أحمد الطاهرى يكتب: مراكز الأبحاث الأمريكية تعانى من صدمة فوز «ترامب» وسيطرة الجمهوريين على الكونجرس

كتب: أحمد الطاهرى

أحمد الطاهرى يكتب: مراكز الأبحاث الأمريكية تعانى من صدمة فوز «ترامب» وسيطرة الجمهوريين على الكونجرس

أحمد الطاهرى يكتب: مراكز الأبحاث الأمريكية تعانى من صدمة فوز «ترامب» وسيطرة الجمهوريين على الكونجرس

ما زالت حالة من الريبة والتوجس تسيطر على عدد من خلايا التفكير أو مراكز الأبحاث الأمريكية منذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية، التى أسفرت عن فوز المرشح الجمهورى دونالد ترامب وسيطرة كاملة للجمهوريين على الكونجرس بمجلسيه، هذه الحالة ظهرت بوضوح على مقالات وتحليلات وأوراق بحثية وندوات شكلت نشاط مراكز فكرية على اتصال وثيق بالشرق الأوسط. فى كارنيجى وبروكنجز ومعهد واشنطن كان الشرود سيد الموقف على عقول الباحثين، ربما يعيشون واقع خسارة الرهان على المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون من ناحية واضطراب فعلى تعانى منه إرادات إقليمية فى الشرق الأوسط ترتبط بهذه المراكز والعقول البحثية بداخلها من جهة أخرى، وهو الأمر الذى سنسلط عليه الضوء فى السطور المقبلة.

{long_qoute_1}

ما بين الرهان على فشل استراتيجية ترامب المنتظرة فى مواجهة الإرهاب والدول الداعمة له والارتباك النفسى الظاهر من انطلاقة متوقعة فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن كان «ندى» مؤشراتها اتصالاً هاتفياً استثنائياً تلقاه الرئيس الأمريكى المنتخب من الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى فور إعلان النتيجة، وهو الاتصال الذى جدد تصريحات السيسى مع الإعلام الأمريكى حول ترامب، تلك التصريحات التى كانت توظف فى السابق من قبل الإعلام الأمريكى على أنها رهان على المستحيل ثم تحولت فيما بعد إعلان النتائج إلى رؤية ثاقبة للإدارة المصرية.

 

1

بروكنجز فى خدمة الدوحة

إذا أردت وضع خارطة لمراكز الأبحاث الأمريكية من الصعب أن تتجاوز معهد بروكنجز العريق، بصفته أحد أعرق بيوت التفكير الأمريكية، الذى تم تأسيسه منذ عام 1916 أى منذ قرن من الزمان، وعلى الرغم من الرونق الذى يحمله المركز البحثى ودوائر التأثير المتصلة به وبعقوله البحثية إلا أن المعهد ومنذ ما يقرب من عقد من الزمان أصبح يدور فى الشرق الأوسط على حسب المدار القطرى، ويخدّم بالصوت والفكر والفكرة والأوراق والمؤتمرات والندوات على الأجندة الإقليمية للدوحة، وهذا ليس اتهاماً ولكنه واقع تأسس منذ افتتاح ما يسمى بـ«بروكنجز الدوحة» ثم بمذكرة تفاهم بين الخارجية القطرية والمعهد فى العام 2012، هذا الواقع وتلك الحقيقة أصبحت الصبغة الأساسية لعمل المعهد العريق ورؤيته تجاه المنطقة، ومؤخراً وبعد انتخاب ترامب وهزيمة هيلارى كلينتون التى كانت تراهن عليها الدوحة وكانت تتبرع فى الصندوق الخاص بها بحسب ما نشرته وكالة أنباء رويترز، قبل ذهاب الأمريكيين للتصويت بأيام، نشر معهد بروكنجز ورقة بحثية يراهن فيها على فشل ترامب فى هزيمة تنظيم داعش، وعلى الرغم من استباق الأحداث لأن الإدارة الأمريكية لم تتبلور رؤيتها بعد إلا أن توجهاتها واضحة تجاه محاربة الإرهاب والدول الداعمة له إلا أن بروكنجز ومن خلفه الدوحة عكسوا نواياهم تجاه هذا التحرك من قبل الإدارة المنتظرة.

وتحت عنوان «أمريكا فى عهد ترامب تقصف داعش ولن تهزمه» قال معهد بروكنجز، انطلاقاً مما نعرفه حتى الآن، ستقوم السياسة الخارجية لدونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية بخفض «تدخلات أمريكا المكلفة» فى الشرق الأوسط، سيتم تقليص مبادرات بناء المؤسسات والدول، إذا لم يتم إيقافها بالكامل، تستمر الحرب على داعش، ولكن على الأرجح جواً على شكل غارات جوية مطّردة، وربما مكثّفة على أهداف فى العراق وسوريا، ومن المرجح أن تتفاوض إدارته مع نظام الأسد ورعاته فى روسيا للتوصل إلى اتفاق، من شأن كل هذا أن يضع حداً لما يُسمّى بالخلافة إلا أنه لن «يسحق» داعش نفسها، لقد انبثقت داعش من قلب الصراع وستتخطى القنابل التى تعترضها، فإن غابت الجهود التى تبذلها الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار وتركيزها على سيادة القانون والحكم الرشيد فى مناطق ما بعد الصراع، ستظل داعش (بالإضافة إلى العديد من المجموعات المسلحة الأخرى فى المنطقة) تجد المكان والموارد للتعبئة، وبالتالى لتهديد مصالح الولايات المتحدة. {left_qoute_1}

يختلف الشرق الأوسط الذى يواجهه ترامب عن ذلك الذى واجهه أسلافه، قُوّض نظام المنطقة المتمركز على الدولة القومية، حيث انهارت دولٌ أو تعرّضت أخرى لخطر شديد، وأصبحت مجموعات مسلحة وجهات فاعلة غير حكومية عنيفة تسيطر أكثر فأكثر على الهياكل السياسية والأمنية، بدلاً من القوات المسلحة التقليدية التى كانت موجودة من قبل وخاضعة للأنظمة التى تعاونت معها الولايات المتحدة على مر التاريخ، قد لا تسيطر داعش على الأراضى بالطريقة نفسها التى سيطرت عليها خلال العامين الماضيين، إلا أنه من شبه المؤكد أنها ستستمر بالاستفادة من هذه الأراضى لإعادة بناء صفوفها وتنظيمها، وما سيأتى بعد داعش غير واضح، إذ تحت الضغط قد تنقسم المجموعة إلى عدة مجموعات أو بدلاً من ذلك، قد تندمج مع حركات جهادية أخرى لتشكيل جبهة مشتركة وموحدة، ما لم يخطط ترامب للجلوس مع المجموعات المسلحة فى المنطقة والتفاوض معها، يبقى الخيار الوحيد القابل للتطبيق أمامه هو أن يساعد على إنشاء هياكل سياسية ذات مصداقية تتمتّع بالاحترام والشرعية فى سوريا والعراق، إنّ عملية بناء القدرات هى التى تؤدى إلى استقرار الدول، وإنعاش الاقتصادات المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية للمساعدة فى إعادة تأهيل المدن المدمرة، التى تضمن أن المجموعات الجهادية والمجموعات المسلحة الأخرى غير قادرة على تعبئة صفوفها من الضعفاء والفقراء، يمكن أن تحتوى الإصلاحات قصيرة الأجل داعش، بيد أنها لن تحتوى التهديد العابر للحدود الذى تطرحه المجموعة، أصبح من غير المقبول التحدث عن تهديدات بعيدة فى زمن العولمة والقدرة على الحشد عبر وسائل التواصل الاجتماعى، لا تقتصر هزيمة المجموعات كداعش والقضاء على خطر المجموعات الجهادية على ربح الحرب فحسب، بل أيضاً على ربح السلام، لقد استثمرت الولايات المتحدة بشكل كبير فى أماكن مثل العراق وأفغانستان، وكانت التكاليف باهظة، ولكن، صحيح أنه ما من نيّة أو سبب منطقى لنشر عشرات آلاف الأفراد من الجيش الأمريكى مرة أخرى، إلا أنّ ذلك لا يعنى أن الموقف يجب أن يصبح فى الطرف المعاكس، تتداخل المكونات الإنسانية والأمنية للحرب على داعش بشكل كبير، فالاستقرار يخلق بيئة أمنية أقوى واستقراراً سياسياً أكثر فاعلية، وذلك من شأنه أن يساهم فى التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية، على سبيل المثال، لقد ساعد تدخّل الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة فى تخفيف التوترات العرقية والطائفية بين الفصائل العراقية المتناحرة، ويمكن تكرار ذلك فى سوريا.

قد يتوجب أن يكون نظام الأسد جزءاً من التسوية للصراع، بيد أنّ ذلك لا يعنى إعطاءه وروسيا وإيران تفويضاً مطلقاً. إذ إنّ الأسد وممارسات نظامه هى التى مكّنت داعش من أن تصبح ما هى عليه اليوم، لقد قتل نظام الأسد مئات الآلاف مقارنة بداعش التى قتلت بضعة آلاف من الناس، بغض النظر عما إذا تم التوصل إلى اتفاق أو لا، هناك على الأقل 100٫000 مقاتل سورى مكرّس لإسقاط النظام، سيكون لفكرة تسليم مسئولية الأمن الإقليمى والدولى لروسيا والطغاة والأنظمة الاستبدادية التى يعتقد ترامب أنها ستكون «جيدة فى محاربة الإرهاب» تداعيات أمنية خطيرة على الولايات المتحدة والمجتمع الدولى بأسره، ومن شأنها أيضاً أن تغيّر ميزان القوى فى المنطقة أكثر فأكثر لصالح منافسى أمريكا، كما أنها تقدّم لهم المزيد من النفوذ فيما يتعلق بالصراعات والنزاعات خارج منطقة الشرق الأوسط، فما إذن الذى سيمنع روسيا من استخدام نفوذها المتزايد فى الشرق الأوسط ضد مصالح أمريكا فى أوروبا أو منطقة آسيا والمحيط الهادئ؟ وما الذى سيمنع الصين من الاستفادة من إطار أمنى شهد تغيّراً كبيراً ومن الشكوك التى يخلقها؟ سيحتاج ترامب أن يكون أكثر إبداعاً وطموحاً، وحدها الحوكمة الرشيدة والجهود المبذولة من أجل تحقيق الاستقرار، بالإضافة إلى استراتيجية عسكرية، من شأنها أن تمنع صعود نجم داعش مرة أخرى، وليس اهتمام أمريكا بقضاياها الداخلية فقط، فهذه الأخيرة، مهما حاولت، لا يمكنها أن تحمى نفسها من التهديدات العالمية من خلال الانفصال عن هذا العالم المترابط الذى نعيش فيه.

إلى هنا وانتهى اجتهاد بروكنجز، الذى غاب عنه أن كل العوائق التى وُضعت فى طريق ترامب، كما رصدها، هى فى الأساس من فعل الممارسة السياسية السيئة لإدارة باراك أوباما التى كانت طرفاً فى المشهد الإقليمى المتأزم الآن، كما أن التحليل اعتمد فى بناء الرؤية على افتراض، وهو أن إدارة ترامب سترتكن إلى نفس الوسائل التى كانت تعتمد عليها إدارة أوباما ولن تبتكر أدواتها، ولن تقدم هى مبادراتها، ولن تصيغ تحالفاتها التى بدأت فى التبلور بشكل مباشر بعد انتخابه.

{long_qoute_2}

 

2

مارك لينش.. أزمة التقارب بين السيسى وترامب

اجتهد مارك لينش فى قراءة المشهد عقب انتخاب ترامب، ولكنه كان اجتهاداً أحادى الرؤية، يتسق مع منهج معهد كارنيجى الذى نشر تحليل لينش والذى ظهر عليه الاستفزاز من التقارب المصرى الأمريكى المباشر بين السيسى وترامب، وتوقف أمام الاتصال الذى جرى من الرئيس المصرى لساكن البيت الأبيض الجديد فور إعلان نتيجة الانتخابات، وقال لينش ربما من المبكر للغاية استقراء ما يعنيه انتصار دونالد ترامب الصادم -على حد تعبيره- فى الانتخابات الأمريكية، بالنسبة إلى السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، فترامب نفسه لم يطرح حتى الساعة أفكاراً متّسقة حول المنطقة، كما أن هويات كبار المسئولين لا تزال فى علم الغيب، وهذا ما يجعل أهدافه الإقليمية أشبه بقائمة فارغة، لكن، وكما لاحظ بيرى كاماك، ثمة بعض المعطيات الرئيسية التى قد تشكّل سياسته الأوّلية، فمع عدم استبعاد التبعات الكارثية -على حد توصيفه- التى قد يُسببها ترامب فى معظم مجالات السياستين الداخلية والخارجية، ثمة مبرر للاعتقاد، وإن كان هذا سيُعتبر مفاجئاً، بأن الشرق الأوسط سيكون البقعة الأقل تأثراً بها، ويرى الباحث أن ترامب لن يتدخل ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد مهما ارتكب الأسد من خطايا، وذلك قياساً على ما سبق وأعلنه من شكوك حول نوايا المتمردين فى سوريا، فضلاً عن انتقاده لفكرة كلينتون بإقامة حظر جوى، وهذا جنباً إلى جنب مع شعوره بالراحة فى حضن روسيا، يزيدان من احتمال ألا يدعم ترامب فكرة التدخل الإنسانى ضد النظام السورى، ويكمل: على الرغم من أن الرئيس المنتخب سيُواجه ضغطاً كبيراً للتدخل من جانب مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى نائبه مايك بينس، إلا أنه يبدو واضحاً الآن أن التصعيد الأمريكى فى سوريا، الذى كان الجميع يتوقعونه، لن يرى النور، وهذا يعنى أن شيئاً ما شبيهاً بالأمر الواقع قد يتواصل، وهو أمر لم يكن ليحدث لو فازت هيلارى كلينتون بالرئاسة، أما بالنسبة إلى أولئك فى الولايات المتحدة الذين كانوا يعتقدون أن التدخّل المحدود لم يكن ليحقق سوى النذر اليسير على أى حال، لا بل قد يعبّد الطريق أمام تورّط أوسع، فإن عدم توجّه الولايات المتحدة إلى سوريا هو، برأيهم، أحد الجوانب المشرقة فى هذه الانتخابات، كذلك لا يُحتمل أيضاً أن يغيّر ترامب الكثير فى طبيعة الحملة التى تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق، وهو سيدرك سريعاً أن هذه الحملة تُبلى بلاء حسناً للغاية، خاصة فى العراق، كما سيكون سعيداً أن ينسب لنفسه الفضل لسقوط الموصل والرقة، إذا ما حدث ذلك غداة تنصيبه، أما بالنسبة إلى إيران، فسيؤدى وضع ترامب انتقاداته المتكررة للاتفاق النووى معها موضع التنفيذ، إلى نشوب تمزقات حادة، لكن يُحتمل أن يغيّر رأيه حين يطّلع بالكامل على الفوائد والمزايا الحقيقية للاتفاق، وعلى تكاليف شطبه، خاصة مع استبعاد إعادة فرض العقوبات، وهكذا، وبدلاً من تمزيق الاتفاق من دون تحضير بديل له، قد يكتفى ترامب بالمطالبة بصوت خفيض بإعادة التفاوض عليه، لكن على أى حال، هذه إحدى القضايا التى من الصعب للغاية الحُكم عليها مسبقاً.

هنا نصل إلى خواتيم الأخبار الطيبة، إذ ما لم يحدث تغيُّر بارز فى توجهاته، سيواصل ترامب فى الغالب إطلاق العنان لآرائه المتطرفة -على حد تعبير الباحث- ضد «الإسلام الراديكالى»، وهذا سيعزز سرديات صدام الحضارات، ولن يسفر سوى عن زيادة جاذبية الجماعات الجهادية، ثم إن عدم إيلاء الاهتمام بحروب مثل تلك التى تجرى وقائعها الآن فى ليبيا واليمن، سيضمن للجهاديين الفارين من خلافة الدولة الإسلامية المُتحطمة ملاذات آمنة جديدة، والحال أن فهم ترامب الفج للتلاوين المعقّدة للعالم الإسلامى اليوم، التى تتضمن حُمى نظريات المؤامرة حول جماعة الإخوان المسلمين فى صفوف قواعده السياسية، سيجعل من ممارسة سياسة فعّالة أمراً عصى المنال، ويستطرد بالحديث عن بيانات ترامب اللاذعة عن المملكة السعودية، ومطالباته الملحة بأن يتحمَّل الحلفاء قسطاً أكبر من الأعباء، لنقول إن كل هذا قد يكون مؤشراً على احتمال اندلاع توترات جديدة فى التحالفات الإقليمية، لكن هذا أيضاً قد يُلقى به جانباً سريعاً على قارعة الطريق، قد يشعر حلفاء أمريكا الشرق أوسطيون بالقلق من تعابير ترامب الازدرائية، وسلوكياته الغريبة، وآرائه المناهضة للإسلام، ومواقفه حول التحالفات، لكن يُحتمل أن ينسج علاقات طيبة للغاية مع الرجال الأقوياء المعادين للديمقراطية -على حد تعبيره- وهنا، ليس مفاجئاً أن يكون الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى من أوائل قادة العالم الذين بادروا بالاتصال به للتهنئة.

إلى هنا نكتفى بسرد وتحليل مارك لينش فى كارنيجى، وهنا أيضاً نتوقف للرد على ما احتوته سطوره من نوايا أكثر منها رؤية، وغضب أكثر منه فكراً، وحزن أكثر منه قراءة.

1- تخلى مارك لينش عن موضوعيته كباحث وظهر انحيازه الفج من خلال بعض المصطلحات فى توصيف نتائج الانتخابات الرئاسية مثل «الصادمة» والكارثية.

2- تجلى فساد الرؤية التحليلية للباحث عندما اعتبر أن التطرف هو مواجهة التطرف، وملاحظ أيضاً أنه لم يستخدم مصطلح الإرهاب فى توصيف التنظيمات الإرهابية واكتفى بتوصيف لين وهو الإسلام الراديكالى.

3- سعى الباحث إلى تصوير نوايا ترامب بمواجهة التطرف والإرهاب والدول الداعمة له بأنها خصومة مع الإسلام الدين وأن ذلك يعمق صدام الحضارات.

4- ظهر أن الباحث يكتب بصفته وكيلاً عن أطراف إقليمية بعينها ويسعى أن يكون محامياً مدافعاً عن مصالحها التى من المؤكد أنها ستتأثر أو تأثرت بالفعل مع إعلان فوز ترامب بعد أن ألقت هذه الأطراف بثقلها فى كفة هيلارى الخاسرة.

5- بلغ الشطط بالباحث أن يتوقف بهذا القدر من الغضب أمام اتصال تهنئة بروتوكولى بين الرئيس السيسى والرئيس ترامب، وتناسى الباحث أن الأخير هو من طلب لقاء الرئيس السيسى أثناء مشاركته فى الجمعية العامة، وكان لهيلارى الطلب نفسه، ولبى السيسى الطلبين، وهو أمر منطقى لحيوية العلاقة بين القاهرة وواشنطن وتأزمها الاستثنائى الذى يجب ألا يطول لمصلحة البلدين، وإذا كان فى هذا الاتصال ما يلفت فهو سرعة استجابة الرئيس ترامب فى هذا التوقيت، وهو يؤكد على اعتزاز الرجل بالعلاقات مع مصر وبالقيادة السياسية لمصر، وهو اعتزاز ليس خافياً، إذ عبر عنه مستشاره لشئون الشرق الأوسط وليد فارس فى أكثر من محفل، ولكن لعل هذا الشطط يكون مؤشراً لدوائر السياسة المصرية أن داخل واشنطن من يريد التصدى للتقارب بين مصر والولايات المتحدة، ويجب أن تدرك مصر ذلك ويجب أن تعمل على مواجهته.

 

3

ترامب فى ميزان معهد واشنطن

عقب نتائج الانتخابات نظم معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حلقة نقاشية حول الرئيس الأمريكى الجديد والشرق الأوسط، وتحدث خلالها الباحث الأمريكى والمفكر الأمريكى الكبير دينيس روس، التى قال خلالها إن المجتمع الدولى لا يملك أدنى فكرة حول ما يمكن توقّعه من ترامب، وتُعتبر هذه الضبابية الدبلوماسية تجربة مهينة فى أحسن الأحوال، فعلى ترامب أن يطمئن حلفاء الولايات المتحدة قبل أن يستلم سدة الرئاسة؛ إذ إن التطمينات والتعهدات تكتسب أهمية مميزة فى الأوقات الصعبة المماثلة لتلك التى نشهدها حالياً، فحلف شمال الأطلسى (الناتو) مهم، وهو الأمر بالنسبة للدول العربية السنّية، ونظراً إلى أن أحد أهداف ترامب القليلة الواضحة يتمثل فى تدمير تنظيم «الدولة الإسلامية»، فمن الضرورى للغاية إشراك المملكة العربية السعودية ودول مماثلة فى تحقيق هذا الهدف، حيث لا يمكن تجريد أيديولوجيا التنظيم من مصداقيتها من دون هذه الدول، وسيكون التودّد إلى روسيا جيداً من الناحية النظرية إذا كانت العلاقة متبادلة، لكن إذا أراد ترامب استمالة السنّة إليه، سيحتاج إلى توخى الحذر فى تعامله مع الموضوع السورى، وحالياً، تبدو روسيا عازمةً على إخضاع شرق حلب عبر إمطارها بالقصف، ومن شأن أى حملة مماثلة أن تؤدّى على الأرجح إلى نزوح نحو 100 ألف لاجئ إضافى خلال الأسابيع المقبلة، وبالتالى، عندما يتم تنصيب ترامب فى يناير، فقد يكون فى موقع جيد للدعوة إلى وقف إطلاق النار وإقامة روابط دبلوماسية، أى تمهيد الطريق بشكل أساسى أمام عودة الأسد إلى السلطة (الكاملة فى سوريا)، وإذا كان هذا ما يصبو إليه فعلياً، عليه أن يُطلع موسكو بأن الولايات المتحدة ستردّ على ما يقوم به الأسد إذا واصل سجله الرهيب فى مجال حقوق الإنسان، وعلاوة على ذلك، تدرك روسيا أن عدم إطاعة القواعد العالمية سيؤدى إلى فرض عواقب وخيمة. وفى حين أعرب ترامب مراراً عن رغبته فى عدم التدخل فى شئون الشرق الأوسط، غالباً ما يغيّر المرشحون مواقفهم عندما يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة لدى استلامهم سدّة الرئاسة، لكن النتيجة النهائية لأى أزمة إقليمية ستتوقّف إلى حدّ كبير على أعضاء الحكومة والمستشارين الذين يحيطون به، ومهما كان عليه الحال، نظراً إلى وضع المنطقة الراهن -حيث يبقى الفلسطينيون منقسمين أكثر من أى وقت مضى، ويميل الإيرانيون نحو التوسّع الإقليمى، فى حين يجد السعوديون أنفسهم فى قلب «ثورة مقنّعة بوجه الإصلاح الاقتصادى»- يحتاج الحلفاء التاريخيون للولايات المتحدة فى إسرائيل والدول العربية السنّية الآن إلى أمريكا قوية أكثر من أى وقت مضى.

وانتهت إلى هنا رؤية الباحث فى الحلقة النقاشية التى شارك فيها الكاتب السعودى جمال خاشقجى، ولكن لم نجد فى حديثه ما يستحق تسليط الضوء عليه، وفيما يخص رؤية روس فهى أيضاً تأتى من نفس المنطلق الذى وقع فيه عدد من الباحثين الأمريكيين الرافضين لترامب وهو تحميله أخطاء إدارة أوباما بشكل مغلف وترقب فشله فى تحقيق نتائج لم يكن طرفاً فى معادلاتها، فضلاً عن التخديم على أطراف إقليمية بعينها تتوجس من وجود ترامب فى البيت الأبيض.


مواضيع متعلقة