«مستعمرة» عمال المحلة.. منازل قديمة سكانها مهددون بالطرد

«مستعمرة» عمال المحلة.. منازل قديمة سكانها مهددون بالطرد
- أحمد فتحى
- أصحاب المعاشات
- أعمال صيانة
- الإيجار القديم
- الباب الرئيسى
- التأمين الصحى
- التوسع الأفقى
- الحرب العالمية الثانية
- آثار
- أبناء العاملين
- أحمد فتحى
- أصحاب المعاشات
- أعمال صيانة
- الإيجار القديم
- الباب الرئيسى
- التأمين الصحى
- التوسع الأفقى
- الحرب العالمية الثانية
- آثار
- أبناء العاملين
بيوت من طابق واحد، آثار عوامل التعرية واضحة على واجهاتها، مساحات واسعة بين البيوت، تغطيها الأتربة والقمامة، شوارع واسعة تزينها أشجار هزيلة، وأمام الباب الرئيسى للمدينة، بعد عدة أمتار، يقع جامع كبير، يخرج منه المصلون، يلقون على بعضهم التحية، كل منهم يعرف الآخر جيداً، فلقد استمرت جيرتهم لسنوات طويلة، وتشاركوا نفس الأفراح والأزمات، هى مدينة عمال شركة الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى، التى عُرفت باسم «المستعمرة».
شمس الدين حلمى المغربى، رجل فى أواخر السبعينات من عمره، يمضى خارجاً من باب الجامع فى مساكن عمال شركة الغزل والنسيج، والذى يقع على بعد عدة أمتار من منزله، متوجهاً إلى البيت، يقول: «أنا موجود هنا فى مدينة العمال من سنة 47، لأن والدى كان من عمال الشركة واتولدت هنا، واشتغلت فى شركة الغزل والنسيج عمرى كله لحد ما طلعت على المعاش».
{long_qoute_1}
يقول شمس إنه قضى طفولته كلها وشبابه فى مساكن العمال، حيث كانوا يركضون ويلعبون كرة القدم فى الشوارع، ويتمتعون بالحرية، لعدم دخول أى سيارات فى المدينة وقتها، والتى كانت تتسم بالنظافة والنظام على حد قوله، واصفاً المدينة: «دى تُعتبر أول كومباوند فى مصر، نظام الكومباوند اللى الناس بتتكلم عنه النهارده ده كان موجود من وقتها عندنا فى المدينة هنا».
ويضيف شمس قائلاً: «من مميزات مدينة العمال، عدم وجود أى تفاوت طبقى بين ساكنيها، حيث جميع قاطنيها يتمتعون بنفس الراتب ونفس الدخل، وأولادهم يتجهون لنفس المدارس»، ويكمل شمس ضاحكاً: «عندما تم تطبيق نظام الكساء الشعبى كان أهالى المدينة كلها يخرجون مرتدين البيجامات الكستور».
يقول شمس: «اشتركت فى الحرب فى قوات الصاعقة، وتم تكريمى أيام عبدالناصر، وعند دخولى لمدينة العمال مع أول فوج تم إعادة تسكينه مرة أخرى فى مدينة العمال، تم إعطائى المفتاح الشرفى للمدينة، وفى عام 2005 بعدما خرجت على المعاش، وجدتهم يريدون طردى من البيت».
وعن معاناة العمال، يقول شمس: «العمال قدّروا المبالغ التى قاموا بدفعها من الأرباح طوال فترة عملهم، والتى تمتد لأكثر من 45 عاماً لكل منهم، وجدوها تصل إلى 218 ألف جنيه، والتى تمكنهم اليوم من شراء شقة فى مكان آخر، ولكنهم فوجئوا بأن الشركة تبخسهم حقهم وتريد طردهم من بيوتهم».
ويتابع شمس: منذ عام 2003، عندما بدأ عمليات طرد العمال أصحاب المعاشات، أصيب عدد كبير منهم بذبحات قلبية وجلطات إثر تلك الصدمة، مما أدى إلى وفاتهم، من الهموم والحزن، مضيفاً: «منهم ناس جيرانا وحبايبنا زى الحاج نادى عطالله، ونبوى، وعبدالقادر ياسين، الناس ماتحملتش الصدمة دى، لما لقيت نفسها بتتطرد شر طردة، وحتى مجلس المدينة لم يوفر لهم سكناً بديلاً».
يقول شمس: بقاؤنا فى المدينة جاء بعد حرب شرسة قمنا بها، حيث أكدت لنا الدولة أنه ليس هناك حق لنا فى سكن بديل بعد صدور قانون 203، ولم نتوقف عن اللجوء للمسئولين، حتى تم حل المشكلة من خلال محافظ الغربية الأسبق عبدالحميد الشناوى، والذى كان يضع حلولاً عملية بالفعل لحل مشكلة العمال، والتى تعتمد على التوسع الأفقى، خاصة أن مساحة المدينة ضخمة، وهناك أراض فارغة، والبيوت معظمها من دور واحد، ولذلك هو وضع تصوراً لبناء 4500 شقة فى مدينة العمال، وإتاحة 1000 منها لأصحاب المعاشات دون أن يضطروا للخروج أو التشرد.
«طول عمرى بخدم البلد، تعرضت للإصابة فى حرب اليمن، عشت عمرى كله فى الصناعة الوطنية»، هذا ما يقوله شمس، معبراً عن صدمته أثناء خروجه على المعاش، حيث أدرك أن معاشه لا يتجاوز الـ750 جنيهاً، والتى زادت الآن، بعد مرور 16 سنة على تقاعده، ولم يتجاوز الـ3000 جنيه، قائلًا إنه أب لأربعة أولاد ذكور، كلهم خريجو جامعات، ولم يتمكن أى منهم من الحصول على وظيفة.
{long_qoute_2}
«إحنا الجيل اللى كنا بنتبرع بيوم شغل أسبوعياً دون مقابل علشان المجهود الحربى ودعم مصر»، هذا ما يقوله شمس، مطالباً الدولة بمساعدة أصحاب المعاشات فى شركة الغزل والنسيج فى المحلة.
ويختم شمس حديثه قائلاً: «نشعر أننا نعيش فوق فوهة بركان، وأننا دائماً مهددون بالطرد من البيوت التى عشنا فيها طوال عمرنا، وأشعر بالقلق والخوف على أسرتى بعد موتى، حيث سيتم طردهم من هذا المكان»، مضيفاً أن أهالى مدينة العمال لا يعترضون على قيام توسعات وبناء عمارات جديدة داخل المدينة، وأن يتم تفعيل مقترح المحافظ الأسبق للغربية عبدالحميد الشناوى.
بينما يقول محمد الأنصارى، أحد سكان مدينة العمال، إنه عمل فى شركة الغزل والنسيج فى المحلة لمدة 44 عاماً، وتمت إحالته للمعاش فى عام 2008، مضيفاً أنه تمكن من الإقامة فى مدينة العمال منذ عام 1985، بعد بحث اجتماعى قامت به الشركة للتأكد من أحقيته، وخلال تلك السنوات الطويلة التى قضاها فى مدينة العمال، استقر بحياته وأسرته وأولاده هناك.
يحكى الأنصارى عن تاريخ مدينة العمال قائلاً: «هذا المكان تم إنشاؤه فى الأربعينات، ليكون مكان إيواء المهاجرين فى الحرب العالمية الثانية، ولذلك سميت بالمستعمرة، وعندما مرت الحرب دون خسائر، قررت شركة الغزل والنسيج فى المحلة، والتى تم إنشاؤها منذ عام 27، استخدام تلك المنطقة كمدينة لإيواء العمال، خاصة أنهم كانوا يأتون من قرى بعيدة، ويمضون ساعات طويلة فى المشى، وقامت الشركة بعمل عقد شراكة بين الدولة وبينها، وتم وضع بنود منصفة للجميع».
وعن الحالة التى وصلت لها مدينة العمال، يقول الأنصارى: «كانت هناك نسبة من الأرباح توضع من أجل صندوق صيانة المدينة، ولكن مع مرور الوقت تم إجحاف هذا الحق، ولم تعد تتم أى أعمال صيانة فى المدينة، وانتشرت القمامة فى الشوارع أيضاً، بعدما كانت المدينة متنزهاً لأبناء المحلة فى الأعياد».
أما عن الأزمات التى مر بها أصحاب المعاشات فى مدينة العمال، فيقول الأنصارى: «الأزمات بدأت فى الثمانينات، حيث طالبت الشركة بخروج أصحاب المعاشات من المساكن، وبدأ أصحاب المعاشات من العمال يوكلون المحامين من أجل الدفاع عنهم، حتى عرفوا بقانون 111 لعام 61، الذى ينص على أن العمال يتم خصم منهم10% من الأرباح، و5% لصالح الخدمات، فى مقابل توفير سكن بديل عند خروج العامل على المعاش، وهذا القانون بقى مستمراً من عهد الرئيس جمال عبدالناصر حتى عام 91، حتى تم تحويل الشركة من قطاع عام إلى قطاع أعمال، وكان مجلس المدينة يقوم ببناء شقق، وتقوم الشركة بالحصول على حصة منها، تقدمها للعامل عند خروجه من المعاش».
يقول صلاح القاضى، أحد سكان مدينة العمال، ومن أصحاب المعاشات: «طلعت سنة 2003 على المعاش، ومرتبى كان 750 جنيهاً»، مضيفاً: حل مشكلتنا بسيط وهو أن عدد الوحدات السكنية التابعة لمساكن العمال، حوالى 1200 أسرة، ومتوسط الأسرة 5 أفراد، والدولة حالياً فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى تتبنى مشروعات سكنية لتسكين أهالى العشوائيات والمشردين ومحدودى الدخل، فمن الواجب أن يقوم بتطوير مدن العمال، لأنهم أيد فاعلة فى المجتمع، وعانوا لسنوات طويلة، وكل الكلام الذى يتردد على أن هناك بعض الحالات الفردية من العمال الذين صاروا قادرين مادياً، وتمكنوا من توفير شقة أخرى لهم ولأبنائهم، لا نعترض على القيام ببحث حالة، وحصر الأسر شديدة الاحتياج، وطمأنتهم بأن إقامتهم هنا لن تكون وقتية، ولن تقوم الشركة بأى إجراء ضدهم لطردهم.
ويضيف قائلاً: هناك 4 أفدنة لا يوجد بها أى مبان فى مدينة العمال، ويمكن أن يقام فيها عدد كبير من العمائر السكنية، وما يفيض من الوحدات السكنية يمكن أن يتم عرضها للجمهور، موضحاً: «ماكيتات إقامة هذا المشروع لا تزال موجودة فى المحافظة وفى مجلس المدينة، والتى حددها المحافظ السابق اللواء عبدالحميد الشناوى».
يقول صلاح إن من أهم الأزمات التى يمر بها العامل أثناء خروجه على المعاش أن آخر راتب له أثناء عمله يصل إلى 5 آلاف جنيه، وفجأة يجد نفسه قد وصل لمبلغ المعاش الذى لا يتجاوز الآن الـ1200 جنيه، ولا يجد فرصة لإيفاء متطلبات أسرته، بالإضافة إلى أنه أثناء عمله يحصل على تأمين صحى خاص به وبأسرته، ولكن عند خروجه على المعاش لا يشمل هذا التأمين أحداً غيره، ويتكفل بمصاريف علاج أسرته على نفقته الخاصة.
{long_qoute_3}
وعن أسرته يقول صلاح: «عندى 5 أولاد اتنين منهم فقط متزوجين، والباقى لسه معايا فى الشقة ومش لاقيين شغل، أصغرهم متخرج من سنة 2009»، ويضيف صلاح أن أغلب مساحة شقق عمال المحلة فى المدينة لا تتجاوز الـ70 متراً، قائلاً: «الناس مش عايزة غير الستر وراضيين بالهم والهم مش راضى بينا».
يقول عاطف الشاذلى، أحد عمال شركة الغزل والنسيج: «خرجت على المعاش سنة 2005، من أبناء العاملين واتولدت هنا»، يؤكد عاطف أنه عاش عمره كله فى مدينة العمال، حيث كان والده من العاملين فى الشركة طوال عمره، وتمكن من الإقامة والسكن بعده.
يضيف عاطف أنه لم يتزوج وليس لديه أطفال، وبعد وفاة أبيه ووالدته بقى فى مسكنه فى مدينة العمال، وأن هذا السكن قد حصل عليه بعد بحث اجتماعى قامت به الشركة، ووجدته ينطبق عليه شروط السكن، لكونه خدم الشركة لسنوات طويلة.
يختم عاطف حديثه قائلاً: «هنا فى المدينة أسر بالكامل كانوا شغالين فى غزل ونسيج المحلة، الأب والأم والأولاد، لكن طبعاً حتى الصناعة زيها زى كل حاجة فى البلد بتنهار».
بينما يقول متولى الشحات، من أصحاب المعاشات: «خدمت الشركة 43 سنة، كنت فى قطاع مراقبة الجودة، وخرجت معاشى 700 جنيه بعد الشقا ده كله، وبعدين اتهددت كمان بالطرد من الشقة اللى عايش فيها». يوضح الشحات أنه بعد خروجه على المعاش فى عام 2003 بدأ يستشعر خوفاً أكبر على مستقبل أسرته، لافتاً: «فى أى بلد الموظف أو العامل بيطلع على المعاش علشان يبدأ يرتاح بعد ما كبر فى السن، ويبدأ يستجم، ويعمل كل الحاجات اللى كان عاجز عنها لما كان بيشتغل، لكن طبعا ده ماحصلش معانا».
يقول الشحات إن الهموم تكالبت عليه فور خروجه على المعاش من الشركة، حيث كان يعالج زوجته على نفقة التأمين الصحى الخاص به، وبعد خروجه على المعاش أصبح يتكفل وحده بعلاجها، بالإضافة إلى أن أبناءه الأربعة تخرجوا فى الجامعات ولم يجدوا أى فرصة عمل، مضيفاً: «إبنى الصغير حاول يعمل مشروع على قده فشل، وخسر كل فلوسه».
ويضيف الشحات: «كلنا هنا أصحاب هموم، اللى بيهوّن علينا الحياة إننا عارفين بعض جيران وأصحاب وحبايب، وبنتجمع ونقعد قدام بيت حد فينا ونشرب مع بعض الشاى بعد صلاة الضهر»، ويكمل الشحات موضحاً أن مدينة العمال فى المحلة هى أشبه بناد اجتماعى، منذ بداية معيشة العمال فيها، حيث كانوا يتشاركون أطباق الطعام، ويساعدون فى توفير احتياجات بعضهم البعض، خاصة أن الخدمات التى كانت متوفرة فى نطاق المدينة كانت أكثر من الموجودة الآن.
يقول الشحات: «كان عندنا أكتر من فرن، وأكتر من جمعية استهلاكية، وكان فيه ملاعب مستواها نضيف»، ويكمل: «أما الآن فلا يوجد سوى المدارس التى تم بناؤها لمرحلتى الابتدائى والإعدادى بجوار مدينة العمال».
بينما يقول إسماعيل مصطفى، أحد أبناء أصحاب المعاشات، «إحنا عايشين هنا من سنة 58، لأن والدى كان من عمال غزل ونسيج المحلة»، موضحاً أنه لم يعمل فى شركة الغزل والنسيج فى المحلة، وبقى فى الشقة بعد وفاة والده، ولذلك فهو مثل كثيرين غيره مهدد بالطرد، موضحاً: «فى الوقت اللى سكنا فيه هنا، لو كنا أخدنا شقة بره، كان زمانا بندفع لها بالكتير جنيه أو اتنين جنيه».
موضحاً أن العمال الذين أقاموا فى المدينة، وخلال سنوات طويلة، تم خصم 10% من أرباحهم، هم الخاسرون فى هذا النظام من التسكين، حيث كانت تلك الفترة الزمنية من السهل الحصول فيها على وحدة سكنية خارج مدينة العمال، حتى لو بنظام الإيجار القديم، ولن يكونوا مهددين بالطرد كل يوم مثل الآن، مكملاً حديثه: «الناس اللى واخدة شقق بنظام الإيجار القديم لما أصحاب البيت بيقرروا يخرجوهم منه بيتفاوضوا معاهم، وبيدفعولهم تعويض، أو بيدولهم شقة تانية بديل، الحكومة مش عايزة تعمل معانا ده».