المرأة العربية بين التوصيات والتنفيذ

عندما نقلب صفحات التاريخ ونقرأ ونعرف عن حفيدات كليوباترا وعشتار وسميراميس وبلقيس وخديجة بنت خويلد وولادة ابنة المستكفى وزنوبيا والخنساء وكنزة الأوروبية وأمانى شيخو وجميلة بوحريد وغيرهن، من عظيمات نساء العرب، وننظر إلى حال حفيداتهن اليوم، نتساءل فى انزعاج: كيف؟! ولماذا؟! وإلى متى يستمر المستوى بالانحدار؟! وكيف تحولت معظم النساء العربيات إلى نماذج سلبية؟! مَن كبّلهن اليوم بقيود من شأنها إرجاعهن إلى الوراء آلاف السنين؟!، حتى المتحررات منهن، كيف جرى تسطيح وتهميش تفكيرهن، فأصبحن منشغلات بتوافه الأمور؟!

العربيات فى العصور القديمة، سواء فى الحضر أو البادية، قد لمعن وتألقن، حتى مع دخول الإسلام ظللن موجودات، مؤثرات على الأحداث والتاريخ، وتشهد العصور الأموية والعباسية والأندلسية على ذلك، ثم ظهرت الدولة العثمانية، التى اختلقت للمرأة قيوداً لم تكن موجودة، غطت الوجوه والعقول، وأرسلت المرأة إلى الحرملك.

جاء العصر الحديث وحركات التحرر النسائية، وظهرت العالمات والفنانات والأديبات، واكتمل التحرر على يد قاسم أمين وغيره من رواد ورائدات التنوير، وظل هذا الازدهار فى صعود حتى بلغ ذروته بالستينات والسبعينات ليكون لدينا عربيّات مميزات، بجميع مجالات الحياة، لكن بقدوم الثمانينات.. زحف التطرّف الدينى، ناقراً على الأدمغة العربية، مغلقاً دروب المرأة، موصداً إياها، شغلها بأساطير لا دخل لها بصحيح الدين أو بأساسه، فى محاولة لإرسالها إلى أبواب العالم الخلفية ومن ثم إلى قبرها، مقنعاً إياها أن صوتها عورة وعار، ومظهرها فتنة يجب الاستعاذة منها. كذا تصرف التطرّف بخبث، ولضمان بقائها فى غياهب الاختفاء، دونما اعتراض، جاء الخطاب بقهرها ممهوراً بصكوك رجال الدين، فيكون من يخرج على تفسيراتهم خارجاً عن الدين، مستحقاً للعقاب والتنكيل والتكفير.

جميع ديانات الله بريئة من احتقار وتهميش وإذلال المرأة، كيف تغيب عن الساحة وقد خُلقت شريكة لآدم، ومنجبة للبشرية؟! لم تُخلق نكرة ولا منبوذة ولا مقهورة، ولم تأتِ كخادمة ولا عبدة جارية!! معقول أن نناقش هكذا أفكار اليوم؟!

أكرر دائماً أن المرأة ليست أبداً نصف المجتمع، بل هى كل المجتمع، هى منجبة النساء والرجال، هى من تربيهم وتنشئهم جميعاً، لهذا فطريقة حضورها بالمجتمع تحدد شكل المجتمع ذاته!!

تقام مؤتمرات وندوات، بشأن المرأة العربية، تنتج عنها توصيات ونقاط فى غاية الأهمية، لكننا لو احتفظنا بهذه النيات الطيبة داخل كتيبات ومحافظ مكتبات تلك المؤتمرات، صدقونى، ما فعلنا شيئاً!!.

حبذا لو كان الحراك على مستوى رؤساء الحكومات العربية، بقرارات ملزمة للشعوب والأفراد والدوائر، حراك فورى، وحاسم، ساعٍ للإصلاح السريع.

لعل من أوجه هذا الإصلاح أولاً، أن تنتشر النساء العربيات الناجحات المميزات ببعثات أشبه بالتبشير، ينورن بها نساءً عربيّات أخريات، لم يحالفهن الحظ بالتحقق، ليعرضن عليهن تجاربهن الشخصية، باثّات بهن الأمل، ومشعلات لمصابيح العلم والنور والتميز.

ثانياً: توفير خطاب دينى معتدل، يحارب التطرّف، ويمنع خلط الأوراق، التى تربط مشاركة المرأة المجتمعية بالخروج عن الشرع والدين.

ثالثاً: توفير إعلام واعٍ هادف بشرقنا الأوسط، يعنى بالأدمغة وبنائها وليس ببرامج الطبخ والغناء والتجميل، وبما أننا نحارب كوطن عربى بإعلام يسعى إلى تهميش وتغييب العقول العربية، وجب أن يكون التدخل الحكومى العربى صارماً، الإعلام ليس للتسلية، الإعلام سلاح جبار، بحروب اليوم، ونحن أمة تحارب يومياً.

رابعاً: تعليم مختلف، يناسب العصر الحالى، مشكلاً وجدان وعقل امرأة عربية عاقلة حكيمة عملية، تحلم بالمشى على القمر، لا بزوج المستقبل، وكم طفلاً سوف تنجب!!! تعليم يصل للفقيرات المعدمات، فلربما خرج من بينهن نابغات متفوقات.

نحن اليوم، فى تحدٍ كبير، جميع بلادنا العربية تخضع لهزات عنيفة، تنوى بأوطاننا شراً، حروب ومعاناة وظروف اقتصادية صعبة، معركتنا مع العالم فى احتدام، نعيش بعالم يأكل بعضه بعضاً، والبقاء للأقوى، آلام كثيرة تكبدتها وحصدتها المرأة العربية، فتحية إجلال وانحناء لها بكل شبر عربى.

كُنتُن شجاعات صبورات، لكن القادم أهم، ودوركن لم ينتهِ، المسئولية كبيرة، ونحن بصدد تغييرات مستمرة، لا نعلم مداها! ولعل ذاك المدى معقود بناصيتك أيتها العربية، ولعل إجابات كل الأسئلة تكون أسواراً بيديك، أو كحلاً بعينيك، أو قرطاً بإذنك التى تسمع دبيب المستقبل!!! قومى، انهضى، اجلبى حظك بيديك، فالمطالب لا تؤخذ بالتمنى.. ولا تنسى زرع بذور المحبة والتسامح والنقاء، علمى أطفالك أننا جميعاً وطن كبير ينتمى بعضه لبعض، وبأن الوحدة لم تعد شعاراً.. الوحدة طوق نجاتنا جميعاً.. هكذا تتحول التوصيات إلى تنفيذات!!