«الخامرى»: «المجاعة» تضرب اليمن.. والحرب أخذت كل شىء وأعادت لنا «الكوليرا»

كتب: ياسر مشالى

«الخامرى»: «المجاعة» تضرب اليمن.. والحرب أخذت كل شىء وأعادت لنا «الكوليرا»

«الخامرى»: «المجاعة» تضرب اليمن.. والحرب أخذت كل شىء وأعادت لنا «الكوليرا»

وسط أتون الحرب المسعورة فى أجواء وأراضى اليمن، ومن قبلها وبعدها عبر وسائل الإعلام المنحازة، يصعب أن تعثر على إعلامى «مستقل» ينقل لك حقيقة ما جرى ويجرى فى بلاد اليمن السعيد، وهو اسم اليمن القديم الذى أخرج للعالم حضارتين عظيمتين منذ آلاف السنين.

«الوطن» حاورت الإعلامى اليمنى المستقل محمد الخامرى، أحد أبناء «تعز»، مدينة المثقفين اليمنيين، الذى يقيم فى العاصمة صنعاء، فقال إن الحرب على بلاده التى بدأت بصراعات أيديولوجية مذهبية، وانتهت بتدخلات إقليمية، أخذت من اليمنيين على مدار العامين كل شىء جميل، وأعادت لهم وباء «الكوليرا».. إلى نص الحوار.

{long_qoute_1}

■ فى نظرك.. ما السبب الحقيقى للحرب الدائرة الآن والتى يدفع ثمنها كل اليمنيين، وهل هو اندلاع الثورة اليمنية، أم الأطماع الإقليمية، أم سيطرة الحوثيين على مقاليد الحكم، أم بسبب كل ذلك؟

- الأسباب الحقيقية للحرب كثيرة منها الداخلية اليمنية اليمنية، ومنها الخارجية اليمنية السعودية، فاليمنية اليمنية يمكن تسميتها بالحرب السياسية المؤدلجة بين فصيلين أيديولوجيين هما حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين باليمن) ومعهم بعض السلفيين؛ كأحزاب إسلامية ذات أيديولوجية سنية (وهابية)، ومعهم فصيل الرئيس عبدربه منصور هادى من المؤتمر الشعبى العام وبعض القيادات الحزبية الأخرى من جهة، ومن جهة ثانية فصيل الحوثيين أو أنصار الله كما يسمون أنفسهم كجماعة أيديولوجية زيدية (تميل إلى التشيع الإيرانى)، ومعهم فصيل الرئيس السابق على عبدالله صالح من المؤتمر الشعبى العام وبعض المكونات الحزبية الصغيرة الأخرى.. وقد بدأ الصراع بين الطرفين الرئيسيين (الإصلاح والحوثى) منذ وقت مبكر وكان الرئيس السابق «صالح» دائماً ما يستخدم أحدهما لضرب الآخر فى لعبته المفضلة أيام حكمه الذى دام أكثر من 33 عاماً وهى لعبة الرقص على رؤوس الثعابين، وتعزز استخدام «صالح» لحزب الإخوان (الإصلاح) ضد الحوثيين فى الحروب الستة التى شنها فى الفترة من 2004 إلى 2010 على الحوثيين حيث كان «الإخوان» رأس حربة فى التجييش والقتال من منطلق عقائدى، الأمر الذى جعلهم العدو الأول للحوثيين للانتقام منهم، وفعلاً كان الهدف الرئيسى لدخول الحوثيين صنعاء عام 2014 بهدف الانتقام ممن حاربهم خلال الفترة السابقة وإن كان المبرر المعلن لدخولهم تنفيذ مخرجات الحوار الوطنى، وفى طريقهم من صعدة فى الشمال فجروا منازل وقتلوا العديد من قيادات الإخوان الإصلاحيين حتى وصلوا صنعاء وبدأوا باعتقال من لم يهرب وتفجير بعض منازلهم واحتلال البعض الآخر.

■ والحرب التى سميتها باليمنية السعودية ما أسبابها؟

- نعم.. السعودية كانت ولا تزال تنظر لليمن على أنه الحديقة الخلفية لها ولا تريد لهذه الحديقة أن تستقل عنها وقد بدأ على عبدالله صالح منذ عام 2004 تقريباً بمد جسوره مباشرة نحو واشنطن وأوروبا دون المرور بالباب العالى فى الرياض، التى حاولت التأقلم مع الوضع الجديد إلى أن جاءتها الفرصة فى خلط الأوراق فى اليمن ودعمت الرئيس «هادى» والحوثيين وبالتنسيق مع الرئيس السابق بالدخول إلى صنعاء والتخلص من حزب الإصلاح (الإخوان) الذين كانوا خصوماً للرئيس السابق صالح وللحوثيين وكان هادى أيضاً يريد التخلص منهم ليحكم بمفرده لأنهم كانوا محيطين به إحاطة السوار بالمعصم كمستشارين سياسيين وعسكريين واقتصاديين وكانوا مسيطرين على حكومة الأستاذ باسندوه (شفاه الله وعافاه)..

{long_qoute_2}

نجحت السعودية فى مساعدتها للحوثيين بالوصول إلى صنعاء عبر الرئيس هادى الذى سهل لهم كل شىء ووجه بعدم اعتراضهم بل رفض مشاركة الجيش فى دعم أحد الألوية العسكرية (اللواء 310 عمران) الذى تصدى لهم وقتلوا قائده واستولوا على المعسكر بتشجيع من «هادى» الذى يعد فى نظر غالبية الشعب اليمنى خائناً، خان بزته وشرفه العسكرى وخان أمانته كرئيس للبلاد وخان شعبه بعدم حمايته.

بعد وصول «الحوثيين» صنعاء انسحب «الإصلاح» من المشهد لأن الحفاظ على العاصمة مسئولية الدولة وليست مسئوليته؛ ورفض القتال وتركهم يسيطرون على صنعاء ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بتوجيهات الرئيس هادى الذى سرعان ما اختلف مع «الحوثيين» على تقسيم المناصب ففرضوا عليه وعلى رئيس وأعضاء حكومته الإقامة الجبرية فى منازلهم، وتمكن بعدها من الهرب متخفياً بـ«شرشف نسائى» وغادر إلى عدن ومنها إلى عمان براً ثم الرياض التى جمعت عندها كل قيادات الإصلاح الهاربين وجعلتهم مبرراً لبدء حرب عدوانية على اليمن.. هذا مبرر لم يذكر إلا بعد فترة من الحرب، أما المبرر الأول الذى ذكره عادل الجبير وكان حينها ليلة 26 مارس 2015 سفيراً للسعودية فى واشنطن؛ فهو أن هناك صواريخ وأسلحة تهدد أمن المملكة موجودة فى صنعاء ولا بد من تدميرها.

كان على السعودية كشقيقة كبرى أن تقوم بدور الإصلاح بين اليمنيين أولاً، لا أن تفاجئنا بحرب غير مسبوقة بأى تحركات إعلامية فضلاً عن العسكرية. تصور وأنت نائم فى أمان الله أنت وأسرتك وفى الساعة الواحدة والربع بعد منتصف ليلة 26 مارس 2015 تسمع طائرات حربية تخترق حاجز الصوت.

طبعاً هذه الليلة تحديداً تسببت فى مآسٍ كثيرة جداً لليمنيين فهناك من قُتل جراء الصواريخ وهناك من أجهضت وهناك من أصيب بحالات نفسية وهناك من تهدم بيته خصوصاً القريبين من الأماكن المستهدفة، وهنا بدأت الحرب المستمرة حتى اليوم.

وهناك سبب مهم جداً للحرب التى شنتها السعودية وتحالفها على اليمن وهو طريق الحرير الدولى الذى تعمل الصين على إنشائه بتكاليف عالية جداً تجعله الأكبر على مستوى العالم خلال الفترة المقبلة والذى سيمر بالسواحل اليمنية من أقصاها إلى أقصاها، وتعمل السعودية حالياً لإنشاء موانئ جديدة على البحر الأحمر وتوسيع الموانئ الصغيرة كينبع وغيرها استعداداً لطريق الحرير، بالتوازى مع استهداف وتدمير كل الموانئ اليمنية على البحر الأحمر كالمخا وميدى والصليف والحديدة ورأس عيسى.. وحتى موانئ الصيد التقليدية فى اللحية دمرتها!!

■ الرأى العام العربى يعانى من «ضبابية» شديدة فيما يتعلق بالأوضاع الحقيقية على أرض اليمن.. بصفتك مراقباً موضوعياً كيف ترى الأحداث؟

- الوضع اليوم داخل اليمن لا يسر حبيباً ولا يغيظ عدواً.. مأساوى بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. تصور أن اليمن تخلصت من مرض الكوليرا فى السبعينات واليوم عاد هذا المرض بعد أن انقرض من العالم كله.

هناك المجاعة التى بدأت تضرب محافظات بعينها كانت معتمدة على الصيد البحرى ونظراً لضرب التحالف لقوارب الصيادين لم يجرؤوا على العمل والآن تضربهم المجاعة والفاقة والأمراض ولك أن تدخل على محرك البحث وتكتب كلمة «مجاعة التحيتا» وسترى مناظر مؤلمة كأنها خارج التاريخ.

التحالف استهدف كل شىء جميل فى اليمن، استهدف المطارات والموانئ والمستشفيات والمدارس والجسور والكبارى والطرقات والأعراس ومجالس العزاء والمنازل الخاصة ومحطات الكهرباء وصوامع الغلال والمصانع الخاصة ومداخل المدن.. وفوق هذا كله فقد فرض حصاراً خانقاً على اليمنيين براً وبحراً وجواً وأصبحنا فى سجن كبير نعيش حالة الخوف والرعب من الداخل والخارج.

■ الملف الإنسانى فى اليمن لم يأخذ حقه من الضوء إعلامياً، رغم أن تقارير الأمم المتحدة رصدت انتهاكات صارخة فى هذا الشأن من القوات المتحاربة.. فهل لديك إحصاءات لحجم الخسائر البشرية والاقتصادية التى تكبدها اليمن منذ اندلاع الحرب؟

- الأكيد فى كل الإحصائيات أن الخسائر البشرية والاقتصادية والتنموية وحتى الاجتماعية وهى الأهم كبيرة جداً وتبلغ مئات الآلاف من القتلى والجرحى ومعاقى الحرب فى الطرفين لأنهم جميعاً يمنيون.

وبالنسبة للاقتصاد فيكفى أن تعرف أن الدولة عجزت عن تسليم مرتبات الموظفين فى أجهزة الدولة المدنية والعسكرية لشهر سبتمبر وما بعده وبعضهم من أغسطس الماضى.. وأن الاحتياطات النقدية فى يناير 2015 بلغت 4 مليارات و800 مليون دولار لم يعلن منها شىء بعد نقل البنك المركزى إلى عدن مطلع أكتوبر الحالى.

■ من يقرأ الصحف السعودية يظن أن تحالف «الحوثى- صالح» على وشك الانهيار والفرار، ومن يشاهد بعض القنوات فى الجبهة المضادة، يظن أن نظام الرئيس هادى لا وجود له على أرض اليمن.. أين الحقيقة؟

- الحرب أولها كلام والسعودية تعتمد على الإعلام بشكل كبير وحتى الطرف الآخر أيضاً.. والحقيقة باختصار شديد أن الطيران لم يحسم حرباً منذ بداية اختراعه، وأن الحسم العسكرى لا يكون إلا فى الميدان وهذا لم تستطع السعودية أن تقدم عليه نظراً لاعتذار الأشقاء فى مصر العروبة وباكستان عن المشاركة فى أى حرب برية ضد اليمن وبرروا اشتراكهم فى التحالف بأنه للدفاع عن السعودية فى حال تعرضت لاعتداء وليس للاعتداء على دولة أخرى وهذا الموقف المصرى ثُمِّن تثميناً عالياً من الشعب اليمنى الذى يحمل لمصر كل التقدير والاحترام والحب منذ ثورته الأولى 62 التى لولا مصر وجيشها لما نجحت ولما قام النظام الجمهورى..

وبعيداً عن الإعلام وما يقوله كل طرف يمكن لأى متابع حصيف أن يستشف ما الذى يجرى على الأرض من خلال معطيات الوقت المستمر منذ سنة وتسعة أشهر إضافة إلى تسلح الطرفين وإمكانياتهم فى العدة والعتاد ومعرفة أن أحد الأطراف عبارة عن تحالف عربى إسلامى يضم 14 دولة بينها أقوى وأغنى الدول فى العالم فيما الطرف الآخر عبارة عن ميليشيا مسلحة غير مدربة ولا تفقه فى التكتيك العسكرى والقتالى، يساعدها جزء من جيش منظم ما زال الرئيس السابق يسيطر عليه لكنه قليل فى العدة والعدد ومع ذلك فهناك صمود أسطورى بلغ زهاء سنتين.

■ البعض يتخيل أن البلاد تم تقسيمها بالفعل.. فهذه مدن تحت سيطرة القاعدة وأخرى للدواعش، وثالثة للحراك الجنوبى، ورابعة للحوثيين وصالح، وأخرى للحكومة التى تقول إنها شرعية مدعومة من التحالف العربى بقيادة السعودية.. هل يمكن رسم خريطة فعلية حالية كما تراها وأنت تقيم بين تعز والعاصمة صنعاء؟

- هناك إرادة إقليمية قوية لتقسيم اليمن إلى شمال وجنوب وهذا واضح جداً إلى الآن على الأقل.. أما بقية التقسيمات فهى محصورة بين طرفى الحرب كمحافظات مسيطر عليها.


مواضيع متعلقة