آثار الإسكندرية الغارقة فى قبضة «عصابات الغطس»

كتب: حازم الوكيل وأحمد ماجد

آثار الإسكندرية الغارقة فى قبضة «عصابات الغطس»

آثار الإسكندرية الغارقة فى قبضة «عصابات الغطس»

آثار يعود عمرها إلى آلاف السنين، قطع أثرية هنا وهناك، قصر غارق بأكمله تحت الماء، تاريخ كبير وكنوز هائلة خرجت على يد أفراد من عصابات الغطس التى تعج بها سواحل الإسكندرية من خليج أبى قير حتى الميناء الشرقى ببحرى ورأس التين، ورغم ذلك لم يكتشف السارقون كل الآثار بعد، فالكثير منها ينتظر السرقة وسط فشل حكومى فى السيطرة على الأوضاع واستعادة ممتلكات الدولة التى ترصد تاريخها عبر آلاف السنين.

{long_qoute_1}

«عدد من أفراد عصابات الغطس يعملون فى الأصل كصيادين بميناء الإسكندرية الشرقى وميناء أبى قير، أو من الذين ينزلون إلى مياه البحر بدعوى السباحة والغطس، ويختارون المواقع التى تعج مياهها بالآثار الغارقة التى لم يتم اكتشافها حتى الآن، ويستغلون مراكبهم الصغيرة وبعض الأجهزة الحديثة فى أعمال سرقة الآثار مثل الكشاف، الذى يستخدم لمسح المياه، وتحديد بعض النقاط للغطس والبحث عن الكنوز فى الأعماق».. بهذه العبارات لخص أحد الصيادين من شهود العيان -رفض ذكر اسمه- طريقة نهب الآثار الغارقة تحت مياه البحر فى المحافظة الساحلية، لافتاً إلى أن الميناء الشرقى، خاصة الجزء الواصل بين منطقتى المنشية وقلعة قايتباى فى بحرى، وخليج أبى قير، من أبرز بؤر انطلاق الصيادين وأفراد عصابات الآثار الغارقة، إذ يلزم فى المكان الأول الدخول إلى مسافة 165 متراً من اليابسة عمقاً فى الاتجاه الشمالى الغربى، ثم الغوص على عمق من 30 إلى 65 متراً للوصول إلى الآثار. وفى منطقة خليج أبى قير، فالأمر أيسر نظرياً إذ يلزم الوصول إلى الآثار الغارقة الدخول إلى مسافة 70 متراً ثم الغوص إلى عمق نحو 50 متراً، إلا أن المخاطرة فى خليج أبى قير أعلى من نظيرتها فى الميناء الشرقى بسبب ضيق الساحل بشكل دائرى وكثافة التأمين من أفراد الشرطة وحرس الحدود، فضلاً عن تمركز الصيادين بكثافة فى المنطقة، وهو ما أكده محمد دهشور، أحد صيادى ميناء الإسكندرية الشرقى، مشيراً إلى أن أعداداً كبيرة من الصيادين الذين اتخذوا من البحث عن الآثار مهنة لهم يحاولون من آن إلى آخر ممارسة نشاطهم بعيداً عن الأعين، مضيفاً: «صيادين كتير فى الميناء بعد قلة الصيد وزيادة الحاجة، اتجهوا للبحث عن الآثار، اللى بتكسب كتير، ومن الممكن أن يكتشفوا قطعة ذهب أو قطعة آثار، ويقوموا ببيعها بالملايين، بالرغم من أن استخراج الآثار ليس من السهل على الإطلاق، وقد يستغرق الصياد أكثر من 3 أشهر لاستخراج قطعة ذهب أو غيرها بعد تحديد المكان من الأصل».

{long_qoute_2}

وأضاف أن الباحث عن الآثار عادة ما يستخدم مركباً للوصول إلى أهم الأماكن التى قد توجد بها آثار غارقة، وأبرزها أمام مكتبة الإسكندرية، ويتردد كثيراً أن يكون قصر الملكة كليوباترا فى تلك البقعة، لافتاً إلى أن الصيادين يستخدمون جهاز المسح المائى، لتحديد المكان، ويضعون بعض العلامات لتمييز المنطقة، ثم العودة لها ليلاً، للغطس، مستخدمين بعض الأجهزة المتطورة تحت الماء مثل جهاز شفط الرمال، لإبعاد الرمال عن الآثار أو المكان الذى يعتقدون أن به آثاراً، موضحاً أن عدداً كبيراً من الصيادين ممن يعملون فى هذا المجال أكدوا وجود قصر بكامل هيئته تحت المياه، وأن عدداً منهم غاص حتى أعماق ذلك القصر.

فيما قال عزت أبوعلى، أحد صيادى ميناء أبى قير، إن بحر أبى قير ملىء بالآثار الغارقة، التى لم يلتفت إليها أحد، مؤكداً أن الصيادين يستخدمون بعض الأجهزة المتطورة للكشف عن المناطق التى تقبع بها الآثار، إلا إنه يتم ضبط عدد منهم كل فترة، الأمر الذى يجبرهم على اختيار أيام الشتاء الضبابية لممارسة نشاطهم، وتابع: «يستخدم أفراد عصابات الغطس فى خليج أبى قير، مرسى خشبياً يبلغ طوله قرابة 15 متراً لتعليق كنوز الأعماق المستخرجة فى حبال مدلاة منه حتى تهدأ الأمور على الشاطئ ويبتعد الحرس وأفراد التأمين، ليتمكن اللصوص من استخراج غنيمتهم، كون تلك الآثار لا صاحب لها وتأكدهم أنها ستظل فى مكانها إلى يوم الدين، بلا صاحب أو مالك أو مستغل، وهو ما يجعلهم يستحلونها من وجهة نظرهم». {left_qoute_1}

من جانبه، قال مصدر مطلع من مديرية الآثار بالإسكندرية، إن دراسة جدوى بدأ تنفيذها فى عام 2009 حول إمكانية إنشاء متحف يقع جزئياً تحت الماء ويتاح فيه عرض تراث خليج الإسكندرية فى موقعه، وأنشأت اليونيسكو لجنة استشارية علمية دولية تضم عدداً من الخبراء الدوليين المرموقين لمتابعة إعداد دراسة الجدوى، وتسببت ثورة 25 يناير فى توقف المشروع بسبب عدم وجود اعتمادات مالية له. وأضاف: «فى عام 2013، قررت اليونيسكو بالتعاون مع الحكومة المصرية إنشاء أول متحف فى العالم يقع تحت سطح الماء لمشاهدة تلك الآثار الغارقة، من تصميم شركة Jacques Rougerie للتصميمات الهندسية». وأشار الخبير الأثرى الدكتور أحمد غانم، أستاذ الآثار بجامعة الإسكندرية، إلى أن الحفاظ على الآثار الغارقة ليس مجرد حفاظ على قطع أثرية من التدهور أو الضياع بغرض العرض المتحفى بقدر ما هو حفاظ على تراث وذاكرة الحضارة الإنسانية، وحذر من خطورة استمرار أوضاع الآثار الغارقة على الوضع الحالى، إذ إن غالبيتها موجودة على شواطئ الإسكندرية فى بيئة غير مناسبة على الإطلاق، الأمر الذى يعتبر تدميراً للتراث الحضارى للمناطق التى تحتوى على الآثار الغارقة واستمرار إهمال هذا التراث، وطالب الخبير الأثرى بوقف التعديات الصارخة على منطقة الميناء الشرقى من أعمال ردم وتشويه لتلك المنطقة الأثرية رغم وجود العديد من القطع الأثرية الغارقة فى هذا المكان الذى يعتبر محمية تاريخية وأثرية.


مواضيع متعلقة