قرارات استثمارية.. تحرير سعر الصرف وخفض دعم الوقود

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

لا يمكن فصل القرارات الاقتصادية الأخيرة التى صدرت فى مصر منذ يوم الثلاثاء الماضى عن بعضها البعض، بل يجب أخذها كحزمة ربما تأخر إصدارها، بدءاً من قرارات المجلس الأعلى للاستثمار وانتهاء بقرارات تحرير سعر الصرف وخفض الدعم على الوقود. يوم الثلاثاء الماضى صدرت قرارات الاستثمار رافعة شعار تشجيع المستثمر المصرى وتقديم الدعم له وتقنين أوضاعه، وليأت المستثمر الأجنبى متى شاء. نعم، فما صدر من قرارات يوحى بذلك، بدءاً من تخفيض أسعار بيع الأراضى فى مناطق الاستثمار بكافة أنحاء المدن الجديدة فى مصر، ومنح المستثمرين زراعياً وصناعياً فى سلع استراتيجية يتم استيرادها أو تصديرها إعفاءات ضريبية، وكذلك مهلة التصالح الضريبى لمدة شهرين مع من يمارسون العمل الحر بلا ملفات ضريبية فيما يُعرف باسم الاقتصاد الرمادى ويقدر البعض حجمه بنحو 50 مليار جنيه مصرى. هذه القرارات وغيرها تأخر إصدارها بالنسبة لى مع تأخر إصدار قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية. ولكننا بدأنا ندرك أنه لن يبنى مصر إلا أبناؤها، ولن يأتى المستثمر الأجنبى إلا إذا وصل لسمعه هدير المواتير فى كل شبر فى مصر. ولعل هذه القرارات كانت سبباً مباشراً فى خفض قيمة الدولار أمام الجنيه فى السوق السوداء خمسة جنيهات فى ليلة واحدة.

هنا يأتى دور الحديث عن قرار تحرير سعر الصرف الذى فاجأ المصريين صباح الخميس ليتحدد سعره وفقاً للعرض والطلب داخل البنوك. وهو ما دفع تجار الدولار إلى المسارعة ببيعه للبنوك مباشرة ليحصد بنك مصر بمفرده -فى أول ثلاث ساعات من قرار تحرير السعر ووفقاً لتصريحات مديره لـ«رويترز»- 7 ملايين دولار قام عملاء ببيعها خوفاً من مزيد من خسارة السعر. فإذا كان هذا حال بنك واحد فى أول ثلاث ساعات فقط فما حال كل البنوك مع نهاية هذا اليوم وبقية الأيام؟ وهنا تجدر الإشارة مجدداً إلى أن سعر الصرف فى أى دولة ليس دليلاً على قوة الاقتصاد أو ضعفه فيها. فروسيا التى يبلغ ناتجها القومى ملياراً و223 مليون دولار سنوياً ويبلغ الاحتياطى النقدى لها 364 مليار دولار تقريباً يصل فيها سعر الدولار إلى 65 «روبل روسى». إذاً العبرة ليست بسعر الدولار ولكن بقوة الإنتاج ونسب النمو وقوة ميزان المدفوعات. ولذا لا يعنينى سعر الدولار مقابل الجنيه المصرى ولكن يعنينى حجم ما علينا أن ننتجه فى مصر لنقلل وارداتنا ونضاعف صادراتنا.

ثم نأتى لثالث قرار صدر فى نهاية يوم الخميس الماضى حينما قررت الدولة تطبيق المرحلة الثانية من خفض الدعم على الوقود من السولار والبنزين «92». وهنا وجب توضيح أن تلك الخطوة ليست استجابة لمطالب صندوق النقد الذى ننتظر منه قرضاً بقيمة 12 مليار دولار، ولكنه تطبيق للمرحلة الثانية من مراحل خفض الدعم التى بدأتها مصر فى يوليو 2014 وأعلنت يومها أنها ستلغى الدعم على الوقود خلال خمس سنوات فى إطار برنامج إصلاح اقتصادى لم تجرؤ حكومة مصرية على تطبيقه منذ العام 1977 فى أعقاب مظاهرات يناير الشهيرة. نعم اعتاد الشعب الدعم لسنوات ولكنه لم يكن قراراً صائباً لأنه نحر مستوى الخدمات حتى صرنا نعيش فى شبه دولة المؤسسات المدعومة بفساد مسنود بالقانون.

أدرك أهمية تلك القرارات، كما أدرك صعوبتها على المواطن البسيط مع توقعات زيادة التضخم فى البداية وارتفاع الأسعار، ولكننى أدرك فى ذات الوقت أننا بحاجة إلى مجموعة مكملة وسريعة من القرارات الاقتصادية لحماية ما بدأناه من خطوات ودعم الطبقة الوسطى عامود المجتمع. فنحن بحاجة لدولة القانون الحاسم الناجز لقطع يد أى فاسد بنفس ثقافة الإرهاب. وكذلك تنقية قوائم الدعم التموينى وإخراج غير مستحقيه منه. ونشر ثقافة ترشيد الاستهلاك والتركيز على الأولويات لدى كافة المواطنين أياً كان موقع مسئوليتهم.