بالفيديو والصور| شهداء "البطرسية" في أول أيامهم بالمدافن.. رحل الجميع ولم تذبل الزهور

بالفيديو والصور| شهداء "البطرسية" في أول أيامهم بالمدافن.. رحل الجميع ولم تذبل الزهور
بعد الانفجار والصراخ والبكاء، والهرولة بين الأشلاء والجثث، ونحيب المصابين ورنين الهواتف بين أروقة المستشفيات، وإفساح الطريق لدخول الثلج المشرحة ليحفظ جثامين الشهداء في ليلتهم الأخيرة فوق الأرض، انقضى النهار وحمل الليل معه حزنًا لن ينقطع وصله في يوم اشتد سواده، لتسكن بعدها جميع الأصوات ههنا على باب القبر الذي احتضن 13 شهيدا في كنيسة بعيدة ربما لم يزورها في حياتهم.
صباح الثالث عشر من ديسمبر هو أول صباح يمر على شهداء حادث الكنيسة البطرسية، الذي أدمى القلوب بـ24 شهيدا و49 مصابا، دُفن منهم 13 بمدافن الأنبا شنودة بالمقطم، خلت المدافن من كل هذا الصخب الذي خلفه الحادث المفجع، لا أحد هنا سوى الحراس الذين انخرطوا في عملهم ثانية بعد أن رحل الجميع وأغلقت أبواب المدفن، وظلت الورود المزدهرة فوق أعناق شواهدهم هي التي تميزهم عن بقية المدافن.
"المقابر دي كانت معمولة جديد عشان تتباع، بس كانت من نصيب الشهدا".. قالها عم جرجس سجيع، حارس المدفن، بثبات اعتاده على مدار 30 عاما عاشها بين المقابر والمدافن، يساعد فيها الموتى إلى الرقاد في مثواهم الأخير، إلا أن الأمر اختلف هذه المرة.. "ياعم أبو جرجس في حادثة وحالات وفيات وعايزين ندفنهم في مقابر الكنيسة، طيب كام؟ قالوا 13.. دفنّا 10 جنب بعض والـ3 التانيين جنبهم بشوية".
يشير بيديه التي ترك تراب المقابر آثاره عليها إلى مدفن شهداء البطرسية، ويقول "المقابر تبع الكاتدرائية، وسيدنا لما لقاها فاضية قال هندفن فيها الشهدا"، وعلى الرغم من معايشته حالة نحيب أهالي المتوفي لسنين طويلة، إلا أن ألم هذا الحادث أثّر في عم جرجس، بخاصة مع دفن عشرات الأهالي لأولادهم في المدافن التي يرعاها.. "أهالي الشهدا مساكين، اللي كان بيصرخ واللي أغمى عليه، حاجة صعبة أوي.. ربنا يصبرهم".
"محدش جه".. كان رد عم جرجس على أول يوم يمر على شهداء البطرسية في موضعهم، لتؤنس وحشتهم بعض أطواق الزهور التي حملت أسماء كبار المسؤولين في الدولة، في مقدمتهم رئيس الجمهورية، الذي تقدم جنازتهم الرسمية، ما يقرب من 7 أطواق ورد "صابح" على شكل صلبان، بألوان زاهية لم تذبل بعد كباقي الورود التي ذبلت فتهشمت أمام باقي أبواب المدافن في مشهد أكثر بهتانا.
لم يقطع صمت القبور سوى جنازة أتت لدفن متوفى، اعتقدنا في البداية إنها لأحد شهداء حادث البطرسية، إلا أنها لم تكن كذلك، وبعد انتهائهم من دفن قريبهم، انتقلوا إلى مدفن الشهداء، وقفوا بحزن كسى وجوههم أكثر من ملابسهم السوداء، يتلون الصلاة الربانية مغمضي الأعين، ويمدون أيادٍ تحمل صلوات قلوبهم "لما عرفنا إن الشهداء اتدفنوا هنا، جينا نصليلهم يشفعولنا".. قالها أحدهم بأعين يتلألأ فيها الدمع.
وقف بعض الزوار الغرباء يلتقطون صورا بوجوه شاحبة جانب قبر الشهداء، وبعد نصف ساعة غادر الجميع، وعاد عم جرجس إلى حجرته على بعد أمتار نهاية الممر الذي ينتهي بالمدفن، يجلس أمامها ومن خلفه صورة كبيرة لـ"الراعي الصالح"، ليفرض السكون نفسه من جديد ويمر أول أيام الشهداء في موضعهم لأول مرة بعيدا عن ذويهم، الذين ابتلعتهم دوامة حزن لم ولن تمر هكذا بهدوء.