الإسكندرية: تسعيرة «الإكرامية» من 100 جنيه «وأنت طالع».. وكله بالقانون

الإسكندرية: تسعيرة «الإكرامية» من 100 جنيه «وأنت طالع».. وكله بالقانون
- أحمد بلال
- أرض الواقع
- إجراء عملية
- إزالة إشغالات
- إشغالات الطرق
- الأجهزة الأمنية
- الأموال العامة
- آلى
- أبريل
- أحمد بلال
- أرض الواقع
- إجراء عملية
- إزالة إشغالات
- إشغالات الطرق
- الأجهزة الأمنية
- الأموال العامة
- آلى
- أبريل
فى «دولة الموظفين» يمكن أن تشترى «الهرم»، طالما ستجد موظفاً يحرر لك عقداً مقابل «المعلوم»، وآخر يعرض عليك توثيقه مقابل «الشاى»، وثالثاً يقترح أن يساعدك لتبيع.. ففى دولة الموظفين «كل شىء ممكن»، لأن «الدفاتر دفاترهم»، ونحن معشر المواطنين عابرون على هذه الدفاتر، نزورها سريعاً لندفع «الرشوة» إلى صاحب النصيب، ثم نمضى فى طريقنا.
الأحياء هى الباب السحرى للرشوة فى الإسكندرية، ففيها ولد الفساد وفيها يعيش وينمو، دون أن يجد من يوقف قطاره، لأن «كله بالقانون»، فهناك يمكن تمرير مخالفة بحجم الفيل من «خرم إبرة» القانون، والتسعيرة تبدأ من 100 جنيه دون أن تنتهى بسقف، حسب طبيعة وحجم المخالفة، فسيدة تشغل الطريق لبيع الجرجير والكرفس، لا تعامل مثل سلسلة تجارية كبرى لا تلتزم بتراخيص الحى.
{long_qoute_1}
البناء المخالف للعقارات هو المظهر الأكبر لفساد المحليات، فهناك يمكن أن ترى عمارة تتجاوز الـ20 طابقاً فى شارع لا يزيد عرضه على 10 أمتار، ورغم أن جميع المحافظين الذين توالوا على الإسكندرية خلال السنوات الأخيرة، أطلقوا تصريحات رنانة عن مواجهة مخالفات البناء، إلا أن هذه الوعود تذهب مع الريح، أمام دولة المحليات، دون أن يجد من يوقفه، حتى مع القبض على عدد من مهندسى وموظفى الأحياء خلال الأسابيع الماضية، فى اتهامات بتلقى رشاوى من المقاولين للسماح بمخالفات أو التغاضى عن أخرى.
وسجلت إحصائية رسمية لمحافظة الإسكندرية وجود ما يزيد على 27 ألف عقار، صدر لمعظمها قرارات إزالة، إلا أنها لم تنفذ، فيما باشرت النيابة العامة التحقيق فى عدد من وقائع اتهام مسئولين فى المحافظة بتقاضى رشوة، ففى أغسطس الماضى، أمرت نيابة الأموال العامة بضبط وإحضار رئيس حى شرق السابق، اللواء خالد فوزى، بتهمة تقاضى رشوة، بعد تلقى عشرات البلاغات ضده، تؤكد محاولته الحصول على رشاوى من المواطنين مقابل التغاضى عن تنفيذ قرارات الإزالة.
وقررت نيابة الأموال العامة، حبس نائب رئيس حى شرق، محمد أبوشبانة، 4 أيام على ذمة التحقيقات، بعد اعتراف السائق الشخصى لرئيس الحى بتلقيه تكليفات من رئيس الحى ونائبه باستلام مبلغ الرشوة من أحد الأشخاص، بهدف إنهاء بعض الإجراءات المتعلقة بتنفيذ قرار إزالة، إلا أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض عليه وقتها، كما أمرت محكمة جنايات الإسكندرية بتجديد حبس نائب رئيس الحى 45 يوماً، بينما أصدر المحافظ السابق، المهندس محمد عبدالظاهر، قراراً بإقالة اللواء خالد فوزى، وانتداب رئيس حى الجمرك، اللواء خالد محيى الدين، خلفاً له.
وفى أبريل الماضى، وجهت «الرقابة الإدارية» ضربة موجعة لمافيا البناء المخالف فى الإسكندرية، عندما ألقت القبض على أطراف أكبر مافيا للعقارات المخالفة فى المحافظة، شملت عرض رشوة قيمتها 800 ألف جنيه على مقاول الهدم فى حى المنتزه، مقابل عدم تنفيذ قرار الإزالة الخاص بعقار غير مرخص مكون من 17 طابقاً، بالإضافة لمحامٍ ومهندسة بالحى، لتقاضيهما رشوة 100 ألف جنيه من صاحب العقار، حيث حرر مقاول الهدم محضراً باعتراض السكان على تنفيذ الهدم، بعد إجراء عملية تسكين وهمية للعقار.
واتسع نطاق فساد المحليات ليشمل صغار الموظفين، الذين يمتنعون عن تنفيذ قرارات إزالة إشغالات الطرق، ويقول أحمد بلال، أحد أهالى منطقة الإبراهيمية: «أصوات مزعجة، وطرق مغلقة، وكهرباء مسروقة، جميعها مخالفات تسد عين الشمس لأحد المقاهى الشعبية فى الإبراهيمية، ورغم أننا تقدمنا بعشرات الشكاوى إلى الحى للمطالبة بإغلاق المقهى، إلا أننا لم نجد من يسمعنا، فكل ما يحدث هو نزول لجنة من الحى لاستطلاع الوضع على أرض الواقع، ثم تركه على ما هو عليه، بل يزداد الوضع سوءاً، وعندما بحثنا عن أصل الأزمة اكتشفنا أن المعاينات التى خرجت لفحص الشكاوى كانت على الورق، ولم ترصد أى مخالفة لصاحب المقهى».
الشكوى من مقاهى الإبراهيمية، جاءت على لسان ساكن آخر، هو فادى جميل، الذى قال «الوضع فى الأحياء صعب للغاية، فبعد عشرات الشكاوى المقدمة منا للمطالبة بإغلاق المقهى، ظل مفتوحاً رغماً عن أنف القانون، والأخطر أن صاحبه يتفاخر أمامنا بأن أحداً لا يستطيع الوقوف فى وجهه، لأنه يدفع لموظف الحى ما يكفى من أموال لسد فمه، حتى لا يكتب شيئاً عن المخالفات فى تقرير المعاينة».
ولم يختلف الوضع فى سموحة كثيراً عنه فى الإبراهيمية، فهناك واصل فرع إحدى السلاسل التجارية الشهيرة فتح أبوابه رغم مخالفته لاشتراطات البناء، وتجاوزه التنظيم بزيادة البروز، فيما كانت رشوة قيمتها 1300 جنيه فقط كافية لأن تجعل القرارات المتوالية بتشميع المحل «حبراً على ورق»، دون تسويات أو غرامات أو تعديل للأوضاع القانونية.
وفى منطقة محرم بك، وقف صاحب مخبز آلى حر حائراً بين دفع رشوة إلى أحد الموظفين، أو عدم الحصول على الترخيص بفتح المخبز، وبحسب صاحب المخبز الذى طلب عدم الكشف عن اسمه، «تعبت من اللف بين موظفى الحى للحصول على التراخيص، بعدما امتنعت عن دفع رشاوى»، مضيفاً «عندما يرى الموظف الفكة فى جيبه، ينسى الشكاوى، وينسى المواطنين، وينسى حق الدولة كلها، أما إذا لم تدفع فاستعد لوقف الحال».
وأمام أحد الموظفين فى محكمة الإسكندرية الابتدائية، وقف نحو 70 مواطناً فى طابور طويل لإنهاء بعض الإجراءات البسيطة، من استخراج إعلام وراثة إلى تسليم إيجار وحدات سكنية لمالكين، ورغم بساطة الإجراء فإن العراقيل التى يضعها الموظفون أمامهم تجعل الطوابير تزداد طولاً، وعندها تنتهى المواعيد الرسمية، ويسمع المواطنون الجملة المعتادة «فوت علينا بكرة»، لذلك تكون الرشوة هى الحل الوحيد أمامهم لعبور عائق الطوابير.
فوزى النقيب، أحد المواطنين الموجودين فى المحكمة الابتدائية لاستخراج إعلام وراثة، قال: «الموظف يضع العراقيل أمامنا، ولا يريد إنهاء الأوراق، لذلك فإن كل الطرق تؤدى إلى سماسرة الخدمات الواقفين على أبواب المحكمة، فهم الوحيدون القادرون على التعامل مع الموظفين، وإنهاء الطلب فى دقائق معدودة، مقابل مبالغ مالية تبدأ من 100 جنيه، يتم اقتسامها بينهم».
ولا يختلف الوضع كثيراً فى مصلحة الشهر العقارى عنه فى المحاكم، فسماسرة الخدمات يقفون فى كل مكان، ويعرفون جميع مداخل ومخارج الموظفين، ونظرة واحدة على النوافذ الـ15 الخاصة بخدمة المواطنين فى مصلحة الشهر العقارى بالإسكندرية، التى يوجد فيها موظف واحد فقط، كافية لأن يبدأ المواطن فى البحث فوراً عن أى سمسار لإنهاء مصلحته مقابل «المعلوم»، حتى لو كانت هذه المصلحة قانونية، ولا تشوبها أى مخالفة.
أما الوضع فى مكاتب السجل المدنى فيبدو مختلفاً عنه فى المحاكم والشهر العقارى، ويحكى الشاب محمد النزاوى عن تجربته مع موظفى أحد السجلات المدنية، الذين كادوا يتسببون فى فقدانه العمل الجديد، حيث توجه إلى المكتب لاستكمال مصوغات التعيين، وهى شهادتا ميلاد مميكنة وقيد عائلى، إلا أنه فوجئ بحاجته إلى الوقوف فى طابور «بلا آخر»، موضحاً «قبل أن أدخل الطابور، تلقيت العديد من العروض من جانب الموظفين لإنهاء الأوراق المطلوبة فى أسرع وقت مقابل رشوة».
وأضاف النزاوى «رفضت أن أدفع مليماً واحداً لأن أوراقى مستكملة، وبعد مرور ساعة حتى أصل إلى الشباك لتقديم الورقة إلى الموظف المختص، فوجئت به يبلغنى بأن الأوراق ناقصة، ووجهنى إلى زميله الذى طالبنى بالرشوة من قبل، وهناك قال لى بشماتة إنه حاول تقصير المسافة علىّ من الأول، وإنه قادر على إنهاء أى أوراق فوراً مقابل أموال، واضطررت إلى دفع 100 جنيه له، نظراً لضيق الوقت، وحاجتى إلى الأوراق سريعاً، وبالفعل انتهت كل الإجراءات فى 15 دقيقة فقط».
وعند الحديث عن الفساد فى إدارات المرور، تظهر العشرات من قضايا ومحاضر الرشوة التى تم تحريرها لموظفين فى الوحدات المختلفة، على مدار الأشهر الماضية، فيما قالت مصادر أمنية، إن «مباحث المرور تشن حملات يومياً لتضييق الخناق على سماسرة المرور، الذين يستدرجون المواطنين بدعوى قدرتهم على إنهاء التراخيص، مقابل مبالغ مالية، بالتعاون مع الموظفين».