عمال إغاثة يروون لـ«الوطن» حكايات من «يوم القيامة فى حلب»

كتب: ميسر ياسين

عمال إغاثة يروون لـ«الوطن» حكايات من «يوم القيامة فى حلب»

عمال إغاثة يروون لـ«الوطن» حكايات من «يوم القيامة فى حلب»

أصوات الرصاص لا تهدأ فى حلب، والأنقاض ملطخة بالدماء، وتحت كل منزل أو بناية منهارة أشلاء شهداء، لقوا حتفهم نتيجة حرب يدفعون ثمنها، فى ظل صمت المجتمع الدولى، الذى يكتفى بإعلان إدانته، وبين تلك الفوضى العارمة، يتجول عمال الإغاثة والأطباء الميدانيون، اعتادوا أصوات الرصاص والانفجارات، يبذلون ما فى وسعهم لإنقاذ المصابين، رغم انعدام المستلزمات الطبية.. مسعفون وعمال إغاثة هاتفوا «الوطن» ووصفوا الأهوال التى يراها أهالى حلب تحت نار القصف الذى لا يهدأ. {left_qoute_1}

داخل ما تبقى من شوارع المدينة، تجول محمد وتار، سائق إسعاف، بسيارته، يحاول الخروج من المدينة، حاملاً ثلاثة مصابين، فهو يعلم أن الوضع خارج حلب يعنى النجاة من الموت، بعد أن تم قصف كل المستشفيات فيها تقريباً، وانعدمت جميع المستلزمات الطبية داخلها، وهذا يعنى أن المصاب كى يبقى على قيد الحياة، عليه أن يخرج من حلب، وهو تحدٍّ آخر أصر «وتار» على مواجهته. يلخص «وتار»، خلال حديث هاتفى مع «الوطن»، الوضع الإنسانى السيئ فى حلب، أو ما تبقى منها: «النازحون يلجأون لأى منازل تؤويهم، شاهدت انتحار امرأتين خوفاً من اغتصابهما.. لا يوجد غير مستشفى واحد مدمر يفتقد كل أنواع الأدوية، عمليات البتر تتم دون تخدير، كل الإصابات فى نصف الجسد الأعلى تعتبر حالات وفاة، لا يوجد أطباء أو رعاية طبية كافية».

يعمل الشاب السورى كسائق لدى منظومة الإسعاف والطوارئ بمحافظة حلب، مهمته نقل المصابين إلى المستشفيات، وبسبب القصف الذى لا يتوقف، يعمل «وتار» من الـ8 صباحاً حتى نهاية اليوم، ولا وقت لديه للذهاب إلى منزله، ففى كثير من الأحيان يعمل يومين متواصلين دون نوم».

«لَمّ أشلاء أشخاص فى كيس واحد، وخروج الجنين من امرأة حامل جراء القصف، وهى فى الشارع، بالإضافة إلى سماع أصوات أطفال تحت الأنقاض يصعب إنقاذهم بسبب عدم وجود الأدوات اللازمة».. كل ما سبق هى مواقف يومية، يعيشها «وتار».

أما مدير معهد التمريض فى حلب، يوسف الرحال، فأكد لـ«الوطن»، أن جميع المستشفيات فى المدينة أصبحت خارج الخدمة بعد تدميرها، فلا توجد أدوية، والشوارع مليئة بالجرحى، وبعضهم يفارق الحياة بسبب عدم وجود أى رعاية طبية، فيما يلجأ الأطباء الميدانيون إلى علاج المصابين داخل بنايات متهالكة: «القصف الهمجى والعنيف لا يفرق بين صغير أو كبير».

كان عبدالرحمن عبده، الذى يعمل طبيباً فى مستشفى حلب، منهمكاً فى إنقاذ المصابين، الذين يتوافدون بكثرة على المستشفى، حينما جاء طفل فى العاشرة، وجهه وجسده مغطيان بالدماء، سارع «عبدالرحمن» لإنقاذ الطفل، وعندما حمله بيده، غاصت يداه فى أمعائه، وأدرك أن الوقت قد فات لإنقاذه.

وبخلاف كثرة المصابين، فإن الأزمة الحقيقية التى كانت تواجه «عبدالرحمن» وزملاءه بالمستشفى هى نقص الكوادر الطبية والأدوية وغرف العمليات، وما زال يتذكر أنين الأمهات على أطفالهن، كما أن أصوات الأطفال والعائلات تحت الأنقاض، شىء لا يمكن أن يُنسى بسهولة، وبحسب «عبدالرحمن» لـ«الوطن»، فإن الأصعب من كل هذا هو «قهرة الأمهات والرجال على أطفالهم».

«الوضع السيئ لا يمكن أن تصفه كلمة أو صورة».. يقول زاهر ندف، الذى يعمل ممرضاً فى حلب، ويؤكد أن الحصار المفروض على حلب تسبب فى نفاد كل الاحتياطات من الأدوية والمستلزمات الطبية التى كانت موجودة فى المدينة، وهو الأمر الذى تسبب فى مقتل كل مصاب، فلا مجال لعلاج أى منهم.

«طبيعة الحياة فى حلب هى عدم وجود حياة».. تلك كانت الإجابة الحاضرة دون تردد من «زاهر»، الذى قال هاتفياً لـ«الوطن»: «منذ 2012 تقريباً فقدت حلب أبسط صور الحياة.. إنها مدينة موت.. تحت كل ركام شهداء.. وتوجد عائلات كاملة تحت الأنقاض».

أحمد أبوشام، فنى تخدير بأحد المستشفيات الميدانية بمدينة حلب، يعتبر أن الوضع فى مدينته يشبه إلى حد كبير «أهوال يوم القيامة»، فقبل 3 أشهر اضطر إلى الخروج من حلب، لكن يصف ما رآه قبل خروجه بقوله: «الجثث فى الشوارع، القصف لا يتوقف على مدار الساعة، الدمار والدماء فى كل مكان، محاولة الناس أن يحافظوا على أرواح أطفالهم ونسائهم.. إنها أهوال يوم القيامة».


مواضيع متعلقة