بروفايل| "مجلة سندباد".. الطفلة الأولى

12:58 م | الأحد 20 نوفمبر 2016

يستيقظ الأطفال صبيحة الثاني من يناير عام 1952، يظنونه يوما روتينيا يقضونه ما بين اللعب مع أشقائهم أو صوت ذلك الراديو الذي صدح بأغان ألفوا سماعها أو ورقة صغيرة ذهبت إليها أيديهم وجها ناصع البياض أو شجرة أعجبهم خضارها أو بحر عشقوا زرقته، قبل أن يفاجئوا بتلك المجلة التي دخلت منزلهم دون سابق استئذان، تمتلأ أوراقها بصور ورسوم اشتاقت إليها أعينهم، ويسعدون فيها بحكايات ذلك الشخص الممسك بعصاه ومنظاره أثناء بحثه عن أبيه، فيكون "الخميس" من كل إسبوع هو موعدهم المتجدد مع ذلك المدعو "سندباد" يطل عليهم من داخل مجلة حملت اسمه.

جهود مضنية بذلها الأديب محمد سعيد العريان، صاحب فكرة إنشاء المجلة ورئيس تحريرها، من أجل الظهور بصورة تليق بأول محاولة ناجحة لمجلة مصرية وعربية متخصصة للأطفال، حيث لم تكتفٍ بمجرد ترجمة قصص للأطفال من الأدب العالمي ومعالجتها بما يتناسب مع المجتمعات العربية، بل أصر صانعوها على كتابة مغامرة جديدة كل إسبوع يقودها "سندباد" مع كلبه "نمرود" الذي كان ملازما له في كل تحركاته، علاوة على "صفوان"، ابن عم "سندباد" الذي فرد له صناع المجلة مساحات كبيرة تستوعب مغامراته البوليسية.

"الحواديت" لم تكن السبب الوحيد في نجاح تلك المجلة التي صدرت عن "دار المعارف" للنشر، بل كانت رسوم الفنان الشامل "حسين بيكار" هي ما أعطت مذاقا خاصا لروايات الأطفال، حيث برع في إخراج شخصية "سندباد" بملامح طفل عربي يغلب عليه النبل والبراءة والقوة في آن واحد، مع وضع تعبيرات متباينة تتناسب مع تغير مواقف الشخصيات في القصة، فضلا عن كونه مبتكرا للعديد من شخصيات الحكاية مثل "قمرزاد"، التي تطل بملامحها الطفولية الجميلة، وشخصية "مشيرة"، عمة "سندباد" التي تجري الأحداث على لسانها.

لم يستأسر "بيكار" بالرسم لنفسه في مجلة "سندباد"، بل كان سببا في تطوع عدد من الرسامين بالمشاركة في رسم "الحدوتة" من أمثال يوسف فرانسيس ومصطفى اللباد، علاوة على وجود الرسام العالمي "موريللي" بالمساهمة في رسوم تلك المجلة من خلال شخصية "زوزو" الذي أحبه الأطفال لصلعة رأسه ذات الشعرة الوحيدة ومواقفه الكوميدية المتكررة على مدار مغامرات "سندباد".

المجلة ذات الرواية الواحدة تتكالب عليها الظروف، مؤشر توزيعها الذي وصل يوما إلى 27 ألف نسخة يبدأ في الانهيار، ثم تأتي وزارة التربية والتعليم لتعلن قرب النهاية بعد سحب اشتراكها في المجلة، فيرفع "سندباد" الراية في يوليو عام 1960، بعد آخر أعداده التي ترك فيها منظاره وعصاه بصمة لكل من أراد أن يتذكره.