وضع المنظمات الدولية فى القانون الجديد

يهدف قانون الجمعيات الجديد الذى أقره البرلمان فى قراءة أولى، وهو القانون الذى قدمه النائب القصبى رئيس لجنة التضامن والذى رفض بإباء الانتظار حتى تقدم وزارة التضامن قانونها، وهى الوزارة التى يفترض أنها المعنية بقانون الجمعيات وبالفعل لديها مشروع قانون تمت مراجعته فى مجلس الدولة، إلا أن البرلمان وعلى عجل شديد أقر القانون المقدم من النواب، الهدف هو تنظيم عمل الجمعيات المصرية وكذلك المنظمات الدولية، وإن كنا فى مقال سابق بينا كيف أن القانون فى الحقيقة صادر الحق فى التنظيم وحول الجمعيات المصرية أياً كان نشاطها إلى جزء من أجهزة الدولة تعمل لتنفيذ خطة الدولة، لذلك جعل كل رؤساء الجمعيات وأعضاء مجلس الإدارة يخضعون لقانون الكسب غير المشروع وهو القانون الخاص بالموظفين العموميين والمكلفين بخدمة عامة، وهو يفترض أن أى زيادة فى الثروة للموظف العام هى كسب غير مشروع وينقل عبء الإثبات على الموظف ليثبت بكافة طرق الإثبات أنه كسب كسباً مشروعاً ويقدم المستندات الدالة على ذلك.

كيف تعامل القانون مع المنظمات الدولية؟ لم يكن وضع المنظمات الدولية فى هذا القانون أفضل من وضع المنظمات المحلية بل هو أسوأ بكثير، من حيث التسجيل وضعت العديد من العراقيل التى تجعل من المستحيل تسجيل منظمة دولية فى مصر وفقاً لهذا القانون، على سبيل المثال فالمنظمة الأجنبية يجب أن تقدم صحيفة حالة جنائية للمؤسسين، وأن تقدم شهادة حسن سير وسمعة من البلد المنشأ بها، ثم الترخيص لمدة ثلاث سنوات ويجب أن تدفع 300 ألف جنيه لصندوق الجمعيات، كما أن كل تعاملات الجمعية فى مصر يجب أن تحصل على تصريح من الجهاز المشكل من الوزارات السيادية والأجهزة السيادية، بالإضافة إلى وزارة التضامن التى لم تعد ذات اختصاص واضح فى ملف المنظمات.

ولم يوضح القانون موقف المنظمات التى تم إنشاؤها بموجب اتفاقية دولية مثل منظمة فورد فاونديشن أو منظمة كونراد أدينور أو منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة حال تنفيذ مشروعاتها مع منظمات وطنية، لاسيما أن هناك حظراً شاملاً لأى منظمة من مباشرة أى نشاط فى جمهورية مصر العربية أو الدخول فى أى صيغة من صيغ التعاون داخل البلاد إلا بعد الحصول على إذن من الجهاز المشار إليه عاليه.

كما ضرب القانون بالمبادئ الدستورية ومعايير الأمم المتحدة والمواثيق الدولية عرض الحائط، فحرية إنشاء المنظمات وعملها وعدم التدخل فى نشاطها وأن تكون السلطة القضائية هى الفيصل بين المنظمات والسلطة الإدارية، فعلى سبيل المثال يصدر قرار حل المنظمات الأجنبية بقرار إدارى رغم النص الدستورى الواضح بعدم جواز حل الجمعيات إلا بحكم قضائى وهى قاعدة دستورية تنطبق على المنظمات المصرية والدولية فى مصر وتخضع لنفس القواعد الدستورية.

لم يدرك صناع القانون الدور المتعاظم الذى تلعبه المنظمات الدولية غير الحكومية على المستوى الدولى فى المجالات المختلفة سواء فى مجال التنمية الاجتماعية أو الاقتصادية والتنمية المستدامة ومحاربة الفقر والحقوق الصحية والثقافية والحقوق البيئية فضلاً عن مجال حقوق الإنسان، وقيام تحالفات وشبكات بين المنظمات التى تعمل فى تلك المجالات وتشكل لوبيات ضغط على صناع القرار الدولى، ومصر تحتاج إلى دعم هذه المنظمات والشبكات والمجتمع الدولى لا أن نصدر قانوناً يعادى تلك المنظمات وينظر إليها بالشك والريبة، فما يقوم به الرئيس على المستوى الدولى من سياسة تهدف إلى تطوير أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية وخلق مناخ من التعاون يصطدم بمثل تلك التشريعات التى تخلق أعداء لهذه السياسة، هل نعيد النظر فى هذا القانون ونطلق الحرية لحق التنظيم وخلق بيئة للتعاون بين المجتمع الدولى والدولة المصرية؟