الغربية: «بس تراضينى».. جملة واحدة تتردد داخل مكاتب التموين ومستشفيات الحكومة

كتب: رفيق ناصف وأحمد فتحى

الغربية: «بس تراضينى».. جملة واحدة تتردد داخل مكاتب التموين ومستشفيات الحكومة

الغربية: «بس تراضينى».. جملة واحدة تتردد داخل مكاتب التموين ومستشفيات الحكومة

رغم الحملات المكثفة من قبل أجهزة الدولة لكشف وقائع الفساد والرشوة بين الموظفين الحكوميين، كونها «السوس» الذى ينخر فى عظام أجهزة الدولة، ما زالت مصطلحات «الشاى فين؟»، و«الإكرامية»، يتم تداولها داخل المصالح الحكومية المختلفة، كألفاظ بديلة لطلب «الرشوة»، فى محاولة لتحسين صورتها القبيحة، واستحلالها لضعاف النفوس من الموظفين، مقابل إنهاء مصالح المواطنين.. «الوطن» عايشت التجربة داخل 3 مؤسسات حكومية بمحافظة الغربية، تبين من خلالها أن «الرشوة جزء أصيل فى منظومة المعاملات الرسمية».

{long_qoute_1}

وداخل عدد من وحدات تراخيص المرور، تم رصد وتسجيل العديد من وقائع مطالبة بعض الموظفين «الرشوة» صريحة من المواطنين لإنهاء معاملاتهم، ولعل عبارة «المندوب مجاش» كانت الأكثر تردداً لتعطيل مصالح المتعاملين، قالها أحد الموظفين إلى صاحب سيارة، قام بشرائها مؤخراً، وعلى مدار شهر، ظل يتردد على وحدة المرور للاستعلام عن وصول الملف لإنهاء أوراق سيارته الجديدة، والتأكد من سلامتها وملكيتها.

واضطر «محمد م»، صاحب السيارة، إلى الوقوف بجوار الشباك لبعض الوقت، حتى خلوّه من المترددين عليه، وأقبل على الموظف مرة ثانية، قائلاً: «باشا.. أنا شغلى متعطل، ومحتاج رقم تليفون المندوب، وعيونى ليك»، وبحذر رفع الموظف عينيه إليه، ثم التفت حوله، قبل أن يرد عليه بصوت منخفض: «استنانى برا»، وبعدها خرج الشاب وانتظر الموظف الذى التقاه قبل موعد انتهاء العمل بنحو ساعتين.

وعلى بعد خطوات داخل نفس وحدة المرور، وقف أحد المواطنين أمام موظف آخر يسأله عن موعد امتحان القيادة لنجله، ومع إصرار الموظف على ضرورة حضور الابن بنفسه، وضع الرجل يده فى جيبه ثم أخرجها ممسكاً بمبلغ من المال، وضعه أسفل الدفاتر التى تنتشر على المكتب أمام الموظف، الذى سارع بإبلاغه بموعد الامتحان.

وبعرض هذه الوقائع على أحد المسئولين بإدارة مرور الغربية، أكد أن «الدولة جادة فى محاربة الفساد، ولا يوجد هنا أحد فوق القانون»، وقال إن «كل من يتم ضبطه يتقاضى مبالغ مالية، مقابل إنهاء الأوراق، يتم إيقافه عن العمل، وإحالته إلى النيابة للتحقيق». وأضاف المسئول نفسه، الذى طلب عدم ذكر اسمه، أن «الموظف المرتشى صاحب نفس ضعيفة، وهو موجود فى غالبية مؤسسات الدولة، والدولة تبذل كل جهودها فى محاربة الرشوة»، والتى وصفها بأنها «سوس ينخر فى عظام الدولة»، لكنه أكد أن المواطن عليه الدور الأكبر، وعليه التصدى لها بكل قوة، والإبلاغ عن أى موظف يطلب رشوة مقابل القيام بمهام عمله.

وفى أحد مكاتب التموين بمدينة طنطا، وبينما كانت «منى»، ربة منزل تبلغ من العمر 54 عاماً، تحاول استخراج بدل فاقد لبطاقة التموين لأسرتها، وبرفقتها فتاة فى بداية العقد الثالث من عمرها، تبين أنها ابنة شقيقتها، فوجئت بطابور طويل أمام الموظف المختص، وعلى الفور اتخذت قرارها بعدم قدرتها على تكبد الوقوف فى ذلك الطابور، والبحث عن طريقة أخرى لقضاء مصلحتها سريعاً، فأرسلت الفتاة إلى الموظف، وطلبت منه أن ينهى أوراق خالتها نظراً لظروفها الصحية، وعدم قدرتها على الوقوف فى الطابور، وسرعان ما عادت الفتاة لتخبرها بأن الموظف يطلب «الشاى»، 100 جنيه، 50 مقدماً، و50 وقت تسلم البطاقة، وبالفعل وافقت «منى» على دفع «المعلوم» للموظف، وبررت ذلك بقولها إن «البطاقة ضايعة من شهر، ومش عارفه أصرف التموين، وجيت هنا 5 مرات علشان أطلع غيرها، وفى كل مرة يقولوا لى تعالى كمان يومين».

العيادات واللجان الطبية التابعة للتأمين الصحى، التى تعرف باسم «القومسيون»، تُعد هى الأخرى مرتعاً لـ«الإكرامية»، التى عادةً ما يطلبها بعض الموظفين أو العاملين بتلك اللجان من المترددين عليها، مقابل منحهم «أولوية» فى الدخول على الطبيب المختص، قبل غيرهم من المرضى، وغالباً ما يلجأ العامل إلى مرافقى المريض، ليسألهم عن حالته، ثم يبلغهم بأنه سيضعه على رأس القائمة، وأنه سيكون أول من يدخل على الطبيب لحظة وصوله، ثم يختتم عرضه بجملة «بس تراضينى»، فما يكون من أهل المريض إلا موافقة العامل، حتى يجنبوا مريضهم عناء الانتظار طويلاً، أو أن يفوته الدور فى الكشف.

وفى أحد المستشفيات الحكومية، وقف «م.»، عامل مكلف بحراسة وحدة العناية المركزة، لا يسمح بدخول أحد غير الأطباء والممرضات، خاصةً مع الحالات الحرجة، ولكن تلك القواعد والحواجز تم تكسيرها، عندما توجهنا إليه بطلبنا: «نحن أقارب حالة مرضية محجوزة هنا، ونرغب فى زيارتها والاطمئنان عليها»، رفض فى البداية بقوله: «ممنوع»، انتظرنا بعض الوقت بالقرب من باب العناية، لنشاهده يسمح لآخرين من أهالى المرضى بالدخول، بعد حصوله على «إكراميات» بين 5 أو 10 جنيهات، وبمطالبته مرة ثانية مع وعد بـ«مراضاته»، سمح لنا بالدخول، قائلاً: «بس تراضينى يا بيه، إنت عارف إن ده مخالف لتعليمات المستشفى والطبيب المعالج»، ولكن كل هذه التعليمات، وغيرها من الضوابط واللوائح وحتى القوانين، تذهب أدراج الرياح مع ظهور «المعلوم»، الذى يكون له مفعول السحر، ليفتح الأبواب المغلقة، وينهى معاملات وإجراءات، تستغرق أياماً وشهوراً، بسبب «الروتين»، فى دقائق أو ربما فى ثوانٍ معدودة.


مواضيع متعلقة