سوهاج: «القهوة» بديلاً عن «الشاى».. التطور الطبيعى لـ«الرشوة»

كتب: خالد الغويط

سوهاج: «القهوة» بديلاً عن «الشاى».. التطور الطبيعى لـ«الرشوة»

سوهاج: «القهوة» بديلاً عن «الشاى».. التطور الطبيعى لـ«الرشوة»

قديماً كانت هناك جملة شهيرة يرددها الموظفون فى المصالح الحكومية على مسامع المواطنين الذين ينجزون معاملاتهم فى مختلف الدوائر الحكومية، وكانت تلك الجملة يعرف معناها الجميع، فعندما يسأل الموظف: «فين الشاى بتاعنا؟»، يدرك المواطن أنه يتوجب عليه دفع «إكرامية»، أو بالأحرى «رشوة»، حتى يتم إنجاز معاملته، ومن يعترض يجد عقبات لا حصر لها، كفيلة بـ«نسف» طلبه، أو تأجيل مصلحته لعدة شهور، ومع مرور الزمن تطورت صياغة الجملة لتتماشى مع التطور الذى حدث فى مختلف مناحى الحياة، وتبدل مسمى «الشاى» إلى «القهوة»، فأصبحت العبارة أكثر رقياً، وأصبح الموظفون المرتشون يخاطبون المواطنين بعبارة «فين القهوة بتاعتنا؟».

{long_qoute_1}

ورغم اختلاف المسميات، إلا أن المعنى يبقى واحداً، وهو الحصول على «رشوة»، وتختلف قيمة الرشوة من مكان لآخر، وبحسب طبيعة الطلب ودرجة أهميته، وعلى الرغم من إدخال وسائل إلكترونية حديثة فى مختلف الدوائر الحكومية، وعدم العمل بالدفاتر الورقية إلا نادراً، إلا أن ذلك لم يكن كفيلاً بالقضاء على «فساد» ضعاف النفوس من الموظفين، وتوقفهم عن طلب الرشاوى من المواطنين، إلى أن وصل الحال بأن يقدم الطلب للموظف وبداخله مبلغ مالى لإنجاز معاملته، فى العديد من الدوائر الحكومية، ورغم الجهود التى يقوم بها ضباط مباحث الأموال العامة وضباط المباحث الجنائية، فى مطاردة ظاهرة رشاوى الموظفين، والقبض على بعضهم وإحالتهم للمحاكمة، إلا أن ذلك لم يكن أيضاً كفيلاً لردع الباقين.

وتعتبر وحدات المرور بسوهاج من أهم المصالح الشرطية، التى يتخذ منها «الوسطاء» أو «السماسرة»، مسرحاً لممارسة نشاطاتهم، حيث يوجد فى كل وحدة مرور عدد من الوسطاء، معروفون لدى أهالى المنطقة، يقومون بعقد «الصفقات» مع المواطنين على المقاهى، والاتفاق على قيمة «الإكرامية» الخاصة بكل معاملة، وتختلف طلبات المواطنين، فمنهم من يريد إنجاز إجراءات ترخيص سيارته فى أسرع وقت، دون عناء الوقوف فى طوابير طويلة، ومنهم من يريد التغاضى عن أمور فنية فى سيارته، كفيلة برفض تجديد الترخيص لو تقدم بنفسه لوحدة المرور، ووصل الأمر إلى إصدار رخص قيادة لأشخاص لا تنطبق عليهم الشروط، وخاصةً من ضعاف البصر، لدرجة أن أشخاصاً مصابين بفقد البصر، أو لا يبصرون إلا بعين واحدة، حصلوا على رخص قيادة من وحدات المرور، ببركة «الرشوة»، أو «القهوة».

وقال «أشرف م»، محامٍ يقيم بمدينة سوهاج، إن الرشاوى أصبحت اللغة السائدة فى التعامل مع وحدات المرور، ولا يتم إنجاز أى معاملة إلا عن طريق تقديم مبلغ مالى للموظف المختص مع كل طلب، مؤكداً أن غالبية الانحرافات تحدث من قبل موظفين مدنيين، وأضاف أن هناك أشخاصاً لا يجيدون قيادة السيارات، حصلوا على رخص قيادة خاصة، بعد أن قدموا رشاوى للموظفين، لافتاً إلى أن المواطنين يضطرون لتقديم تلك «الإكراميات»، لإنجاز معاملاتهم التى قد تتأخر كثيراً، فى حالة إذا ما امتنعوا عن دفعها، وتابع أن تجديد التراخيص الخاصة والمركبات، يتم وفق إجراءات طويلة ومعقدة، ولا يتم اعتماد نظام «الشباك الواحد» فيها، مما يضطر المواطن إلى التعامل مع أكثر من موظف لإنهاء المعاملة، وعليه أن يبادر بتقديم «المعلوم» لكل موظف، حتى يتم إنجاز مصلحته سريعاً، وطالب بوضع كاميرات مراقبة داخل مكاتب الموظفين فى إدارات المرور، للحد من الرشاوى التى تفشت داخل هذه الإدارات، بالإضافة إلى تشديد الرقابة من قبل ضباط مباحث المرور عليها.

وفى المقابل، أكد «مصدر مسئول» بوحدة مرور سوهاج أن إدارة المرور بالمحافظة تعتبر من أقوى الإدارات على مستوى الجمهورية، ومعروف عنها أن جميع السيارات التى يتم ترخيصها تخضع لإجراءات مشددة، ومن الصعب حدوث تلاعب بها، مشيراً إلى أن إدارة مرور المحافظة تم تحديثها وتطويرها، تمهيداً لانطلاق العمل فيها بالنظام الرقمى، مؤكداً أن هناك «طفرة كبيرة» من خلال العمل بهذا النظام، واستخدام شاشات للعرض، وأجهزة المحاكاة «السميليتور» الخاصة باختبارات القيادة، واتباع نظام الشباك الواحد، وتخصيص شباك لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن توفير أماكن مناسبة للانتظار، تيسيراً على المواطنين، وتوفيراً للوقت والجهد، وأضاف أنه سيتم افتتاح أفرع متطورة وحديثة قريباً بمناطق «الكوثر» و«جرجا» و«الكوامل».

وشدد المصدر نفسه على أن «ضباط مباحث المرور يقفون بالمرصاد للحد من عملية الرشاوى التى تحدث»، مشيراً إلى أنه فى شهر أكتوبر الماضى، تم القبض على موظف مدنى بالمرور، لاختلاسه أوراقاً من عهدته المسلمة إليه بسبب وظيفته، بقصد تزوير واصطناع قرارات مماثلة لها، واستخراج تراخيص قيادة مزورة، والتربح من وراء ذلك، كما تم حبس مهندس فنى بوحدة مرور سوهاج، فى مايو الماضى، لتقاضيه رشاوى من المواطنين، بغرض تسهيل إجراءات الترخيص.

وهناك مثال آخر لتفشى «القهوة» فى محافظة سوهاج، يتمثل فى مصلحة الأحوال المدنية، حيث تنتشر «الإكراميات» بصورة كبيرة، ووصل الأمر إلى استخراج بطاقات شخصية ببيانات مزورة، وقال «عبده ع»، محامٍ، إن مكاتب السجل المدنى تشهد تلاعبات كبيرة، ويتقاضى الموظفون مبالغ خيالية من المواطنين، نظير إنهاء مصالحهم، مشيراً إلى أن «أى موظف مرتشٍ يمكنه تحقيق مبلغ 1000 جنيه يومياً من المواطنين، مقابل استخراج شهادات الميلاد، وبطاقات الرقم القومى، وأى معاملات تتم بشكل رسمى ولا يوجد بها تلاعبات».

وأضاف أن هناك «سماسرة» معروفين لقطاع الأحوال المدنية، يقومون بجمع الأوراق من المواطنين، سواء استخراج شهادات ميلاد، أو تجديد بطاقات شخصية، ويتولون هم التعامل مع الموظفين فى مصلحة الأحوال المدينة، لاستخراج البيانات المطلوبة، ويفضل الكثير من المواطنين التعامل مع الوسطاء، لأنه فى حال ذهابهم إلى السجل المدنى سيضطرون إلى الانتظار ليوم كامل، أو لعدة أيام، حتى يتم إنجاز مصلحتهم، وأكد «عبده» أنه شاهد بنفسه مكتباً تابعاً للسجل المدنى بأحد المراكز الجنوبية، يفتح أبوابه عقب صلاة الفجر، كى يتم استخراج 100 شهادة ميلاد لأحد الوسطاء، مقابل تقاضى الموظف 20 جنيهاً عن كل شهادة ميلاد، أما الوسيط فيتقاضى من كل شخص 50 جنيهاً، حتى يتم استخراج الشهادة، بخلاف رسومها الأصلية.

وأكد أن مقر الأحوال المدنية الرئيسى بمدينة سوهاج يصعب حدوث تلاعبات به، نظراً لوجود الإدارة به، وعدد كبير من الضباط وأمناء الشرطة، الذين ينتشرون فى كل مكان، لكن هناك «سماسرة» يدخلون مقر الإدارة، لقضاء احتياجات المواطنين، الذين ينتظرونهم خارج المقر، بسبب الزحام الشديد، ويتم دفع «الأتعاب» فى نهاية اليوم، وشدد على أن «قطاع الأحوال المدنية يحتاج لرقابة صارمة، وأجهزة حديثة، يمكن من خلالها تعقب الموظفين المتلاعبين»، وتساءل: «كيف يتم استخراج شهادات ميلاد خارج أوقات العمل، ولا يتم اكتشاف تلك الواقعة؟»، إلا أنه أكد أن عمليات التزوير فى مصلحة الأحوال المدنية قلّت كثيراً، عقب إلغاء نظام الدفاتر الورقية، واستخدام أجهزة الكمبيوتر، ومع ذلك فإن لغة «الإكراميات» وطلبات «الشاى» و«القهوة»، ما زالت سائدة فى معظم تعاملات الموظفين مع المواطنين، مقابل قضاء مصالحهم.


مواضيع متعلقة