبيعى لتعود إليه حركته الطبيعية مرة أخرى.
منذ ما يقرب من ثمانية أشهر، التحق أحمد محمود -اسم مستعار- بالعمل فى إحدى شركات توزيع المستلزمات الطبية، الموجودة فى مدينة بنها، بالقرب من كلية العلوم، كمندوب توزيع، فى عدد من محافظات وجه بحرى «المنوفية والغربية والقليوبية والدقهلية»، يقول إنه بعد أيام قليلة من التحاقه بالعمل، وجد أن رئيسه فى العمل يطلب منه الترويج لبعض الأدوية بجوار قائمة المستلزمات الموجودة بحوزته، وعندما سأله عن إمكانية إعطائه صورة توكيل المنتج الحاصلة عليه شركته من الشركة المصنعة للمنتجات الدوائية، أخبره بأن «دول شوية شغل بساط واخدينهم من مخزن واحد صاحبنا، حاول تبيعهم على بتوع الصيدليات أصحابك، قول لهم إنهم هياكلوا فيهم لقمة عيش، وانت كمان هتستفيد، لأن نسبة توزيع الدوا أعلى من المستلزمات».
لم يخطر ببال الشاب الثلاثينى أنه قد أصبح شريكاً فى عملية نصب كبرى -على حد تعبيره- إلا بعدما ذهب بسيارته إلى أحد مخازن الأدوية الموجودة فى محافظة الغربية، ونقل داخل سيارته ربع النقل كراتين «إبر تخدير» تنتهى صلاحيتها فى 2013، ثم قام بتخزينها فى مخزن تابع لشركته بمدينة كفر شكر بمحافظة القليوبية، وبعد عدة أيام، ذهب مع بعض زملائه لتفريغ تلك الإبر وإعادة تغليفها فى عبوات تحمل صلاحية حتى 2019، كان صاحب العمل قد ذهب بنفسه لجلبها من إحدى المطابع الموجودة فى مدينة العاشر من رمضان، وقام بتحديد سعر الواحدة منها 20 جنيهاً، ثم طرح 200 ألف قطعة منها فى الأسواق.
{long_qoute_2}
تكرر الأمر مع مصطفى إبراهيم -اسم مستعار- مثل سابقه، حيث التحق بالعمل داخل نفس الشركة منذ 6 أشهر، كعامل مخازن، يقول إنه فوجئ باتصال من مديره يطلب منه الحضور على الفور إلى مقر الشركة، بعدما أنهى ورديته ببضع ساعات، وأضاف «على الفور انتقلت إلى هناك مرة أخرى، فوجدت أن مياه الصرف الصحى قد ضربت المخازن وأغرقت عشرات الكراتين المعبأة بالجوانتيات الطبية».
وتابع أن شقيق صاحب الشركة طلب منهم حمل الكراتين التى أصابتها مياه المجارى إلى سطح الشركة والبقاء فى عملهم حتى الصباح دون انصراف، وفى نحو الساعة السابعة صباحاً وصل صاحب الشركة وطلب منهم «تفريغها ونشرها فى الشمس لحد ما تنشف ومايبقاش فيها أى بلل»، وبمجرد انتهائهم من الأعمال المكلفين بها هو وباقى زملائه، وجدوا أن صاحب العمل قد جاء بكراتين جديدة وأكياس حافظة وطلب منهم إعادة تغليف الجوانتيات ووضعها فى الكراتين «زى الأول وأحسن»، وفى اليوم التالى مباشرة قام المندوبون ببيعها فى الصيدليات بعد تخفيض سعر العبوة الكاملة من 21 جنيهاً إلى 17 جنيهاً تنفيذاً لأوامر صاحب الشركة.
لم تكن تلك هى القصة الوحيدة الموجودة بحوزة الشاب العشرينى، حيث أشار إلى ذهابه فى إحدى المرات لتسلم شحنة «قسطرة القلب» من أحد المصانع الموجودة فى مدينة العبور، وهناك اكتشف أن المصنع مخصص فى إنتاج المواد البلاستيكية، وأنه يقوم بإنتاج «القسطرة» بالمخالفة لترخيصه.
يقول إن عمال المصنع كانوا يقومون بأخذ القسطرة من على سير الإنتاج ويضعونها مباشرة فى كيس التغليف دون تعقيم، ويقوم عمال الشركة بحملها ووضعها فى السيارات مباشرة لنقلها إلى المقر فى مدينة بنها، وبعد عدة أيام طلب منه مديره فى العمل تحميل ما تبقى من الشحنة لإخفائه فى أى مكان «لأن المصنع اللى بينتجها اتشمع وصاحبه محبوس علشان مش معاه تصريح إنتاج مستلزمات طبية، وإن التصريح اللى معاه بلاستيكات بس».
{long_qoute_3}
ذهبنا إلى مقر الشركة بصحبة أحد العمال الموجودين فيها، على أننا أصحاب مكتب توزيع أدوية، سألنا عن مدير الشركة، فعلمنا أن شقيق صاحب الشركة هو المسئول عن إدارتها، وأنه تم القبض عليه منذ عدة أسابيع وموجود فى سجن بنها العمومى، بعد مداهمة قوات شرطة مباحث التموين لمقر الشركة والعثور عنده على بعض المنتجات الطبية منتهية الصلاحية، وأن أحد الموظفين القدامى هو المسئول حالياً عن أعمال الإدارة، نظراً لانشغال صاحبها بالقضايا المنسوبة إليه، الجارى التحقيق فيها.
رجل خمسينى يجلس فى أحد مكاتب الشركة الفرعية الموجودة بالدور الثانى، وسط مجموعة من العينات والكراتين الصغيرة، سألنا عن مقصدنا، فأخبرناه بأننا نمتلك مكتباً لبيع المستلزمات الطبية فى مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، وأننا نرغب فى التعامل معه بشكل مباشر دون وساطة المندوبين، وافق على الفور قائلاً «أى حاجة تعوزوها لو متوفرة عندى هبعتهالكم على طول»، أخبرناه برغبتنا فى عدم الاكتفاء بالمستلزمات الطبية فقط، وأننا فى حاجة إلى بعض أنواع الأدوية «القلب والحمل والمضادات الحيوية»، فتغيرت ملامحه، واعتلى التوتر وجهه الأبيض المستدير، ثم طلب منا إجراء اتصال تليفونى، وبعد ثوانٍ قليلة عاد إلينا برده «أنا ماعنديش علم بقصة الأدوية دى، استنوا لما الحاج يرجع بالسلامة، وتعالوا له هو أدرى بالدنيا ماشية إزاى».
قال مصدر مسئول بشرطة مباحث التموين فى محافظة القليوبية، طلب عدم ذكر اسمه، إن الإدارة تلقت بلاغات عديدة خلال الشهور الماضية، ضد أصحاب شركات ومكاتب توزيع مستلزمات طبية، بعضها يتهمهم بالاتجار فى الأدوية منتهية الصلاحية من خلال إعادة تغليفها، والبعض الآخر يفيد احتكارهم أنواعاً معينة من المستلزمات، مثل سرنجات التخدير، والمحاليل، الأمر الذى نتج عنه تعطيش السوق ورفع أسعارها لأكثر من الضعف.
وأضاف المصدر أن القوات أخذت بلاغات العاملين بتلك الشركات والمكاتب على محمل الجد، وداهمت مجموعة من المخازن بصحبة لجنة من مديرية الصحة بمحافظة القليوبية، أسفر عنها تشميع عدة مخازن لاحتوائها على مستلزمات وأدوية معاد تغليفها بطريقة يدوية، واحتكار مستلزمات طبية.
وعن الشركة موضوع التحقيق، أشار المصدر، إلى أن شقيق صاحب الشركة مقبوض عليه منذ عدة أسابيع، وتمت إحالته للنيابة العامة بتهمة ضرب وتقليد منتجات مملوكة لشركات كبرى، وإعادة تغليف أدوية منتهية الصلاحية، واحتكار آلاف العبوات من المحاليل، وبمداهمة مخزنين له، أحدهما فى قرية منشأة الصغرى التابعة لمدينة كفر شكر، والآخر فى مدينة كفر شكر، تم العثور فيهما على 200 ألف قطعة طبية معاد تغليفها واختبار حمل غير صالحة، وقسطرة قلب غير معقمة.
مسئولة بإدارة التفتيش الصيدلى التابعة لمحافظة القليوبية، سبق لها المشاركة فى حملتين أمنيتين على نفس الشركة، تقول إنها فى كل مرة كانت تعثر على أدوية «برشام» معاد تغليفها، ومنحها فترة صلاحية وهمية، لإيهام الصيدلى بأنها سليمة، وعلى الرغم من إثباتها هذا الأمر فى محاضر رسمية، إلا أنها لا تزال حبيسة الأدراج، ولم يتم البت فيها حتى الآن، رغم مرور عدة شهور.
وأضافت مسئولة التفتيش -طلبت عدم ذكر اسمها- أن عدداً كبيراً من شركات المستلزمات الطبية فى محافظة القليوبية تعمل تحت «بير السلم» فى تغليف وتجارة الأدوية منتهية الصلاحية، وتم تحرير محاضر عديدة لأصحابها، إلا أنهم فى النهاية يقومون بدفع غرامات «تافهة» -على حد تعبيرها- ويخرجون لمعاودة نشاطهم الإجرامى الذى يتسبب فى وفاة المواطنين مرة أخرى، فى ظل غياب تام من «الرؤوس الكبيرة» فى وزارة الصحة، الأمر الذى يعنى أن وجودهم سوف يشكل مخاطر حقيقية على صحة المواطنين خلال الفترة المقبلة، لأنهم سوف يُعيدون تدوير الأدوية والمستلزمات المنتهية الصلاحية وطرحها فى الأسواق بأسعار مخفضة، ومن ثم يُقبل عليها المواطن بحثاً عن أثمان مخفضة فى ظل الغلاء غير الطبيعى للأدوية.