المغرب في مواجهة أزمة سياسية إذا فشل بنكيران في تشكيل حكومته

كتب: وفاء صندي

المغرب في مواجهة أزمة سياسية إذا فشل بنكيران في تشكيل حكومته

المغرب في مواجهة أزمة سياسية إذا فشل بنكيران في تشكيل حكومته

أزمة سياسية تهدد المغرب بعد فشل عبد الإله بنكيران -رئيس الحكومة المعين من طرف الملك محمد السادس- في الإعلان عن حكومته، التي لم تظهر ملامحها بعد، في ظل استمرار حالة الإنسداد بين حزب العدالة والتنمية، متصدر الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأحزاب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، الذين قرروا الدخول الجماعي للحكومة، في المقابل اشترط عدم انضمام حزب الاستقلال لهذه التشكيلة، أو الاصطفاف الجماعي أيضًا في المعارضة.

وليست هناك بوادر أن ترى الحكومة المغربية النور في الأسابيع القليلة القادمة، خاصة بعد تجميد المشاورات، سواء مع الأحزاب التي أبدت موافقتها المشاركة في الحكومة (حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية)، أو مع الأحزاب التي شكلت الأغلبية في الحكومة السابقة (الأحرار والحركة الشعبية) والتي تلت مفاوضاتها الأولية مع بنكيران حرب تصريحات إعلامية، بعدما أعلن رئيس الحكومة أن حزب الأحرار يريد فرض شروط لا يمكن القبول بها، مضيفًا: "لن أقبل أن تتم إهانة المواطنين، وأن يتصرف أي كان كأنه هو رئيس الحكومة؛ (في إشارة لرئيس الأحرار) لأن الديمقراطية قالت كلمتها والأصوات هي المحدد، رغم الأموال والنفوذ".

وأمام هذا الجمود، شدد حزب التقدم والاشتراكية، في بيان له، على ضرورة تجاوز الوضعية الحالية وما تتسم به من جمود وما توحي به من فراغ مؤسساتي على الصعيدين التشريعي والتنفيذي.  

وحذر البيان ذاته مما أسماه مخاطر الأزمة السياسية، قائلا إن بلادنا في غنى عنها، حتى تتأتى مواصلة التراكمات الديمقراطية والتنموية التي تميز النموذج الديمقراطي المغربي في محيطه الجهوي.  

وطالب الحزب ذاته بضرورة تحلي كل الفرقاء بأقصى درجات الحكمة والنضج والتبصر، مناديا بتدبير المرحلة وفقا لمقاربة توافقية بناءة ومرنة.

في ذات السياق، اعتبر عادل بنحمزة، الناطق الرسمي بإسم حزب الاستقلال، أن حزبه مؤمن بضرورة احترام إرادة الناخبين المعبر عنها يوم 7 أكتوبر وحرص الملك على تنفيذ روح ومنطوق الفصل 47 من الدستور.  

وأضاف ذات المتحدث، أن من يخالف نتائج الصندوق فهو يوجد في مواجهة مع الناخبين، وأيضا مع الدستور؛ معتبرًا أن حزبه، الذي رفض التوقيع على عريضة كان تهدف إلى إسقاط بنكيران قبل تعيينه من الملك، هو في وضعية مريحة؛ لقيامه بواجبه السياسي والأخلاقي والتاريخي، مشيرًا إلى أن الدور الآن على من "يتفرجون" في البلاد وهي تقذف في آتون أزمة سياسية لا علم لنا بأهدافها وخلفياتها.  

وأبدى الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال أمله في أن يجتاز المغرب بكل مسؤولية هذا النوع من اللعب الصغير (في إشارة إلى اشتراط حزب الأحرار عدم مشاركة الاستقلال في تشكيلة الحكومة)، محذرا من تجاهل درجة الاحتقان الموجودة في المجتمع والذي يعكس إلى أي حد بلغ الغرور عند البعض، حسب تعبير ذات المتحدث.  

وما يزيد الوضع السياسي المغربي تعقيدا، فهو غياب أي نص دستوري يتحدث عن احتمال فشل رئيس الحكومة المعين من طرف الملك؛ من خلال الحزب الحاصل على الرتبة الأولى في الانتخابات، في تشكيل حكومته؛ مما يفتح بابا لعدة تأويلات.  

وضمن هذه التأويلات، يرى عبد المنعم لزعر، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، فيما يتعلق بما بعد فشل بنكيران في ضمان أغلبيته، أن نصوص الدستور تمنح إمكانيتين لا ثالث لهما للخروج من حالة الانسداد التي تعيشها الحياة السياسية المغربية، وأولها تدخل الملك عملا بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 47 من الدستور لتعيين رئيس حكومة جديد من حزب العدالة والتنمية، غير عبد الإله بنكيران، الذين لم يستطع اقناع باقي الاحزاب من الانضمام إلى قافلة حكومته خاصة بعد عودته إلى خطاب الحملة الانتخابية بالهجوم على القيادات المتفاوضة معه.  

وفي هذا الصدد اعتبر لزعر، أنه سيتم فتح المجال لانطلاق المشاورات السياسية من جديد تحت قيادة رئيس حكومة جديد، مؤكدا أن الدستور لا يتيح أي إمكانية لتعيين رئيس الحكومة جديد من غير الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب خلال اقتراع 07 أكتوبر.  اما السيناريو الثاني، حسب لزعر، فهو الانتخابات السابقة لأوانها.

وأوضح المتحدث أنها تتجلى في تدخل الملك عملا بمقتضيات الفصل 51 من الدستور لحل مجلس النواب المنتخب، موضحًا أنه يقع هذا الحل بعد خطاب يوجهه الملك للأمة عملا بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 96، وتتم الدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في ظرف شهرين على الأكثر من تاريخ الحل.

وفي حالة تعذر توفر أغلبية حكومية داخل مجلس النواب الجديد يمكن للملك مرة أخرى، إما تعيين رئيس حكومة جديد من الحزب المتصدر أو الدعوة إلى حل مجلس النواب عملا بمقتضيات الفصل 47 والفصل 98 من الدستور.  

من جهتها، تضيف الخبيرة الدستورية، نادية برنوصي، التي ساهمت في صياغة دستور 2011، على هذين السيناريوهين، سيناريو ثالث، بعدما اعتبرت ان حل الانتخابات المبكرة لا يرضي عددا من رؤساء الدول الذين لا يحبذون هذه الفكرة لأنها مكلفة للغاية.  

واعتبرت ذات الخبيرة أن الملك بإمكانه أن يكلف رئيس حزب آخر ليشكل الحكومة، مشيرة إلى أن الشارع يرفض حزب (الأصالة والمعاصرة)، و(الاستقلال) فقد الكثير من قوته، لذلك يبقى (التجمع الوطني للأحرار) الذي بدا مؤخرا منسجما وقويا، قبل أن تؤكد بأن الملك باعتباره الضامن الأسمى للسير العادي للمؤسسات، يمكنه أن يعين رئيس حزب الاحرار لتجاوز حالة البلوكاج (الانسداد).  

أما عبد الإله بنكيران، فقد أنكر، الأحد الماضي، امام شبيبة حزبه، كونه يعيش محنة بعد فشله في إقناع الأحزاب السياسية بالانضمام إلى أغلبيته وإعلان تشكيل الحكومة التي كلفه بها الملك محمد السادس، بالرغم من مرور قرابة الشهر ونصف الشهر على إجراء الانتخابات، معتبرا أنه إذا كتب الله أن يستمر في هذه المهمة (رئاسة الحكومة) سيستمر، وإذا لم يكتبها له بلاش منها (بلاها).  واضاف بنكيران، ليس هناك دواع للهول، وليس هناك ما يستدعي ذلك؛ لأننا لا نلعب، ولكون منهجنا أصيل ومتكامل ومبني على قواعد صلبة، مسجلا أن الفرق بيننا وبين الأخرين هو أننا لا نتصارع مع أحد على السلطة، ونشتغل في القانون، وهذه الصورة المشرقة التي قدمنا سلاح لا يوجد سلاح مضاد له.  

يذكر أن النقطة الخلافية بين بنكيران وحزب التجمع الوطني للأحرار في المفاوضات الحكومية هي بقاء حزب الاستقلال، الذي يتشبت حزب العدالة والتنمية بتحالفه معه، حتى لو كان الثمن إعلان الفشل في تشكيل الحكومة والعودة إلى الملك، بعد الوصول الى الباب المسدود، والذي سوف يكون تحكيمه هو المفصل في هذه الأزمة السياسية، التي ستفتح الباب ربما أمام تعديل دستوري لسد فراغ حالة الفشل في تشكيل الحكومة.  


مواضيع متعلقة